أيام الله تعالى (3) أيامه سبحانه في العهد النبوي

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-07 - 1444/03/11

اقتباس

وَفِي الْحُدَيْبِيَةِ حَلَّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْبَيْعَةِ، وَمَنْ حَلَّ عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَنْ يَشْقَى، فَيَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ مَا أَعْظَمَهُ (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الْفَتْحِ: 18]..

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَوِيِّ الْقَهَّارِ، الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، شَدِيدِ الْعِقَابِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ؛ نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَمْثَالِ، وَتَعَالَى عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ؛ فَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَعَزَّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزَّ بِهِ الْإِسْلَامَ؛ فَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ -تَعَالَى- شَكُورًا، وَكَانَ مُجَاهِدًا صَبُورًا مَنْصُورًا، وَكَانَ عَدُوُّهُ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ -تَعَالَى- وَطَاعَتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ، وَالْتِزَامِ شَرِيعَتِهِ؛ فَإِنَّهَا رَاحَةٌ وَطُمَأْنِينَةٌ فِي الْعَافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ، وَإِنَّهَا نِعْمَ الْعُدَّةُ فِي الْبَلَاءِ وَالضَّرَّاءِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 200].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لِلَّهِ -تَعَالَى- فِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّامٌ خَالِدَةٌ، وَنِعَمٌ مُتَتَابِعَةٌ، أَدَالَ فِيهَا لَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَرَاهُمْ مَا يَسُرُّهُمْ وَيَغِيظُ شَانِئِيهِمْ. أَيَّامٌ عَزَّتْ فِيهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَارْتَفَعَتْ فِيهَا رَايَةُ الْإِيمَانِ، وَعَلَتْ فِيهَا أَصْوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ؛ فَلَا صَوْتَ فَوْقَ صَوْتِهِمْ، وَلَا بَاطِلَ يَعْلُو حَقَّهُمْ. أَيَّامٌ غُرٌّ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، لَمْ يَنْسَهَا الْمُؤْمِنُونَ وَلَنْ يَنْسَوْهَا، بَلْ يَتَذَاكَرُونَهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَيُدَرِّسُونَهَا أَوْلَادَهُمْ وَأَحْفَادَهُمْ، حَتَّى حُفِرَتْ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَا يَجْهَلُهَا إِلَّا جَاهِلٌ. وَالتَّذْكِيرُ بِأَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ دِينِهِ سُبْحَانَهُ، كَيْفَ لَا! وَهُوَ الْآمِرُ بِذَلِكَ عَزَّ وَجَلَّ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إِبْرَاهِيمَ: 5].

 

وَمِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ، حِينَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِأَنْوَارِ السَّمَاءِ، وَرَتَعَتِ الْقُلُوبُ فِي رَبِيعِ الْوَحْيِ، وَمُحِيَتْ ظُلُمَاتُ الْجَهْلِ وَالشِّرْكِ. وَيَوْمُ الْبِعْثَةِ هُوَ يَوْمُ النِّعْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ الْكُبْرَى، وَيَوْمُ الْمِنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ الْعُظْمَى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آلِ عِمْرَانَ: 164]. وَمَا إِيمَانُنَا وَلَا إِيمَانُ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا وَأَسْلَافِنَا إِلَّا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ يَوْمِ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالْمِنْحَةِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْبَشَرِيَّةِ. وَكُلُّ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى- التَّالِيَةِ لِلْبِعْثَةِ الَّتِي عَزَّ فِيهَا دِينُهُ، وَنُصِرَ فِيهَا جُنْدُهُ، وَكُبِتَ فِيهَا أَعْدَاؤُهُ؛ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَتَائِجِ يَوْمِ الْبِعْثَةِ، فَكَانَ بِحَقٍّ هُوَ يَوْمَ الْمِنَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَالرَّحْمَةِ.

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ حَيْثُ أُسِّسَتِ الدَّوْلَةُ، وَتَنَزَّلَتِ الشَّرِيعَةُ، وَأَمِنَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَكَانَتِ الْهِجْرَةُ عِزًّا لِلْإِسْلَامِ، وَأَمْنًا لِلْمُسْلِمِينَ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التَّوْبَةِ: 40].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ بَدْرٍ، وَهُوَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ الْعَظِيمُ، حَيْثُ قُتِلَ فِيهِ صَنَادِيدُ الْمُشْرِكِينَ، وَارْتَفَعَتْ فِيهِ رَايَةُ الْحَقِّ وَالدِّينِ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آلِ عِمْرَانَ:123]، وَتَنَزَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ رِفْدًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَذَابًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلِفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الْأَنْفَالِ:9].

 

وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ فَرَّ الشَّيْطَانُ صَاغِرًا مَدْحُورًا مَذْعُورًا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الْأَنْفَالِ:48].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ أُحُدٍ الَّذِي هُوَ يَوْمُ تَمْحِيصٍ وَابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ؛ لِيَظْهَرَ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَلِيَبِينَ عِبَادُ اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ عُبَّادِ الدُّنْيَا، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ سُنَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْمُدَاوَلَةِ بَيْنَ عِبَادِهِ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آلِ عِمْرَانَ: 140- 141]. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) [آلِ عِمْرَانَ: 166- 167].

 

وَفِي يَوْمِ أُحُدٍ نَالَ جَمْعٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شَرَفَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -تَعَالَى- فَكَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آلِ عِمْرَانَ: 169 - 171].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ الْأَحْزَابِ الَّذِي كَانَ يَوْمَ ثَبَاتٍ وَيَقِينٍ وَتَرْسِيخٍ لِلْإِيمَانِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الْأَحْزَابِ: 9]، وَهُوَ يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ صِدْقُ الْمُؤْمِنِينَ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الْأَحْزَابِ: 23]، وَفُضِحَ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الْأَحْزَابِ: 12].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي كَانَ مُمَهِّدًا لِلْفَتْحِ الْعَظِيمِ، وَمُبَشِّرًا بِعَوْدَةِ مَكَّةَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَتَحْطِيمِ الْأَوْثَانِ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الْفَتْحِ: 1 - 4]. وَفِي الْحُدَيْبِيَةِ حَلَّ رِضْوَانُ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى أَهْلِ الْبَيْعَةِ، وَمَنْ حَلَّ عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ -تَعَالَى- فَلَنْ يَشْقَى، فَيَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ مَا أَعْظَمَهُ (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الْفَتْحِ: 18].

 

وَفِي الْحُدَيْبِيَةِ كَانَ وَعْدُ اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْغَنَائِمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي كَانَ أَوَّلُهَا غَنَائِمَ خَيْبَرَ، فَعَجَّلَهَا اللَّهُ -تَعَالَى- لِلْمُؤْمِنِينَ (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [الْفَتْحِ: 20 - 21].

 

وَكَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ الْمُبِينِ بَعْدَ الصُّلْحِ بِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) [الْفَتْحِ: 27].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ حُنَيْنٍ الَّذِي هُوَ يَوْمُ تَرْبِيَةٍ وَتَهْذِيبٍ وَنَصْرٍ؛ لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْمُؤْمِنُونَ بِكَثْرَتِهِمْ، وَلَا يَعْتَدُّوا بِقُوَّتِهِمْ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التَّوْبَةِ:25].

 

وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى-: يَوْمُ تَبُوكَ الَّذِي كَانَ تَزْكِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَفَضْحًا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِمْ: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التَّوْبَةِ: 87 - 89].

 

وَمِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ: يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [الْمَائِدَةِ: 3]، قَالَ عُمَرُ: "قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلِمْنَا، وَأَنْ يُعِزَّنَا بِالْإِسْلَامِ، وَيُعِزَّ الْإِسْلَامَ بِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُذَكِّرُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِيَشْكُرُوهُ سُبْحَانَهُ، وَخَطَبَ فِي الْأَنْصَارِ يُذَكِّرُهُمْ يَوْمَ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

بَلْ كَانَ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِيمَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ فَقَالَ فِي يَوْمِ نَصْرِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَصَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ -تَعَالَى- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَقَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" وَأَمَرَ بِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فِي صِيَامِهِ وَقَالَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ".

 

فَاحْرِصُوا عَلَى صِيَامِ عَاشُورَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَتَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ. وَمَنْ فَاتَهُ صِيَامُ التَّاسِعِ فَلَا يَفُتْهُ الْعَاشِرُ؛ فَإِنَّ الْفَضِيلَةَ فِيهِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ....

 

 

المرفقات

أيام الله تعالى (3) أيامه سبحانه في العهد النبوي

أيام الله تعالى (3) أيامه سبحانه في العهد النبوي - مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي وأسأل الله جل جلاله أن يكتب لكم الأجر والثواب على ماتقدموه لنا في هذا الموقع المبارك رسالتي أرجو من الخطبة الاخيرة للشيخ الحقيل حفظه الله ورعاه أن يكمل هذه السلسلة من أيام الله فلقد كانت مختصة بالعهد النبوي إلى حجة الوداع أرجو اكمالها للخلفاء الراشدين والتابعين والدولتين الأموية والعباسية وووو .... فوالله انها مؤثرة وفيها مرور لأحداث في التاريخ بصياغة بالغة في التأثير للخطيب والمستمع من حيث العزة بمناقب هذا الدين العظيم أرجو تحقيق هذا الهدف من فضيلته ولكم جزيل الشكر والامتنان أخوكم مروان عسيري إمام وخطيب جامع أبو داود جدة