التفسير المادي للكوارث الطبيعية – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-02-07 - 1444/07/16
التصنيفات:

اقتباس

من مخاطر الغزو الفكري ومن مظاهر تحريف المفاهيم: نسبة الأعاصير والسيول والزلازل واشتداد البراكين، والأمراض الفتاكة، إلى أسباب مادية بحتة، أو نسبتها إلى الطبيعة أو الشيطان، وكل هذا من مكر شياطين الإنس والجن؛ لصرف المسلمين عن صحيح عقيدتهم وسلامة فطرتهم، ويقينهم...

يؤمن العبد المسلم أن الله –تبارك وتعالى- رب كل شيء ومليكه، وأنه خالق كل شيء ومدبره، وأن الكون كله في قبضته، لا يعزب عن أمره شيء في الأرض ولا في السماء، فلا تتحرك حبة رمل، ولا ورقة شجر، ولا تنزل قطرة ماء، ولا تهب ريح، ولا تحدث أي حركة ولا سكنة في الكون إلا بإذنه وقدره وتدبيره، -سبحانه وتعالى جل شأنه-، وتقدس سلطانه، وخضع كل شيء لقدرته وعظمته، جل جلال ربنا الكريم العظيم.

 

ولهذا الإيمان آثاره الاعتقادية ومسالكه العملية، فإذا أيقن العبد بذلك امتلأ قلبه إيمانًا بوحدانية الله وعظمته، ويرد أمور الكون كله إليه سبحانه، ويركن إليه، ويذل لجبروته وقوته، ويعلم أن جميع ما يقع من أعاصير عاتية ورياح مدمرة، أو أوبئة فتاكة، أو سيول مهلكة، يعلم أن هذا كله بقدر الله الملك الحق، ومظهر من مظاهر قدرته، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن أفعال الله -سبحانه- تقع بحكمة بالغة وقدرة مقتدرة.

 

ولذا كانت هذه البصيرة نعمة من الله –تعالى- على عباده فلا يتلفظون بألفاظ شركية، فلا يقولون: "هبّة الطبيعة"، أو "غضب الطبيعة"، بل ينسبون كل شيء لقدر الله –تبارك وتعالى- ومن ثم يزدادون تعظيمًا وخضوعًا لربهم سبحانه.

 

وإن من مخاطر الغزو الفكري ومن مظاهر تحريف المفاهيم: نسبة الأعاصير والسيول والزلازل واشتداد البراكين، والأمراض الفتاكة، إلى أسباب مادية بحتة، أو نسبتها إلى الطبيعة أو الشيطان، وكل هذا من مكر شياطين الإنس والجن؛ لصرف المسلمين عن صحيح عقيدتهم وسلامة فطرتهم، ويقينهم بقدرة الله وتأديبه للبشر، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

والمؤمن عندما يرى الآيات والقوارع ينبغي أن يخاف الله ويعظمه ويهرع إلى مرضاته، وتأمل في هاتين الآيتين الجليلتين، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا * وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الإسراء: 59- 60]، فيرسل الله آياته لتحذير البشر من أخطائهم وجهلهم وشركهم.

 

ولكن ترى الذين في قلوبهم مرض والتغريبيين والعلمانيين يقللون من أثر مواعظ الله لخلقه، ويضعفون تأثرهم بآيات الله في الكون، فيتفلسف أحدهم قائلاً: الزلازل هو اضطراب القشرة الأرضية، وحركة الرياح بسبب كذا، وسقوط الأمطار حدث بسبب كذا.... وعجزوا عن رد الأمور إلى مدبرها، -سبحانه وتعالى-، يريدون بذلك سلخ المسلم من إيمانه وعقيدته، ونزع تعظيم الله من القلوب.

 

ومن تأمل في السيرة النبوية وجد أو من وسائل التربية النبوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يربط بين الأحداث الكونية وقدرة رب البرية، ويغرس في نفوس أصحابه ويربيهم على أن الأحداث الكونية إنما هي من قدر الله رب العالمين، وهذه أمثلة على ذلك:

1- صوت ارتطام شديد:

عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع وَجْبَة؛ أي: سقطة وصوت ارتطام شديد؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفًا فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها"(صحيح مسلم 2844).

 

2- حركة الريح:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "يا رسول الله، النَّاسُ إذا رَأوا الغَيمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أنْ يَكُونَ فيه المطرُ، وَأراكَ إذا رَأيتَ غَيْما عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكرَاهِيَةُ؟ فقال: يا عائشةُ، وَمَا يُؤمِّنُني أنْ يكونَ فِيه عَذَابٌ؟ قد عُذِّبَ قومٌ بالرِّيحِ، وقد رَأى قومٌ العذاب، فقالوا: (هَذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)[الأحقاف : 24]" وفي رواية قالت: "كان رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا رَأى مَخِيلَة فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذا أمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عنه، فَعرَّفَتهُ عائشةُ ذلك، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: وَما أدْري؟ لَعله كما قال قومٌ: (فَلَمَّا رَأْوهُ عَارِضا مُستَقْبِلَ أودِيَتِهِمْ قَالوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)(صحيح البخاري 4551، ومسلم 899).

 

3- حركة الشمس لا تتوقف لموت أحد ولا لحياته:

عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ (ابن النبي)، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ" (صحيح البخاري 1043).

 

4- الأمطار بين الشكران والكفران:

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ"؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". (صحيح البخاري 846).

 

5- لا ينتقل المرض إلا بقدر الله -تعالى-:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ"، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟!، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ"، نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يحسن لنا الختام أجمعين.

 

ومن أجل تذكير المسلمين بخطورة التفسير المادي للكوارث والمصائب، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضّح أهمية التفكر في الكون وكيف نفهم أحداثه في ضوء قدرة وسلطان رب العالمين، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

العنوان

أفلا يتفكرون

2015/01/05 16589 627 46

ألم تذبحنا هذه الماديات وتفسيراتها، والحسيات وأسئلتها؟ تعبنا من كل حسٍ يلد بلادة، ولا يلد قرباً من الله، تعبنا من كل تفسيرٍ ماديٍ صرف يكفر بالله، يا ويحها، تلك العقولُ التي علمت ظاهرًا من الحياة الدنيا، وكفرت بكل شيء يشهد أن الله على كل شيء قدير, يا ويحها تلك العقولُ التي نسيت رب العقول، يا ويحها، وأصحابَها، ماتوا كما عاشوا وما علموا، أن الإله هو القدير الباقي. دعونا نؤمن ونتفكرُ ساعةً عن الملكوت، دعونا نخرج من صخب الحياة ومثيراتها، دعونا نسْكَنُ إلى سكن، دعونا نستريح عن ذكر مخلوقينَ ضِعَافٍ مهازيلٍ عُزَّلٍ عن كل قوة...

المرفقات

يتفكرون


العنوان

الكوارث والتفسيرات المادية

2009/01/02 5091 1668 52

أنَّ ما يَحدث في هذا الكون من متغيرات وكوارث هي رسائل خطاب لأهل الأرض، تخاطبهم بعظمة الخالق وعجز المخلوق وضعفه، تُخاطبهم بأن الأمر لله من قبلُ ومن بعد، وأن المخلوق مهما طغى وبغى، ومهما تكبر وتجبَّر، فليس بمعجز في الأرض، وليس له من دون الله من ولي ولا نصير؛ فمهما أوتيت البشرية من تقدمٍ وقوةٍ وعلم، يقفوا عاجزين حائرين أمامَ هذه الآيات والْمَثُلات ..

المرفقات

والتفسيرات المادية

والتفسيرات المادية - مشكولة


العنوان

ضرورة الاعتبار بالحوادث والكوارث

2010/02/04 7816 980 50

إن من تأمل أحوال بعض الناس ومواقفهم ومسالكهم رأى أمورًا مخيفة.. فيهم جرأةٌ على حرمات الله شديدة وانتهاكٌ للموبقات عظيمة، وتضييعٌ لأوامر الله وتجاوزٌ لحدوده وتفريطٌ في المسئوليات في العبادات والمعاملات وإضاعة للحقوق؛ فالحذر الحذر -رحمكم الله- من مكر الله؛ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ..

المرفقات

989


العنوان

العقوبات الربانية (2) العقوبة بالخسف والزلازل

2010/02/06 5857 986 30

.. وبذكر الخسف في هذه السورة، وتخويف الله تعالى به، وتعليق ذلك بمكر السيئات، مع تكرار الأمر بشكر النعم، والتحذير من كفرها - نستفيد معرفة خطورة كفران النعم، وتسببها في نزول العقوبات، وأن اجتراح السيئات سبب للخسف والزلازل؛ لأن الخسف عُلق بمكر السيئات، ومكر السيئات هو مقارفتها، والمكر فيه تحايل؛ فيدخل في ذلك التحايل على الشريعة لإسقاطها، أو لإباحة المحرم منها ..

المرفقات

991


العنوان

وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً

2009/05/21 15758 1444 70

كم أهلكت المعاصي من أمم ماضية، وكم دمرت من شعوب كانت قائمة، ولا تزال تهدم في بناء الأمم الحاضرة، وتنخر في كيان الشعوب المتتالية، ولقد كثر من أهل هذه الأزمان الخبث، وفشت في المجتمعات المنكرات بلا نكير ولا رقيب، ضيعت الصلوات وهجرت المساجد، وظهر التبرج والسفور، والتطاول على شرع الله تعالى في الحجاب والحشمة والعفاف وتطبيق حدود الله وأوامره

المرفقات

578


العنوان

الحوادث الكونية عقوبات ربانية أم ظواهر طبيعية؟

2013/04/19 4481 919 18

فإذن؛ هذه الذنوب الكبار هي بلا شك أوجبت لنا هذا العذاب الأليم المتصل في كثرة الزلازل والفيضانات، وكثرة الأعاصير، والرياح التي تبلغ...إذا علمتم أن الذنوب تجلب عقاب الله، وعلمتم أن أكبر الذنوب هو الإعراض عن دين الله، والشرك به، وكذا إتيان الفواحش، والظلم، وأكل الربا، والقتل؛ فإن...

المرفقات

الكونية عقوبات ربانية أم ظواهر طبيعية؟


العنوان

الزلازل آيات وعبر وأحكام

2013/04/21 29932 1161 71

وقد ذكرَ أئمةُ الدينِ أن الزلازِلَ من الآياتِ التي يُخوِّفُ اللهُ بها عبادَه، كما يُخوِّفُهم بالكُسُوفِ وغيرِه؛ ليُدرِكوا ما هم عليه من نعمةِ سُكون الأرض ورُسُوِّها واستِقرارها للحيوان والنبات والمتاع والمسكَن، وأن ما يحصُلُ فيها من خسفٍ وزلزلةٍ واختِلالٍ إنما هو... وقد أقسم الله -سبحانه- بالأرض ذات الصَّدع، ولم يكُ هذا الصَّدعُ معلومًا أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى اكتُشِفَ جيولوجيًّا في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في...

المرفقات

آيات وعبر وأحكام


العنوان

الرياح آية من آيات الله تعالى

2008/12/22 14443 2201 67

إن الريح أعجوبة من الأعاجيب يحتاج البشر إليها ولكنهم يخافون منها، ولو عملوا ما عملوا من وسائلهم ومخترعاتهم لما حركوها وهي ساكنة. وإذا تحركت فلا طاقة لهم بإيقافها أو تخفيفها

المرفقات

الرياح آية من آيات الله تعالى.pdf

الرياح آية من آيات الله تعالى.doc


العنوان

الاستغفار والتوبة عند حدوث المصائب والنكبات

2013/05/09 9510 1660 31

وإنني في هذا المقامِ أتوجهُ لإخواني المسلمين باللجوءِ إلى الله، والتوبةِ والاستغفار، والتضرعِ إليه برفعِ الضررِ عن المسلمين وحمايةِ العبادِ والبلاد من كلِّ فتنةٍ وبلاء، وأن يجعلَ هذه الأمطارَ إذا وقعت بأمر الله خيرًا على العبادِ والبلاد، وأن تكون سُقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ وغرقٍ وهدم، وأن...

المرفقات

والتوبة عند حدوث المصائب والنكبات


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
29-06-2023

خطبة راقية جدا جزاكم الله خير

عضو نشط
زائر
24-03-2024

جزاكم الله خيرا