خطبة عيد الأضحى المبارك 1434هـ صمود الإسلام وانتشاره

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/ أيام التقوى 2/ الإسلام عصيّ على محاولات المسخ والتشويه 3/ مجالات محاربة الإسلام عبر تاريخه 4/ حفظ الله تعالى لدينه 5/ وصايا للمرأة المسلمة

اقتباس

إن الإسلام -وعبر تاريخه الطويل- قد تأبى على محاولات المسخ والتشويه والتحريف والتبديل والتغيير والإدخال فيه والنقص منه، وهي المحاولات التي كررها أهل النفاق عبر القرون، فلم يدخل في الإسلام شيء ليس منه، ولم يخرج منه ما هو منه، رغم أن محاولات نسخ القرآن والإدخال فيه كانت كثيرة جدا..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ وَلِيِّ الصَّالِحِينَ، وَبَاسَطِ الرَّحْمَةِ عَلَى العَالَمِينَ، الحَمْدُ للهِ مُجِيبِ الدَّعَوَاتِ، مُقِيلِ العَثَرَاتِ، الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، خَالِقِ البَرِيَّاتِ، الحَمْدُ للهِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَخَالِقِ البَشَرِ مِنْ طِينٍ، الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأَعْلَى؛ خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَإِلَيْهِ الرُّجْعَى، نَحْمَدُهُ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَرَعَ الأَعْيَادَ لِعِبَادِهِ، وَأَفَاضَ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ هِبَاتِهِ؛ فَهُمْ بَعِيدِهِمْ يَفْرَحُونَ، وَمِنْ رِزْقِ رَبِّهِمْ يَأْكُلُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَقَامَ للإِسْلَامِ أَرْكَانًا، وَشَيَّدَ لَهُ بُنْيَانَا، وَرَبَّى لَهُ أَنْصَارًا، أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ فِي بَذْلِهِ، وَضَحَّوْا بِأَرْوَاحِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، فَصَارَ الإِسْلَامُ دِينَ اللهِ تَعَالَى الخَالِدِ، لاَ يُبْلِيهِ طُولُ زَمَنٍ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ تَحْرِيفُ مُحَرِّفٍ، وَلاَ يُنْهِيهِ تَبْدِيلُ مُبَدِّلٍ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.

 

اللهُ أَكْبَرُ؛ ذَلَّتْ لِعَظَمَتِهِ المَخْلُوقَاتُ فَلاَ خُرُوجَ لَهَا عَنْ أَمْرِهِ، اللهُ أَكْبَرُ؛ خَضَعَتْ لِجَبَرُوتِهِ البَرِيَّاتُ فَمَضَى فِيهَا قَدَرُهُ، اللهُ أَكْبَرُ؛ دَانَتْ لَهُ المَوْجُودَاتُ فَحَوَاهَا مُلْكُهُ، اللهُ أَكْبَرُ، افْتَقَرَ العِبَادُ إِلَيْهِ فَوَسِعَتْهُمْ رَحْمَتُهُ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْض بِأَمْرِهِ) [الروم: 25].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: هَذِهِ الأَيَّامُ هِيَ أَيَّامُ التَّقْوَى، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، هِيَ أَيَّام الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، وهِيَ أَيَّامُ الشَّعَائِرِ وَالمَنَاسِكِ، أَيَّامٌ تُنْهَرُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَتُرْفَعُ الأَكُفُّ بِالدُّعَاءِ، أَيَّامٌ تَعُجُّ فِيهَا فِجَاجُ مَكَّةَ وَأَوْدِيَةُ مِنًى وَبِطَاحُ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ، وَتَلْهَجُ الأَلْسُنُ للهِ تَعَالَى بِالحَمْدِ وَالتّعْظِيمِ، فَيَا للهِ العَظِيمِ، كَمْ عَظَّمَ الحُجَّاجُ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ؟! كَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ رَفَعُوهَا إِلَيْهِ فَأُعْطُوهَا؟! كَمْ مِنْ حَاجٍّ يَعُودُ حِينَ يَعُودُ وَقَدْ حُطَّتْ عَنْهَا خَطَايَاهَ وَأَوْزَارُهُ، فَرَجَعَ مِنْهَا كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَفِي سَائِرِ الأَمْصَارِ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ للهِ تَعَالَى فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ بِالذَّبْحِ عَلَى اسْمِهِ؛ لِإِعْلاَنِ التَّوْحِيدِ، وَمُرَاغَمَةِ أَهْلِ التَّنْدِيدِ، فَاللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَ الحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَمِنَ المُضَحِّينَ أَضَاحِيهُمْ، وَمِنَ المُسْلِمِينَ أَعْمَالَهُمْ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أُمَّةَ الإِسْلَامِ: فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ الَّتِي حَجَّهَا النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- فَوَدَّعَ الأُمَّةَ فِيهَا؛ أَكْمَلَ اللهُ تَعَالَى دِينَكُمْ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، وَرَضِيَ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا؛ فَهُوَ دِينُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، وَأَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، قَضَىَ اللهُ تَعَالَى بِحِفْظِهِ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحَجّر: 9]، (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 41، 42]، وَالقُرْآنُ هُوَ وِعَاءُ الإِسْلَامِ، فإِذَا حُفِظَ القُرْآنُ حُفِظَ الإِسْلَامُ.

 

إِنَّ الإِسْلَامَ -وَعَبْرَ تَارِيخِهِ الطَّوِيلِ- قَدْ تَأَبَّى عَلَى مُحَاوَلاتِ المَسْخِ وَالتَّشْوِيهِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالإدْخَالِ فِيهِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ، وَهِيَ الُمَحاوَلاَتُ الَّتِي كَرَّرَهَا أَهْلُ النِّفَاقِ عَبْرَ القُرُونِ، فَلَمْ يُدْخَلْ فِي الإِسْلَامِ شَيْءٌ لَيْسَ مِنْهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ، رَغْمَ أَنَّ مُحَاوَلاَتِ نَسْخِ القُرْآنِ وَالإِدْخَالِ فِيهِ كَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا.

 

وَمُحَاوَلاَتُ الكَذِبِ فِي السُّنَّةِ كَانَتْ أَكْثَرَ حَتَّى أُلِّفَتْ كُتُبٌ فِي المَوْضُوعَاتِ مِنْ كَثْرَتِهَا؛ إِذْ هِيَّأَ اللهُ تَعَالَى حُفَّاظًا لِلْقُرْآنِ تَحْوِيهِ صُدُورُهُمْ قَبْلَ قَرَاطِيسِهِمْ، وَيُحْيِونَ بِهِ لَيْلَهُمْ، وَيَجْهَرُونَ بِهِ فِي صَلاَتِهِمْ، فَأَنَّى لِمُنَافِقٍ أَوْ زِنْدِيقٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يَنْقُصَ مِنْهُ، إِذَا لاحْتَسَبَتِ الأُمَّةُ كُلُّهَا عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُمْ حَفِظُوا كِتَابَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَانْبَرَى لِحِفْظِ السُّنَّةِ أَفْذَاذٌ مِنَ الرِّجَالِ، أَوْقَفُوا أَعْمَارَهُمْ كُلَّهَا عَلَى حِفْظِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَبْطِهِ، وَتَنْقِيَتِهِ مِمَّا أَدْخَلَهُ الكَذَّابُونَ فِيهِ، حَتَّى ضَبَطُوا أَلْفَاظَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، وَرَحَلُوا إِلَى أَقَاصِي البُلْدَانِ لِتَتَبُّعِهَا، وَأَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ فِي حِفْظِهَا، فَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى بِهِمُ السُّنَّةَ.

 

إِنَّ المُحَاوَلاَتِ الفِكْرِيَّةَ وَالعِلْمِيَّةَ لِتَحْرِيفِ الإِسْلَامِ قَدِيمًا عَلَى أَيْدِي المُنَافِقِينَ، وَحَدِيثًا عَلَى أَيْدِي المُسْتَشْرِقِينَ وَالعَلْمَانِيِّينَ قَدْ بَاءَتْ بِفَشَلٍ ذَرِيعٍ، وَسَوَادُ الأُمَّةِ الأَعْظَمُ يَتَّبِعُونَ الدِّينَ الصَّحِيحَ، وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيُدَافِعُونَ عَنْهُ، وَلَوْ وُجِدَتِ انْحِرَافَاتٌ هُنَا وَهُنَاكَ فَإِنَّهَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الإِسْلَامِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اغْتَرَّ بِهَا بَعْضُ المُسْلِمِينَ.

 

وَأَمَّا عَلَى الصَّعِيدِ العَسْكَرِيِّ: فَإِنَّ مُحَاوَلاَتِ اجْتِثَاثِ الإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أَعْدَائِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، ابْتَدَأَتْ بِمَعَارِكِ المُشْرِكِينَ مَعَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- فِي بَدْرٍ وَمَا بَعْدَهَا، ثُمَّ تَجَاوَزَتْ مُشْرِكِي العَرَبِ إِلَى نَصَارَى الرُّومِ الَّذِينَ حَشَدُوا فِي مُؤْتَةَ حُشُودًا ضَخْمَةً لِمَنْعِ امْتِدَادِ الإِسْلَامِ، لَكِنَّ الإِسْلَامَ امْتَدَّ فَأَسْقَطَ دَوْلَتَيِ الرُّومَانِ وَالفُرْسِ فِي الخِلاَفَةِ الرَّاشِدَةِ، وَبَلَغَ أَقَاصِي الأَرْضِ فِي خِلاَفَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، حَتَّى لاَ تَكَادُ تُوجَدُ أَرْضٌ لَمْ يَبْلُغْهَا الإِسْلَامُ، وَحُكِمَتْ أَغْلَبُ الشُّعُوبِ بِهِ.

 

وَلَكِنَّ الأَعْداءَ لَمْ يَهْدَأْ لَهُمْ بَالٌ، وَلَمْ يَقَرَّ لَهُمْ قَرَارٌ، فَسَيَّرَ النَّصَارَى سَبْعَ حَمَلاَتٍ صَلِيبِيَّةٍ ضَخْمَةٍ جِدًّا، كَانَتْ شُعُوبُ أُورُوبَّا تَزْحَفُ بِعَتَادِهَا عَلَى الشَّامِ لاقْتِلاَعِ الإِسْلَامِ مِنْهُ وَمِنَ الحِجَازِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ رَأَى جُمُوعَ الحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ الأُولَى: يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ أُورُبَّا قَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ جُذُورِهَا. وَلَكِنَّ هَذِهِ الحَمَلاَتِ الضَّخْمَةَ تَكَسَّرَتْ عَلَى صَخْرَةِ الإِسْلَامِ، وَعَادَتْ خَائِبَةً حَسِيرَةً بَعْدَ مِائَتَيْ سَنَةٍ مِنَ الحُرُوبِ.

 

وَسَارَ التَّتَرُ مِنْ أَقْصَى المَشْرِقِ يَجْتَاحُونَ دُوَلَ الإِسْلَامِ دَوْلَةً دَوْلَةً، فَلَمْ يَتَوَقَّفُوا إِلاَّ فِي بَغْدَادَ عَاصِمَةِ الخِلاَفَةِ العَبَّاسِيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَتَلُوا الخَلِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ، وَسَبَوْا نِسَاءَهُم، َوَذَبَحُوا أَهْلَ بَغْدَادَ، وَلَكِنِ انْتَهَى وُجُودُ التَّتَرِ وَبَقِيَ الإِسْلَامُ وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ؛ إِذْ انْكَسَرَ التَّتَرُ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ، فَلَمْ تَقُمْ لَهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَهَا.

 

وَتَمَدَّدَ الإِسْلَامُ فِي خِلاَفَةِ بَنِي عُثْمَانَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَجْتَاحَ أُورُوبَّا بِأَكْمَلِهَا لَوْلاَ خِيَانَاتُ الصَّفَوِيِّينَ، وَطَعْنُهُمْ المُسْلِمِينَ مِنْ خَلْفِهِمْ، تِلْكَ الطَّعَنَاتُ البَاطِنِيَّةُ الغَادِرَةُ الَّتِي خَسِرَتْ بِهَا أُورُوبَّا نُورَ الإِسْلَامِ.

 

وَلَمَّا سَقَطَتْ خِلاَفَةُ بَنِي عُثْمَانَ سَارَتْ جَحَافِلُ المُسْتَعْمِرِينَ مَسْعُورَةً لاَ يَرُدَّهَا شَيْءٌ تَحْتَلُّ العَالَمَ الإِسْلَامِيَّ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الغَرْبِ، تُرِيدُ مَحْوَ الإِسْلَامِ وَاجْتِثَاثَهُ، حَتَّى اسْتُعْمِرَتْ بِلاَدُ المُسْلِمِينَ كُلُّهَا إِلاّ بُلْدَانًا قَلِيلَةً لَمْ يَرَ الاسْتِعْمَارُ فِيهَا فَائِدَةً لَهُ، وَضُرِبَ التَّغْرِيبُ وَالتَّنْصِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ بِالقُوَّةِ، وَعَاثَ المُسْتَعْمِرُونَ فِي المُسْلِمِينَ فَسَادًا، وَلَكِنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ مَحْوِ الإِسْلَامِ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا إِطْفَاءَ حَمِيَّةِ المُسْلِمِينَ لِدِينِهِمْ، وَهَبَّتْ عَلَيْهِمْ رِيَاحُ الجِهَادِ حَتَّى كَسَرَتْهُمْ وَأَعَادَتْهُمْ إِلَى البُلْدَانِ الَّتِي جَاؤُوا مِنْهَا.

 

ثُمَّ غُزِيَ المُسْلِمُونَ بِالأَفْكَارِ المَادِّيَّةِ لَعَلَّهَا تَسْتَهْوِيهِمْ، وَيَتَّخِذُونَهَا بَدِيلاً للإِسْلَامِ، فَتَمَدَّدَتِ الشُّيُوعِيَّةُ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ تُنَافِسُهَا اللِّيبْرَالِيَّةُ، وَانْتَشَرَتِ الاشْتِرَاكِيَّةُ حَتَّى أُسِّسَتْ دُوَلٌ عَلَيْهَا، فِي مُقَابِلِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ لِدُوَلٍ أُخْرَى، وَانْقَسَمَ المُسْلِمُونَ دُوَلاً وَشُعُوبًا عَلَى هَاتَيْنِ الفِكْرَتَيْنِ حَتَّى ظَنَّ الأَعْدَاءُ أَنَّ الإِسْلَامَ يَنْتَهِي مَعَ انْتِشَارِ الشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَوْمِيَّةٍ واشْتِرَاكِيَّةٍ وَبَعْثِيَّةٍ وَأَمْثَالِهَا، وَالدُّوَلُ الإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تَمَدَّدَتْ فِيهَا الشُّيُوعِيَّةُ حُكِمَتْ بِالحَدِيدِ وَالنَّارِ، وَأُغْلِقَتْ فِيهَا المَسَاجِدُ، وَمُنِعَ القُرْآنُ، وَذُبِحَ المُسْلِمُونَ، وَخِلاَلَ سَبْعِينَ سَنَةً نَشَأَتْ فِي الدُّوَلِ الاشْتِرَاكِيَّةِ والشُّيُوعِيَّةِ أَجْيَالٌ لاَ تَعْرِفُ الإِسْلَامَ. فِي حِينِ أَنَّ اللِّيبْرَالِيَّة والرَّأْسِمَالِيَّة تَمَدَّدَتْ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ بِالقُوَّةِ النَّاعِمَةِ، وَبَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مُعَانَاةِ المُسْلِمِينَ سَقَطَتِ الشُّيُوعِيَّةُ وَقُبِرَتْ فِي بِلاَدِ الأَفْغَانِ، وَتَفَكَّكَتْ دَوْلَتُهَا لِيَبْرُزَ الإِسْلَامُ مِنْ جَدِيدٍ، وَيَظْهَرَ حُفَّاظُ القُرْآنِ الَّذِينَ تَنَاقَلُوهُ خِلاَلَ سَبْعَةِ عُقُودٍ وَهُمْ يَكْتُمُونَ إِيمَانَهُمْ.

 

وَظَنَّتِ اللِّيبْرَالِيَّةُ أَنَّهَا بَعْدُ سُقُوطِ الشُّيُوعِيَّةِ سَتَمْتَلِكُ الأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا، وَيَدِينُ بِهَا النَّاسُ أَجْمَعُونَ، وَأَنَّ نِهَايَةَ التَّارِيخِ سَتَكُونُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى الحُرِّيَّةِ الَّتِي يَتُوقُ إِلَيْهِا البَشَرُ، وَأَنَّهَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى العُنْفِ فِي تَسوِيقِهَا، وَلَكِنَّ الإِسْلَامَ تَمَدَّدَ، وَلاَ سِيَّمَا المَنْهَجَ السَّلَفِيَّ الأَثَرِيَّ الَّذِي يُمَثِّلُ المَرْجِعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ النَّقِيَّةَ للإِسْلَامِ، وَتَمَدُّدُهُ شَمِلَ دُوَلَ أَهْلِ الإِسْلَامِ كَمَا شَملَ الدُّوَلَ الَّتِي تَدِينُ بِاللِّيبْرَالِيَّةِ، فَانْقَلَبَ اللِّيبْرَالِيُّونَ إِلَى وُحُوشٍ كَاسِرَةٍ تُحْرِقُ الأَخْضَرَ وَاليَابِسَ، وَتَخَلَّوْا عَنْ نُعُومَتِهِمُ المُصْطَنَعَةِ، وَصَارُوا إِلَى القَسْوَةِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَنَحَرُوا الحُرِّيَّةَ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةَ الَّتِي هِيَ عِمَادُ اللِّيبْرَالِيَّةِ، فَسَقَطُوا وَسَقَطَتْ فِكْرَتُهُمْ فِي وَادٍ سَحِيقٍ.

 

إِنَّ الإِسْلَامَ دِينُ اللهِ تَعَالَى المَحْفُوظُ، وَهُوَ دِينُ الحَقِّ، وَالمَنْهَجُ السَّلَفِيُّ الأَثَرِيُّ هُوَ قَالَبُهُ النَّظِيفُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَمَدَّدُ فِي الأَرْضِ بِقُوَّةٍ، وَلَنْ يُوقِفَهُ قُوَّةُ قَوِيٍّ، وَلاَ مَكْرُ كَافِرٍ، وَلاَ كَيْدُ مُنَافِقٍ، لَنْ يُوقِفُوا تَمَدُّدَ الإِسْلَامِ فَضْلاً عَنْ أَنْ يُحَرِّفُوه أَوْ يَسْتَأْصِلُوهُ، وَنَصْرُ اللهِ تَعَالَى قَادِمٌ، وَجُنْدُهُ غَالِبُونُ: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 173]، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) [غافر: 51]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْض بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَام، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

فَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، وَعَضُّوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، وَوَاجِهُوا الفِتَنَ وَالمِحَنَ بِالصَّبْرِ وَاليَقِينِ؛ فَإِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ: (إِنَّ الأَرْض لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) [الإسراء: 111]، واللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحَجّ: 32].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: اليَوْمَ يَوْمٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، هُوَ أَفْضَلُ الأَيَّام كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ، وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وأَكْثَرُ أَعْمَالِ الحَاجِّ فِيهِ، فَإِخْوَانُكُمْ فِي المَوْسِمِ قَدْ وَقَفُوا بِالأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ، وَدَفَعُوا بَعْدَ الغُرُوبِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَبَاتُوا البَارِحَةَ فِيهَا، وَهُمُ الآنَ يَسِيرُونَ فِي جُمُوعٍ مَهِيبَةٍ عَظِيمَةٍ إِلَى الجَمَرَاتِ يُلَبُّونَ وَيُكَبِّرُونَ، فَيَرْمُونَ جِمَارَهُمْ، وَيَنْحَرُونَ هَدْيَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَيُحِلُّونَ إِحْرَامَهُمْ، وَيَطُوفُونَ وَيَسْعَوْنَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مِنًى لِيَبِيتُوا بِهَا لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يُوَدِّعُونَ البَيْتَ الحَرَامَ، وَيَعُودُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ بِمَا نَالُوا مِنَ الأَجْرِ وَالمَنَافِعِ، والمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الأَمْصَارِ يُصَلُّونَ هَذِهِ الصَّلاَةَ العَظِيمَةَ، وَفَوْرَ انْتِهَائِهَا يَذْبَحُونَ أَضَاحِيَّهِمْ عَمَلاً بِالسُّنَّةِ، وَلاَ يَطْعَمُونَ شَيْئًا قَبْلَ لُحُومِ أَضَاحِيِّهِمْ، تِلْكَ السُّنَّةُ العَظِيمةُ سَنَّهَا النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- اقْتِدَاءً بِالخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَتَكْفِي أَهْلَ البَيْتِ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، والسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا وَيُهْدُوا وَيَتَصَدَّقُوا، فَالحَمْدُ اللهِ الَّذِي هَدَانَا لِدِينِنَا، وَشَرَعَ لَنَا أَنْسَاكَنَا، وَعَلَّمَنَا مَا بِهِ يَرْضَى عَنَّا.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أَيُّتَهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ: إِنَّ دِينَ اللهِ تَعَالَى أَغْلَى مَا نَمْلِكُ؛ لِأَنَّ جَزَاءَهُ الجَنَّةُ، وَالجَنَّةُ سِلْعَةٌ غَالِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وإِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ شَاءَتْ.

 

وَالمُنَافِقُونَ يَسْعَوْنَ سَعْيًا حَثِيثًا لِمَنْعِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، بِإِقْنَاعِهَا أَنْ تَتَمَرَّدَ عَلَى دِينِهَا، وَتَعْصِيَ رَبَّها، وَتَنْشُزَ عَنْ زَوْجِهَا، وَتَرْكَبَ هَوَاهَا، وَذَلِكَ فِي خُطَطٍ وَإِجْرَاءَاتٍ تَغْرِيبِيَّةٍ لاَ تَخْفَى عَلَى الأَعْشَى وَالأَعْمَشِ فَضْلاً عَنِ العَاقِلِ المُبْصِرِ.

 

إِنَّهُمْ يُرِيدُونَهَا سِلْعَةً يَتَقَاذَفُهَا الرِّجَالُ، وَيَنْزِعُونَهَا مِنْ كَرَامَةِ دِينِهَا، وَصِيَانَةِ أَهْلِهَا لَهَا، إِلَى الاسْتِقْلَالِ بِنَفْسِهَا؛ لَيْسَهُلَ وُصُولُهُمْ إِلَيْهَا، واسْتِمْتَاعُهُمْ بِهَا، فَتَضِيعُ الأُمَّةُ بِضَيَاعِهَا، وَتَفْقِدُ الأَجْيَالُ القَادِمَةُ حَاضِنَتَهَا، وَتَتْرُكُ المَرْأَةُ رِسَالَتَهَا، وَتُغْضِبُ رَبَّهَا، وَتُوبِقُ نَفْسَهَا، وَتُفْسِدُ آخِرَتَهَا: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].

 

يَا إِمَاءَ اللهِ المُؤْمِنَاتِ، يَا أَيَّتُهَا الصَّالِحَاتُ القَانِتَاتُ: احْذَرْنَ دَعَوَاتِ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ أَرْخَصُ سِلْعَةٍ عِنْدَهُمْ، وَأَحَطُّ مَتَاعٍ لَدَيْهِمْ، لاَ يَأْبَهُونَ بِمَشَاعِرِهَا وَعَوَاطِفِهَا، وَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى عَقْلِهَا وَفِكْرِهَا، وَلاَ يَهُمُّهُمْ حَاضِرُهَا وَمُسْتَقْبَلُهَا، يُرِيدُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ مَتَاعًا رَخِيصًا، تَعْمَلُ فِي مَحَافِلِهِمْ، وَتُشْبِعُ لَذَائِذَهُمْ، وَيُرْضُونَ بِهَا زَبَائِنَهُمْ؛ وَلِذَا يُقَدِّمُونَ الجَمَالَ عَلَى المُؤَهِّلِ، وَيُقَرِّبُونَ السَّاقِطَةَ وَيُقْصُونَ ذَاتَ الكَفَاءَةِ، وَسُقُوطُهُمْ فِي التَّعَامُلِ مَعَ المَرْأَةِ أَصْبَحَ مَعْلُومًا لَدَى الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، يَهُمُّهُمْ إِخْرَاجُهَا لِلشَّرِكَةِ وَالمَصْنَعِ وَالوَرْشَةِ وَنَحْوِهَا، فَيُشَكِّلُونَ لِجَانًا لِبَحْثِهَا، وَيُسِنُّونَ قَرَارَاتٍ لِفَرْضِهَا، وَيُعْمِلُونَ الدِّعَايَةَ الكَاذِبَةَ لَهَا، وَلاَ يَأْبَهُونَ بِمَا يَقَعُ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ ظُلْمٍ عَظِيمٍ، وَأَذًى شَدِيدٍ، سَوَاءٌ فِي التَّحَرُّشِ بِهَا، أَوْ الاعْتِدَاءِ عَلَيْهَا، أَوْ حِرْمَانِهَا مِنْ أَوْلاَدِهَا، أَوْ سَلْبِ مِيرَاثِهَا، أَوْ تَعْلِيقِهَا وَابْتِزَازِهَا؛ حَتَّى ضَجَّتِ المَظْلُومَاتُ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِنَّ، وَلاَ مُجِيبَ لَهُنَّ.

 

إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَرَّمَ المَرْأَةَ فَلَمْ يَجْعَلْهَا سِلْعَةً يَتَقَاذَفُهَا أَرَاذِلُ الرِّجَالِ، وَيُطْفِئُونَ بِهَا سُعَارَ شَهَوَاتِهِمْ، أَوْ يَعْرِضُونَهَا فِي مَحِلاَّتِهِمْ وَشَرِكَاتِهِمْ لِجَلْبِ الزَّبَائِنِ لَهَا.

 

إِنَّ المَرْأَةَ هِيَ الأُمُّ الَّتِي يَجِبُ بِرُّهَا، وَالزَّوْجَةُ الَّتِي تُحْسَنُ عِشْرَتُهَا، وَالأُخْتُ الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا، وَالبِنْتُ الَّتِي تَجِبُ تَرْبِيَتُهَا وَالعَطْفُ عَلَيْهَا، فَلَا تَنْزِلَنَّ امْرَأَةٌ عَاقِلَةٌ مِنْ أَعَالِي مَا بَوَّأَهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ المَنَازِلِ لِتَقَعَ تَحْتَ أَرْجُلِ الأَسَافِلِ؛ (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].

 

حَفِظَ اللهُ نِسَاءَ المُؤْمِنِينَ مِنْ كَيْدِ المُنَافِقِينَ، وَشَرِّ الشَّهْوَانِيِّينَ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِعِيدِكُمْ فِي حُدُودِ مَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَوَسِّعُوا عَلَى أَهْلِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِلُحُومِ أَضَاحِيِّكُمْ، وَاشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَأَعْطَاكُمْ، وَكَبِّرُوهُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ: يَوْمِ العِيدِ وأَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ، وَاحْذَرُوا الفُسُوقَ وَالمُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّهَا سَالِبَةُ النِّعَمِ، مُحِلَّةُ النِّقَمِ، مُبِيدَةُ الأُمَمِ: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحَجّ: 36، 37].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ.

 

أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ والإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

 

 

المرفقات

عيد الأضحى المبارك 1434هـ صمود الإسلام وانتشاره1

عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1434هـ صُمُودُ الإِسْلَامِ وتَمَدُّدُهُ - مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات