التضامن والتكافل في الإسلام - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

إنه تكافلهم وتواسيهم وتضامنهم؛ فهم عند الأزمات والكوارث والمجاعات يتخلون عن شح نفوسهم وعن حبهم الفطري للحيازة والتملك، بل ويسقطون ملكياتهم الشخصية ويخرجون كل ما في بيوتهم وجميع ما يملكون، قليله وكثيره، ثم يقتسمون هذا كله بينهم بالتساوي...

 هو وسام نبوي كريم على صدر الأشعريين؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسـلم- فيهم: "هم من وأنا منهم"، فما أسعدكم أيها الأشعريين بأن نسب النبي -صلى الله عليه وسـلم- نفسه إليكم ونسبكم إلى نفسه! لكم أن تتيهوا على الدنيا وترفعوا رءوسكم عزًا وفخرًا بهذه الشهادة النبوية لكم، هي والله وسام على صدوركم، وغرة في جبينكم، وعلم على حيكم، هنيئًا لكم تقريب النبي -صلى الله عليه وسـلم-  لكم.   لكن؛ تُرى بأي شيء نالوا هذا التشريف؟ ولأي سبب تقلدوا هذا الوسام الرفيع؟ وما قدموا حتى يحوزوا هذه المكانة السامية؟ لنعرف السبب دعونا نبدأ الأمر من بدايته فنقول: يروي أبو موسى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قال: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني و أنا منهم"(متفق عليه).  

 

إنه تكافلهم وتواسيهم وتضامنهم؛ فهم عند الأزمات والكوارث والمجاعات يتخلون عن شح نفوسهم وعن حبهم الفطري للحيازة والتملك، بل ويسقطون ملكياتهم الشخصية ويخرجون كل ما في بيوتهم وجميع ما يملكون، قليله وكثيره، ثم يقتسمون هذا كله بينهم بالتساوي، من وضع كثيرًا يستوي حظه مع حظ من وضع قليلًا أو لم يضع شيئًا؛ فبيوتهم كلها بيت واحد، وطعامهم طعام واحد، وقلوبهم قلب رجل واحد؛ الغني يحن على الفقير، والموسر يفرِّج عن المعسر، والواجد يواسي المحروم... وبهذا استحقوا التكريم والتشريف والتقديم.  

 

ولم تكن هذه واقعة فردية ظهرت بين الأثرة والأنانية؛ بل لقد كانت في زمن من الأزمنة خُلق أمة كاملة؛ فها هو جرير بن عبد الله يحكي لنا قائلًا: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- في صدر النهار قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى ثم خطب، فقال: "...تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة"، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-  يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (مسلم).  

 

بل أروي لك العجب العجاب فأقول: لقد كانوا يتكافلون ويتواسون حتى بأكفان الموتى؛ فعن عروة قال: أخبرني أبي الزبير: أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تراهم، فقال: "المرأة المرأة"، قال الزبير: فتوسمت أنها أمي صفية، قال: فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمت (اللدم: الضرب بكلتا اليدين) في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض لك، قال: فقلت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزم عليك، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل، قد فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له. (رواه البزار وأحمد).  

 

هكذا كان يتكافل أبناء أمتنا ويتضامنون ويتكافلون ويتواسون؛ فقد كانوا بحق أمة واحدة ويدًا واحدة على من سواهم.   ولا يظنن أحد أن هذا التكافل تطوعًا منه وتفضلًا، كلا؛ بل لقد نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان -أو كمال الإيمان- عمن علم باحتياج جاره ثم لم يَكْفِه؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" (الطبراني في المعجم الكبير)، وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه" (البيهقي في السنن الكبرى)، ثم يأتي التهديد والوعيد الأشد على لسان النبي -صلى الله عليه وسـلم- حين يقول: "كم من جار متعلق بجاره يقول: يا رب! سل هذا لم أغلق عني بابه، ومنعني فضله؟" (البخاري في الأدب المفرد)؛ فلو كان تكافل الجار مع جاره المحتاج تطوعًا وتفضلًا لما أتى خصمًا له يسائله بحقه يوم القيامة.   وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسـلم- كل من عنده فائض من نعم الله ورأى من يحتاجه أن يعود به عليه؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- إذ جاءه رجل على راحلة فجعل يضرب يمينًا وشمالًا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له" قال : فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. (مسلم).  

 

فالتكافل والتضامن والمواساة صفة لازمة أساسية ضرورية لكل من آمن بالله وبرسوله -صلى الله عليه وسلـم-؛ فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (متفق عليه)، وفى لفظ: "المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله"، وعند أحمد: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس".  

 

وها هو نبينا -صلى الله عليه وسلم- يضرب المثال العملي ويقدم القدوة المنظورة في التضامن والتكافل ويبدأ بنفسه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته" (متفق عليه)، وعند مسلم عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ وعليّ".  

 

ولا نستطيع أن نتحدث عن التكافل والمواساة ثم لا نخبر عن تكافل الأنصار مع المهاجرين، ذلك التكافل الذي كانت ثمرته دولة إسلامية سامقة البنيان متينة الأركان، يروي أنس بن مالك فيقول: "لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمئونة..." (متفق عليه).

 

والآن، وقد أشرنا إلى التكافل مجرد إشارات، قد بقي أن نقدم بعض خطب انتقيناها لخطباء مفوهين، تؤصل للأمر ثم تفصله ثم تزيده بيانًا ووضوحًا وجلاءً، علها تكون خطوة نحو إشاعة روح التكافل والتكامل والتضامن في مجتمعات افتقدته، والله من وراء القصد، وهاك تلك الخطب:  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
المواساة في الجوع والبرد 2015/01/15 8976 1521 116
المواساة في الجوع والبرد

لقَدْ ضَرَبَتِ الْعَوَاصِفُ الثَّلْجِيَّةُ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَاشْتَدَّ بَرْدُهُمْ، وَعَظُمَ كَرْبُ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، وَلَا سِيَّمَا المُنْقَطِعُونَ فِي المُخَيَّمَاتِ وَالمَلَاجِئِ فِي بِلَادِ الشَّامِ وَمَا حَوْلَهَا، فَقَدْ فَتَّتَ الْجُوعُ أَكْبَادَهُمْ، وَأَنْهَكَ الْبَرْدُ أَجْسَادَهُمْ، وَمَاتَ بِهِ أَطْفَالُهُمْ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ تُنْقَلُ صُوَرٌ لِمَوْتَى مِنَ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَلْنَتَّقِ اللهَ -تَعَالَى- فِيهِمْ، وَلْنُوَاسِهِمْ بِمَا يُعِينُهُمْ وَيُخَفِّفُ مُصَابَهُمْ، فَإِنَّهُمْ فِي مَخْمَصَةٍ شَدِيدَةٍ، وَكُرْبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَحَاجَةٍ أَكِيدَةٍ. وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ، وَتَدْفِئَةُ الْبَرْدَانِ، وَإِيوَاءُ المُشَرَّدِ فِيهِ حِفْظٌ لِنُفُوسٍ مِنَ التَّلَفِ (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، فَأَحْيُوا إِخْوَانَكُمْ بِفُضُولِ أَمْوَالِكُمْ، وَتَوَاصَوْا بِمُوَاسَاتِهِمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ...

المرفقات

في الجوع والبرد

في الجوع والبرد - مشكولة

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life