التداوي لا ينافي التوكل على الله - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

ونتعجب: وكيف ينافي الأخذُ بالأسباب التوكلَ على الله، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي أمر بكليهما؟!... ومن احتج منهم على ترك التداوي والأخذ بالأسباب بحديث: "هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"، قلنا له: قد خانك الفهم وخذلك العقل وجانبك التوفيق؛...

 

لا يشك مؤمن ولا يرتاب أن الله -عز وجل- وحده هو الشافي الذي يزيل الأمراض ويُذهِب الأسقام، وهل ينسى مؤمن إبراهيم -عليه السلام- وهو يرد كل الأمور إلى الجليل العظيم وحده: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشعراء: 78-82].

 

ومع إيمان المسلم أن الله وحده هو الشافي، فإنه يعلم علم اليقين أن التداوي من سنة الإسلام، ومن هدي النبي خير الأنام -صلى الله عليه وسلم-، أنه تداوى ودلَّ المسلمين على سبل التداوي؛ فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي"(رواه البخاري)، هذا لفظ حديث ابن عباس، وقد رواه أيضًا جابر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ: "إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شربة عسل، أو شرطة محجم، أو لذعة من نار، وما أحب أن أكتوي"(متفق عليه)...

 

وهذا دواء رابع نقلته إلينا أم المؤمنين عائشة فقد سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام" قلت: وما السام؟ قال: الموت(رواه البخاري).

 

ودواء خامس لكنه هذه المرة علاج نفسي وليس عضوي، وقد نقلته عائشة -رضي الله عنها- أيضًا؛ فعن عروة أن عائشة كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن التلبينة تجم فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن"(متفق عليه).

 

ودواء سادس تنقله مليكة بنت عمرو الزيدية، فعن زهير قال: حدثتني امرأة من أهلي فقالت: اشتكيت وجعًا في حلقي، فأتيتها (أي: مليكة) فوضعت لي سمن بقرة، وقالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحومها داء"(الطبراني في المعجم الكبير)...

 

والأدوية النبوية كثيرة ومتنوعة في كل مجال ولكل أنواع الأدواء، وما هذه إلا نماذج.

 

***

 

وكم جاء النبيَ -صلى الله عليه وسلم- مريض أو مرضى فدلَّهم على ما يتداوون به وما يستشفون به، فيروي أبو سعيد: أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقه عسلًا" ثم أتى الثانية، فقال: "اسقه عسلًا" ثم أتاه الثالثة فقال: "اسقه عسلًا" ثم أتاه فقال: قد فعلت؟ فقال: "صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلًا" فسقاه فبرأ(متفق عليه)...

 

ومرة أخرى يروي أنس بن مالك فيقول: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة (قال الخطابي: وأصله من الجوي، وهو داء يصيب الجوف)، "فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح (اللقاح جمع لقحة، وهى: الناقة الحلوب)، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها..."(متفق عليه)، فلما فعلوا شفاهم الله وأكلوا وسمنوا، كما في لفظ للبخاري: "فأتوها، فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صحوا وسمنوا"، وعنده أيضًا: "فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صلحت أبدانهم"...

 

***

 

وكيف لا يتداوى مسلم أصابه داء وهو يسمع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"(متفق عليه)، وفي لفظ لمسلم: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله -عز وجل-"، أسمعت: "فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله"، فما بين المريض وبين الشفاء إلا أن يدرك أي الأدوية يصلح لمرضه وعلته، فإن عرفه وتناوله وتداوى به كان البرء والشفاء بإذن الله -تعالى- وبرحمته، يوضح ذلك حديث ابن حبان: "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء، جهله من جهله، وعلمه من علمه".

 

***

 

وقد أخطأ من ترك التداوي والأخذ بالأسباب بحجة أن ذلك ينافي التوكل على الله! ونتعجب: وكيف ينافي الأخذُ بالأسباب التوكلَ على الله والله -سبحانه وتعالى- هو الذي أمر بكليهما؟! فلقد جاء رجلٌ فسأل النبيَ -صلى الله عليه وسلم- عن ناقته أيربطها آخذًا بالأسباب، أم يتركها متوكلًا على الله؟ فأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يفعل كلا الأمرين، فقد قال الرجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل"(الترمذي).

 

بل لقد جاء بعض الأعراب فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل علينا جناح أن لا نتداوى؟... فنهاهم -صلى الله عليه وسلم-، وأمرهم أمرًا مباشرًا قائلًا: "تداووا عباد الله، فإن الله -سبحانه- لم يضع داء إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم"(ابن ماجه)؛ فنستطيع أن نقرر في وضوح وثقة: أن من ترك التداوي قد خالف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومن احتج منهم على ترك التداوي والأخذ بالأسباب بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن السبعين ألف مسلم الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"(متفق عليه)، قلنا له: قد خانك الفهم وخذلك العقل وجانبك التوفيق؛ فليس في الحديث حجة على ما تدعي.

يقول العلماء: "واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلاً كما يظنه الجهلة، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]؛ أي: كافيه، إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلًا على الله، كالاسترقاء والاكتواء، فتركهم له ليس لكونه سببًا، لكن لكونه سببًا مكروهًا، لاسيما والمريض يتشبث بما يظنه سببًا لشفائه بخيط العنكبوت، أما نفس مباشرة الأسباب، والتداوي على وجه لا كراهية فيه، فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعًا"(تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله).

 

فالمسلم الحق يأخذ بالأسباب ويتداوى... لكن قلبه في كل هذا يتعلق بالشافي وحده لا شريك له، موقنًا أن الشفاء منه -تعالى- وحده.

 

***

 

وفيما يلي قد جمعنا خطبًا تزيد الأمر وضوحًا وجلاءً وتأصيلًا:

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
الخطبة الرابعة عشر:
الخطبة الخامسة عشر:
العنوان
التداوي في شريعة الإسلام 2017/07/15 15731 556 12
التداوي في شريعة الإسلام

إن من البلاء الذي يصيب الإنسان في هذه الحياة "المرض"، مرض الأجساد ومرض القلوب، المرضي الحسي والمرض المعنوي، وإن الله -تعالى- بمنه وكرمه وإحسانه وحكمته جعل لكل مرض يصيب المؤمن شفاء، وقد أخبر عن ذلك الصادق المصدوق فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"، ورواه ابن ماجه وأحمد في المسند من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وزاد فيه: "علمه من علمه وجهله من جهله".

المرفقات

التداوي في شريعة الإسلام

المرفقات
التداوي-لا-ينافي-التوكل-على-الله-5-01.jpg
التداوي-لا-ينافي-التوكل-على-الله-5-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life