كتب الله علينا الصيام لنتدرب على التقوى ونزداد منها لا لنتعذب بالجوع والعطش، فالمبالغة في الجوع والعطش ليست مطلوبة ولم يرد أنها تزيد من أجر المؤمن على صيامه، ثم إن رحمة الله تتجلى في أن جعل الصيام لساعات محدودة كل يوم بحيث يبقى الليل لنا نأكل ونشرب ونتمتع بما أحل الله لنا ..
لقد كتب الله علينا الصيام حيث نصبر على الامتناع عما تشتهيه أنفسنا من طعام وشراب وشهوة حلال، فإذا ما غربت الشمس أبيح لنا كل ذلك وامتلأت أنفسنا بالرضى عن أنفسنا وبالثقة إذ اكتشفنا أننا قادرون على التحكم بأنفسنا إلى حد معقول، أما نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً فقد سن لنا السحور وسن تأخيره، كما سن لنا التعجيل في الفطر عند الغروب، ونهانا عن الوصال في الصيام وهو أن يصل المؤمن صوم يوم بيوم يليه دون أن يفطر .. قال صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" (رواه البخاري ومسلم)، وقال أيضــاً: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (رواه البخاري ومسلم) .
وقد وردت الأحاديث التي تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر سحوره إلى قبيل الفجر، فقد قال زيد بن ثابت رضى الله عنه: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمنا إلى الصلاة. قيل: كم كان بينهما؟ قال: خمسون آيــة" (متفق عليه)، إذن كان الوقت بين سحورهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاتهم الفجر مقدار قراءة أحدنا لخمسين آية من القرآن الكريم لا أكثر، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان للفجر، فكان بلال رضى الله عنه يؤذن الأذان الأول قبيل الفجر بدقائق قليلة، إذ ما أن ينزل بلال من على السطح الذي كان يـؤذن منه، ويرقى المؤذن الثاني وهو ابن أم مكتوم حتى يكون الفجر قد طلع ويؤذن ابن أم مكتوم الأذان الثاني، ولنتأمل رحمة الله ورسوله بنا إذ قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بلالاً يؤذن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يُؤَذِّنَ ابن أم مكتوم" ويقول ابن عمر رضي الله عنهما وهو يروي هذا الحديث: "ولم يكن بينهما إلاّ أن ينزل هذا ويرقى هذا" (رواه البخاري ومسلم) .
والذي بينه علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) المعاصر حول المعاناة التي يمكن أن يسببها الجوع يتلخص في أن المعدة بعد أن تفرغ من الطعام الذي كان فيها، ويمضي على فراغها عدة ساعات تبدأ فيها تقلصات قوية تسمى "انقباضات الجوع" تترافق مع الإحساس النفسي بالجوع والرغبة في تناول الطعام، وهذه الانقباضات في المعدة تكون أشد ما تكون في الشباب والشابات ذوي الصحة الجيدة حيث المعدة لديهم نشيطة. كما إن انخفاض سكر الدم نتيجة الصيام يزيد من انقباضات الجوع هذه كثيراً ليحث الإنسان على تناول الغذاء وتأمين ما يحتاجه الجسم.. فإذا طال جوع الإنسان صارت انقباضات الجوع هذه انقباضات مؤلمة وصار اسمها "عضات الجوع"، وهي تظهر عادة بعد (12 – 24) ساعة من آخر وجبة، وهذا يختلف من شخص إلى آخر كعادة الأجسام في الاختلاف.. أما في حالة المجاعة أو الصيام المتواصل فإن عضات الجوع تشتد لتبلغ أقصاها في اليوم الثالث أو الرابع ثم تضعف تدريجياً في الأيام التالية ويتلاشى معها الإحساس بالجوع مع أن الإنسان لم يذق طعاماً، ويكاد يموت مـن الحرمان من الغذاء.
إن الجوع هو الإحساس الذي يدعو الكائن الحي إلى تناول الطعام، وقد وجد العلماء في الدماغ لدى البشر ولدى الحيوانات مركزاً صغيراً جداً إذا ما تنبه أحس الكائن بالجوع وأقبل على الطعام، وإذا ما خربه المرض أو استأصله الجراح فقد الإنسان أو الحيوان أي رغبة في الطعام فقداً نهائياً ومات جوعاً رغم أن الطعام الوفير أمامه .
إن بركة السحور وتعجيل الفطر يقللان من بلوغ الصائم مرحلة عضات الجوع المؤلمة، وتؤكدان أن المشقة ليست مطلوبة بحد ذاتها وأن الصائم لا ينقص أجره إن تسحر سحوراً جيداً يعينه على الصيام بأقل قدر من المشقة.
نظرات نفسية في الصيام (1) ‘لعلـكم تتقون‘
نظرات نفسية في الصيام (2) ‘إن الله مبتليكم بِنَهَر‘
نظرات نفسية في الصيام (3) ‘فإنــه له وجـاء‘
نظرات نفسية في الصيام (4) ‘فَلْيَقُلْ: إنــي صائـــم‘
نظرات نفسية في الصيام (5) ‘الصيـام لا يسبب العصبيـة‘
نظرات نفسية في الصيام (6) ‘لا حرج‘
التعليقات