فضل رعاية اليتيم والإحسان إليه – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

فهذه هي الفضائل التي رصدها الإسلام والكرائم التي رتبها على رعاية اليتيم والإحسان إليه؛ وعليه ينبغي أن نسأل أنفسنا ما هي حقوق اليتامى التي رتبت عليها هذه الفضائل؟ وصور الإحسان ومظاهره التي نال صاحبها هذا الثواب؟ وإليك بعضا...

إن من فضل الله ورحمته بعباده أن وسَّع لهم أبواب الخير وجلَّى لهم سبل نيل مرضاته والفوز بجنته، وإن من أبواب الخير التي ينال بها العبد السعادة في الدنيا والتكريم في الآخرة؛ كفالة اليتيم ورعايته؛ فقد حثت الشريعة الإسلامية على ذلك، وأوصت به، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) [البقرة: 220]، وقال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) [البقرة : 215].

 

وقد يسأل سائل؟ من هو اليتيم؟ ومتى تنتهى فترة اليتم؟ وما المراد بكفالة اليتيم؟ وماذا يعني رعايته والإحسان إليه؟

 

والجواب: اليتيم هو من فقد أباه؛ فإن فقد أمه -أيضا- قيل عنه يتيم الأبوين، والأصل في اليتم فقد الصبي لوالده؛ لأنه الذي يعوله ويرعاه في تحصيل رزقه وطعامه وشرابه وحاجاته؛ حتى يكون قادرا على خدمة نفسه وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية والأخروية، وتنفك عبارة اليتم عن الصبي الذي فقد والده عند بلوغه سن التكلف على القول الراجح من كلام أهل العلم.

 

وأما المراد بكفالة اليتيم؛ رعايته حسا ومعنا؛ فالرعاية الحسية تكمن في الإنفاق عليه وكسوته وتعليمه والإحسان إليه. والرعاية المعنوية تكون في العطف عليه ومواساته والاحتفاء به. يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه، بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم، وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن".

 

والإحسان إلى اليتيم ليس جهدا عاديا أو عملا غير مشكور عليه ولا مأجور؛ بل لذلك فضائل كثيرة ومحامد جليلة، نذكر منها ما يلي:

محبة الله ورسوله وعباد الله المؤمنين: وذلك لأن هذا العمل من جملة أعمال البر التي حث الإسلام عليها ورتب عليها المكاسب الكبيرة والأجور العظيمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) [البقرة: 177].

 

تزكية نفس الكافل، وتطهير ماله، قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]؛ أي، تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وإن كان المراد بالآية الزكاة الواجبة، إلا أن الصدقات عامة ومنها لليتيم تبارك المال وتنميه.

 

لين القلب وخشوعه، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك" (رواه الطبراني).

 

أن كفالة اليتيم من الطرق الحسنة لصرف المال في مرضاة الله التي يسأل عنها يوم القيامة، كما ورد في حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا تزولُ قدما ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عند ربِّه حتَّى يُسأَلَ عن خمسٍ: عن عمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، ومالِه من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمِل فيما علِم" (صححه الألباني)، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه البخاري ومسلم).

 

ومن فضائل كفالة اليتيم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل صاحبها بمنزلة المجاهد في سبيل الله، كما جاء في حديث عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا قال رسول الله -صلى الله عليه  وسلم-: "أنا وكافِلُ اليتيمِ لهُ أوْ لغيرِهِ في الجنةِ، والسّاعِي على الأرْملَةِ والمسكينِ، كالمُجاهِدِ في سبيلِ اللهِ" (الألباني صحيح الجامع ١٤٧٦).

 

ومنها أنها سبيل للنجاة من الكروب والخطوب والمزالق والمخاطر، قال الله في كتابه العزيز: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)[البلد: 11 - 16].

 

أنها تق صاحبها شرور يوم القيامة، وتدخله الجنة، قال -سبحانه-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 8 - 12]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ضم يتيمًا بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة" (رواه أحمد).

 

صحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومرافقته في الجنة؛ فعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما قليلا" (رواه البخاري)، وقال ابن بطال: "حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك".

 

عباد الله: فهذه هي الفضائل التي رصدها الإسلام والكرائم التي رتبها على رعاية اليتيم والإحسان إليه؛ وعليه ينبغي أن نسأل أنفسنا ما هي حقوق اليتامى التي رتبت عليها هذه الفضائل؟ وصور الإحسان ومظاهره التي نال صاحبها هذا الثواب؟ وإليك بعضا من صور الإحسان لليتيم وحقوقه التي ينبغي أن تؤدى كما قررها الشرع الحنيف وحث عليها الكريم اللطيف؛ فمن ذلك ما يلي:

حق الإحسان إليهم بكل ما يدخل في عبارة الإحسان، قال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [البقرة:83]، وحرم الإساءة إليهم؛ لأن الإساءة لهم ليست من صفات المؤمنين بل من صفات المكذب بلقاء ربه وخالقه، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [الماعون: 1-2]، وذم الله هذا الصنف من الناس نتيجة لقساوتهم وطمعهم، فقال: (كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) [الفجر: 17].

 

حق الإطعام والإنفاق عليهم، قال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ)[البلد: 14- 15]، والإيواء والرعاية لهم، قال سبحانه مذكرا لنبيه بنعمته عليه: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) [الضحى: 6]، والمخالطة والمجالسة بعدل وإنصاف دون طمع ولا جشع، قال الله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة: 220].

 

حفظ ميراثه إلى بلوغه سن التكليف وعدم الاعتداء عليها، وحرمة أكل أموالهم ظلما دون حق، قال سبحانه: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: 6]، وقال الحق -تبارك وتعالى-: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً) [الكهف: 82]، وقال الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].

 

حق القسط والعدل معهم وألا يستغلوا لضعفهم ولعجزهم؛ حيث أمر الله بذلك فقال: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) [النساء: 127].

 

وحتى في الفيء وهو ما أخذ من الكفار غنيمة دون قتال ولا حرب؛ لليتيم حق منه وواجب يلزم الوفاء به: قال -رب العزة والجلال-: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الحشر:7].

 

أيها الخطباء: مقدمة موجزة عن التعريف باليتيم وحقيقة الإحسان إليه وثمارها على أصحابها في الدنيا وفضلها عليهم في الآخرة، مع ثلة من خطب النخب. حثوا بها المجتمع المسلم لرعاية هذه الشريحة الغالية على قلوبنا؛ حتى يعطفوا عليهم ويتعاملوا معهم بالحسنى، ويتذكروا مالهم عليهم من الحقوق فيؤدونها، ويعرفوا ما يجب عليهم نحوهم فيقومون به؛ سائلين المولى أن يجعلنا وإياكم مباركين وإلى الخير داعين.

 

مكانة اليتيم في الإسلام ورعايته له – خطب مختارة

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
العنوان
كفالة اليتيم 2012/04/24 7850 1108 67
كفالة اليتيم

وحسب كافل اليتيم أن يكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جنات عدن كهاتين، وأشار عليه الصلاة والسلام بإصبعه السبابة والوسطى. وقد يرغب محب الخير أن يعرف السر في بلوغ الكافل هذه المنزلة العظيمة، والرتبة الشريفة ليكون قرينًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في المقام العظيم. يقول أهل العلم: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كتب الله على يديه هداية قوم كانوا في ضلال مبين، قام عليهم، وأصلح شأنهم ..

المرفقات

اليتيم

المرفقات
12-2018-صورة-فضل-رعاية-اليتيم-والإحسان-إليه-–-خطب-مختارة-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life