الأشهر الحرم بين التعظيم والاستهانة - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

فيا أيها المؤمنون: اعلموا، أن كل زمان أو مكان حرمه الله، فالمعصية فيه أعظم وأشنع فلما حرَّم الله مكة وجعلها حرمًا آمنًا، قال عن حرمها: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25]، فكذلك الأشهر الحرم...

   أخطأ من ظن أنه لا مزية لشهر رجب علي غيره، يقولون شهر رجب كباقي شهور السنة ولا ميزة له عليها... نقول: هذا خطأ، وفيما يلي دليلنا وحجتنا ألا وهي: أن شهر رجب من الأشهر الحرم: وما أدراك ما الأشهر الحرم: قال الله -تعالي-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]، والأربعة الحرم يوضحها لنا النبي -صلي الله عليه وسلم- ويحددها، فقد جاء من حديث أبي بكرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، مضر الذي بين جمادى، وشعبان"(متفق عليه). فالأشهر الحرم هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة وشهر الله المحرم. فرجب شهر حرام، بل هو أول الأشهر الحرم، وهذه هي ميزته علي باقي شهور السنة؛ أنه شهر من شهور الله الحرام.  

 

لكن ما معني شهر حرام؟ الإجابة تتلخص في النقاط التالية: أولًا: أن الله -عز وجل- حرم فيها القتال -على الراجح من كلام العلماء-: إلا أن يبدأ العدو فندافع عن ديار المسلمين، ودليل حرمة ابتداء القتال فيها هو قول الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ...)[المائدة: 2]، "أي: ولا تحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه، والشهر الحرام: هو الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال في الجاهلية فيه، فلما جاء الإسلام لم ينقض هذا الحكم، بل أكده"(تفسير الخازن)، ويؤدي نفس المعنى قوله -عز من قائل-: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ...)[التوبة: 5].  

 

وعن جابر أنه قال: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزوا، فإذا حضر ذلك أقام بنا حتى ينسلخ"(أحمد وغيره).   ونؤكد بدورنا كلام الإمام الخازن؛ فنقول: نعم، لقد كان أهل الجاهلية يحرمون القتال في الأشهر الحرم، وهو ما أكده قبلنا الإمام البيهقي قائلًا: "وكان أهل الجاهلية يعظمون هذه الأشهر، وخاصة شهر رجب فكانوا لا يقاتلون فيهن"(فضائل الأوقات للبيهقي)، قالوا: حتي لو قابل الرجل قاتل أبيه ما تعرض له بسوء... فكان المطاردون يخرجون ويظهرون في شهر رجب وفي الأشهر الحرم.   ثانيًا: أن المعاصي في الأشهر الحرم أعظم إثمًا وأشد تحريمًا، كما أن أجور الحسنات مضاعفة فيها: فإن كانت المعصية قبيحة في كل وقت فإنها في هذه الأشهر أشد قبحًا ودمامة، قال قتادة: "العمل الصالح أعظم أجرًا في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم منه فيما سواهن وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا"(تفسير البغوي والخازن)، وهذا من معنى قول الله -سبحانه وتعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].   فيا أيها المؤمنون: اعلموا، أن كل زمان أو مكان حرمه الله، فالمعصية فيه أعظم وأشنع فلما حرَّم الله مكة وجعلها حرمًا آمنًا، قال عن حرمها: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25]، فكذلك الأشهر الحرم، حتى لقد قال بعض الفقهاء: "إن الدية تغلظ في الشهر الحرام أربعة آلاف، فتكون ستة عشر ألف درهم"(المجموع للنووي، والمغني لابن قدامة).  

 

فهي قاعدة تقول: إذا عظَّم الله مكانًا أو زمانًا، كانت المعصية فيه أعظم إثمًا، والطاعة فيه أعظم أجرًا.   ولنا مع قوله تعالي: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، وقفة: وقفة نقفها مع العاكفين علي الذنوب والمعاصي الناسين لله وللآخرة، مع من يسهرون أمام التلفزيون ليلهم، ويقضون في اللهو نهارهم، مع الغافلين عن أنهم حتمًا سيموتون ويدفنون ويقبرون...   نقول: أيها المقيم علي المعاصي أقصر، أقصر، أقصر... تب إلي الله يتب الله عليك، لا تقنط ولا تيأس من رحمته -عز وجل-، لا تقل ذنوبي كثيرة؛ فإن مغفرة الله أكثر، ولا تقل خطاياي عظيمة؛ فإن رحمة الله أعظم، واستمع إليه -تعالى- يناديك قائلًا: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53]، وها هو -عز وجل- يعيد عليك: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء:110].   ويروي أبو موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"(مسلم)، وعن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"(الترمذي).  

 

فما زلت في مهلة، وما زالت لك فرصة؛ فعن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"(الترمذي)، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قال إبليس: أي رب لا أزال أغوي بني آدم، ما دامت أرواحهم في أجسادهم"، قال: "فقال الرب -عز وجل-: "لا أزال أغفر لهم، ما استغفروني"(أحمد).   

 

  وليست هذه هي كل فضائل الأشهر الحرم، بل هي بعضها، لذا فإننا نترك المجال لخطبائنا لإتمامها وبيانها وتفصيلها، فإليك شيئًا من جميل خطبهم:  

العنوان

الأشهر الحرم

2014/09/16 6535 1894 57

يفضل من الأوقات، ومن الأمكنة أماكن، ففضل الله -تعالى- مكة على سائر البقاع، ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم من بعدهما بيت المقدس، مكان غالب الأنبياء الذين قص الله علينا نبأهم، وجعل لمكة والمدينة حرما دون بيت المقدس. وفضل الله -تعالى- بعض الشهور والأيام والليالي على بعض؛ فعدة: (الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)[التوبة: 36]. وهي...

المرفقات

الحرم3


العنوان

تعظيم الأشهر الحرم

2018/03/23 26115 1319 131

لم يَرِدْ في فضل شهر رجب ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة...

المرفقات

تعظيم الأشهر الحرم


العنوان

تعظيم الأشهر الحرم

2018/09/14 9502 904 45

إن من عظيم فضل الله -تعالى- على عباده أن جعل آخر شهر في العام شهر عبادة وطاعة، وأوله شهر عبادة وطاعة، فيفتتح المؤمنُ عامَه بطاعة الله، ويختتمه بطاعة الله، وإن من أعظم الأعمال التي يحرص عليها المسلمُ في شهر الله المحرَّم وغيره صِدْقه وإخلاصه في توحيد ربه...

المرفقات

تعظيم الأشهر الحرم


العنوان

إبداء الكرم في الأشهر الحرم

2016/08/17 5638 770 16

نحن في هذه الأيام، وعبر الشهور الثلاثة القادمة، والأيام المتتالية، نعيش في أحضان أشهر عظيمة، وأيام جليلة، عمها وخصها بالفضل سبحانه، فمن النصوص العامة لهذه الأشهر الحرم القادمة، وهي الأربعة المشهورة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب،.. ولماذا سميت حرمًا؟ سميت لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها، ولأن الله حرم فيها القتال بين الناس، فهي حرم، أي حرام، فيجب احترامها وتقديرها، وتعظيمها من تعظيم الله، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)...

المرفقات

الكرم في الأشهر الحرم


العنوان

إياك والظلم في الأشهر الحرم

2016/10/04 5325 671 8

انظروا إلى آثار ظلمنا لأنفسنا: القحط مع الغلاء, والقحط مع الابتلاء, والغلاء مع عدم الوجود, فقر مع الابتلاء مع الأسقام والأمراض والأوجاع, مع قهر الأعداء, لماذا؟..

المرفقات

والظلم في الأشهر الحرم


العنوان

الأشهر الحرم

2017/04/04 7912 617 34

دخل علينا شهر رجب وهو من الأشهر الحرم. فماذا نعرف عن الأشهر الحرم؟ وكم عدد الأشهر الحرم؟ وما الواجب علينا في الأشهر الحرم؟ وهل تقام الحدود والقصاص في الأشهر الحرم؟ وهل تغلظ الدية على من قتل في الأشهر الحرم؟ هذا ما سنجيبُ عليه في هذه الخُطبة بإذن الله.

المرفقات

الحرم


العنوان

تعظيم الأشهر الحرم

2017/08/09 8335 454 88

اعلموا أن مما أوجب الله -سبحانه وتعالى- عليكم فيهن: تعظيم تلك الأشهر الأربعة، بأن لا تظلموا فيهن أنفسكم. وهذا النهي يشتمل على أمرين: أحدهما: أن لا تظلموا فيهن أنفسكم بمواقعة السيئات، والاستكثار من الخطيئات، فإنه...

المرفقات

تعظيم الأشهر الحرم


العنوان

الأشهر الحرم

2021/07/05 1856 575 1

وإن من أعظم ما يحصل به تعظيم هذه الأشهر اجتنابَ ظلمِ النفس فيهن؛ كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36], وظلم النفس لا يحل في كل الأشهر والأيام، لكن النهي عنه هنا جاء تشريفًا لهذه الأشهر، وتعظيمًا لشأنهن...

المرفقات

الأشهر الحرم.doc

الأشهر الحرم.pdf


العنوان

فضائل الأشهر الحُرُم ... ووجوب احترامها

2021/02/19 8764 743 31

للأشهر الحرم مزية على ما عداها؛ فناسَب أن يبدأ بها العام، وأن تتوسَّطه، وأن يختم بها، والشهور كلها مواسم عبادة، وإن تفاوتت واختلفت في الفضل والوظائف، والعمر كله فرصة عمل وطاعة، وكلٌّ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وكل ميسَّر لِمَا خُلِقَ له...

المرفقات

فضائل الأشهر الحُرُم ... ووجوب احترامها.doc


المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات