الوسوسة: أسبابها وعلاجها

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2024-08-22 - 1446/02/18
عناصر الخطبة
1/معنى الوسوسة لغةً واصطلاحا 2/الوسوسة مرض خطير 3/من أسباب داء الوسوسة 4/علاج داء الوسوسة

اقتباس

وَلَمَّا سَأَلَ أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟"، قَالَ: "مَا هُوَ؟"، قُلْتُ: "وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ"، فَقَالَ لِي: "أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟"، ثُمَّ قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؛ فَقُلْ: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَالْوَسْوَسَةُ: هِيَ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي الْقَلْبِ، وَهِيَ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَالْأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ الَّتِي تُرَاوِدُهَا، وَ‌الْمُوَسْوِسُ بِالْكَسْرِ: الَّذِي تَعْتَرِيهِ الْوَسَاوِسُ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: "رَجُلٌ مُوَسْوِسٌ، وَلَا يُقَالُ: رَجُلٌ مُوَسْوَسٌ"، وَأَصْلُ الْوَسْوَسَةِ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِصَوْتِ الْحُلِيِّ: وَسْوَاسٌ؛ فَالشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ بِكَلَامٍ خَفِيٍّ، يَصِلُ مَفْهُومُهُ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ.

 

وَالْوُسُوسَةُ مَرَضٌ عُضَالٌ، وَدَاءٌ خَطِيرٌ، يُؤَثِّرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَهِيَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَعَمَلِهِ الْخَبِيثِ، وَإِغْوَائِهِ لِبَنِي آدَمَ، وَتَزْيِينِهِ الْبَاطِلَ لَهُمْ، فَكَمْ وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ لِلْمُسْلِمِ فِي طَهَارَتِهِ وَصَلَاتِهِ، وَعِبَادَتِهِ عُمُومًا؟! وَكَمْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ عَلَاقَتَهُ مَعَ النَّاسِ، وَأَفْقَدَهُ ثِقَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَبِالنَّاسِ؟! وَكَمْ شَكَّكَ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ -تَعَالَى- وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟! وَكَمْ أَدْخَلَ الُمُوَسْوِسَ فِي دَائِرَةِ الْمَحْظُورِ، وَأَفْسَدَ عَلَيْهِ عِبَادَتَهُ؟! وَرُبَّمَا أَوْصَلَهُ إِلَى الْهَلْوَسَةِ، ثُمَّ الْجُنُونِ! فَهَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ مَضَارِّ الْوَسُوَسَةِ.

 

وَأَوَّلُ وَسْوَسَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ كَانَتْ لِأَبِي الْبَشَرِ آدَمَ وَزَوْجِهِ حَوَّاءَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)[الْأَعْرَافِ: 20].

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْوَسْوَسَةِ:

ضَعْفُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ؛ أَيِ: الْجَهْلُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ.

 

ومنها: ضَعْفُ الْإِيمَانِ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَسَلَّطُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْمَعَاصِي.

 

ومنها: الِاسْتِرْسَالُ مَعَ الْأَفْكَارِ السَّيِّئَةِ: فَهُوَ أَعْظَمُ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ.

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوَسْوَسَةِ: الْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الذِّكْرَ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَوَسَاوِسَهُ.

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوَسْوَسَةِ: ضَعْفُ الْعَقْلِ؛ فَالْمُؤْمِنُ ذُو الْعَقْلِ السَّلِيمِ يَنْجُو مِنَ الْوَسْوَسَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ.

 

ومنها: تَرْكُ مُخَالَطَةِ الصَّالِحِينَ: فَمَنْ عَاشَ وَحِيدًا؛ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ.

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوَسْوَسَةِ: التَّشَاؤُمُ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَكَذَلِكَ سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ.

 

وَأَمَّا عِلَاجُ الْوَسْوَسَةِ: فَلَهَا طُرُقٌ شَرْعِيَّةٌ، وَوَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَمِنْهَا:

أولاً: الْإِعْرَاضُ عَنْهَا، وَرَدُّهَا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، فَتَبْقَى مُجَرَّدَ خَطَرَاتٍ، لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ، وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ"، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوَسْوَسَةِ؟ قَالَ: "تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ النَّوَوِيُّ ر-َحِمَهُ اللَّهُ-: "مَعْنَاهُ: اسْتِعْظَامُكُمُ الْكَلَامَ بِهِ، هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ اسْتِعْظَامَ هَذَا، وَشِدَّةَ الْخَوْفِ مِنْهُ، وَمِنَ النُّطْقِ بِهِ -فَضْلًا عَنِ اعْتِقَادِهِ- إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ اسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَالشُّكُوكُ".

 

ثانياً: الْكَفُّ عَنِ التَّفْكِيرِ فِيهَا، وَمُجَاهَدَتُهَا، وَعَدَمُ الِاسْتِرْسَالِ مَعَهَا: وَالِاشْتِغَالُ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَيَمْلَأُ وَقْتَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَلَا يَبْقَى فَارِغًا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْوَسُوَسَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟! فَإِذَا بَلَغَهُ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)،

وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: ذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ؛ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؛ فَهَذَا التَّعْلِيمُ النَّبَوِيُّ الْكَرِيمُ أَنْفَعُ وَأَقْطَعُ لِلْوُسُوسَةِ مِنَ الْمُجَادَلَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُجَادَلَةَ قَلَّمَا تَنْفَعُ فِي مِثْلِهَا.

 

ثالثاً: تَعْظِيمُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَالتَّفَكُّرُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى؛ لِتَنْدَفِعَ عَنْهُ الشُّكُوكُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "‌يُوشِكُ ‌النَّاسُ ‌يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ؛ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ؛ فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ثُمَّ لْيَتْفُلْ أَحَدُكُمْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَلَمَّا سَأَلَ أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟"، قَالَ: "مَا هُوَ؟"، قُلْتُ: "وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ"، فَقَالَ لِي: "أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟"، ثُمَّ قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؛ فَقُلْ: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الْحَدِيدِ: 3]"(حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

رابعاً: الِاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: قَالَ تَعَالَى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فُصِّلَتْ: 36]، وَالنَّزْغُ: هُوَ الْإِغْوَاءُ بِالْوَسْوَسَةِ، وَأَصْلُهُ: الْإِزْعَاجُ بِالْحَرَكَةِ إِلَى الشَّرِّ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَمَرَ اللَّهُ ‌الْمُسْتَعِيذَ ‌أَنْ ‌يَتَعَوَّذَ بِالْمُتَّصِفِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْمُلْكِ، وَالْأُلُوهِيَّةِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ الْمُوَكَّلُ بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَلَهُ قَرِينٌ يُزَيِّنُ لَهُ الْفَوَاحِشَ، وَلَا يَأْلُوهُ جُهْدًا فِي الْخَبَالِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ".

 

خامساً: الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَجْدِيدُ الْإِيمَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ -أَيْ: يَبْلَى وَيَقْدُمُ- فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ ‌أَنْ ‌يُجَدِّدَ ‌الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ)؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيكِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ، فَنُؤْمِنُ بِأَنَّ ‌مَشِيئَةَ ‌اللَّهِ ‌فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَنُؤْمِنُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 3].

 

سادساً: الْإِكْثَارُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ: قَالَ -تَعَالَى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الْإِسْرَاءِ: 82]، فَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ الَّذِي تَزُولُ بِهِ كُلُّ شُبْهَةٍ وَجَهَالَةٍ، وَهُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، الْمُصَدِّقِينَ بِآيَاتِهِ، الْعَامِلِينَ بِهِ.

 

سابعاً: الْإِكْثَارُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97].

 

ثامناً: الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ وَقْتٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)[الْبَقَرَةِ: 41]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 152].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الَّتِي تُعَالَجُ بِهَا الْوَسْوَسَةُ:

تاسعاً: تَرْكُ الْوَحْدَةِ، وَلُزُومُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ: الصَّحْبَةُ الصَّالِحَةُ نِعْمَةٌ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ؛ وَهِيَ عَوْنٌ لِلْمَرْءِ عَلَى وَسَاوِسِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ، وَتَحْقِيقُهَا عِبَادَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، وَتُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلْمُتَحَابِّينَ فِيهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

عاشراً: الِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ: فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَسَائِلِ الدَّافِعَةِ لِلْوَسْوَسَةِ؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 168]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النَّمْلِ: 62]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[الْبَقَرَةِ: 186].

 

الحادي عشر: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الظَّنِّ مُصَاحِبًا لِلْمُسْلِمِ فِي كُلِّ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنَ الشَّدَائِدِ، فَإِذَا ابْتُلِيَ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَلَا يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلَا يَيْأَسَ أَبَدًا، وَأَنْ تَقْوَى ثِقَتُهُ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَقْوَى عَزِيمَتُهُ، وَيُوقِنَ بِضَعْفِ الشَّيْطَانِ وَكَيْدِهِ؛ فَإِنَّ حُسْنَ ظَنِّهِ بِاللَّهِ لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْوَسْوَاسِ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[النِّسَاءِ: 76]، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)، فَاللَّهُ -تَعَالَى- يُعَامِلُ عَبْدَهُ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ بِهِ.

 

الثاني عشر: التَّفَاؤُلُ الدَّائِمُ، وَالتَّفَاؤُلُ: هُوَ تَوَقُّعُ حُصُولِ الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَبِضِدِّ ذَلِكَ الْمُتَشَائِمُ الَّتِي يَتَوَقَّعُ حُصُولَ الشَّرِّ، وَالتَّفَاؤُلُ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي كَانَ يُحِبُّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مِنْ آثَارِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَالرَّجَاءِ فِيهِ، بِتَوَقُّعِ الْخَيْرِ، وَتَعْظُمُ الْحَاجَةُ إِلَى التَّفَاؤُلِ فِي أَوْقَاتِ الْأَزَمَاتِ وَالشَّدَائِدِ، فَأَوْقِدْ جَذْوَةَ التَّفَاؤُلِ، وَعِشْ فِي أَمَلٍ وَعَمَلٍ، وَدُعَاءٍ وَصَبْرٍ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ.

 

الثالث عشر: الْبُعْدُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ: فَالذُّنُوبُ سَبَبٌ رَئِيسٌ فِي تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ؛ (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[النَّحْلِ: 99].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life