من أحكام المسح على الخفين

صلاح بن محمد البدير

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الطهارة
عناصر الخطبة
1/الحكمة من جواز المسح على الخفين 2/بعض أحكام المسح على الخفين 3/يجب على المسلم تعهد جوربه لئلا يؤذي الآخرين

اقتباس

ويجب على المصلي تعهُّد جوربه؛ لأنه يُنتن سريعا، ومتى أنتن الجورب أو أروح وجَب نزعُه؛ لئلا يؤذي برائحته مصليا أو مسلما، وقد ضرب الناس قديما المثل بنتنه فقالوا: "أنتن من ريح الجورب"...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، جعَل الأمنَ في ربوعنا ظِلًّا وَرِيفًا، وألَّف بين قلوبنا تأليفًا، وأوجَب الطهارةَ وشرَع المسحَ على الخفين تسهيلًا وتخفيفًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، نؤمن بأسمائه وصفاته ونثبتها ولا نقبل تعطيلا ولا تمثيلا ولا تشبيها ولا تحريفا ولا تزييفا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، شرع الصلاة عليه تعظيمًا له وتكريما وتشريفا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ما طار طائر بجناحيه وحف حفيفا.

 

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فمن اتقاه ارتقى مراقي السعود، ودرج الرقي والصعود، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 282].

 

والفقه زاد المتعبِّد وعون المسترشد، ومن قلَّ فقهه ساء فعله وأرداه جهلُه، وإذا نزل الشتاء أقبل الناس على لبس الخفاف والجوارب، والحوائل والتساخين، والمسح على الخفين عند الوضوء جائز لا ينكره إلا مبتدِع، مخالِف لجماعة المسلمين، أهل الفقه والأثر، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفاف، وثبَت المسح على الجوارب عن طائفة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وإباحة المسح على الخفين رفق وترفيه، ويسر وسعة في الشريعة؛ لأن الحاجة داعية إلى لبسه، والمشقة لاحقة في نزعه، ومن أراد المسح على الخفين وجَب عليه تعلُّم أحكامه، ومعرفة مدته وصفته وشرائط جوازه، وما يَنقُضه، وحكمه إذا انتقض، وغير ذلك من المسائل.

 

أيها المسلمون: والخف ما صُنِعَ من الجِلْد، وسمي خُفًّا لخفته، وقيل: لأن الحكم خفف بلبسه من الغسل إلى المسح.

 

أما الجورب فهو كل ساتر للقدم، صُنِعَ من قطن أو صوف أو وبر أو قماش ونحوها، ويسمى اليوم بالشراب.

 

ويشترط أن يكونا طاهرين ساترين للقدمين والكعبين، ثخينين كثيفين صفيقين، لا يشفان ما تحتهما، فإن كان الجورب مما يشف ويصل بلل المسح عليه إلى القدم ويرى لون البشرة من ورائه لم يجز المسح عليه، وإن كان مما لا يشف ويمنع صفاقه من وصول بلل المسح إلى القدمين صح المسح عليه في أصح قولي العلماء.

 

ويشترط أن يلبسهما بعد طهارة مائية كاملة، فإن مسح على الخفين بلا طهارة مائية كاملة سابقة للبسهما فلا يصح وضوؤه ولا صلاته، وإن غسل إحدى رجليه ثم لبس الجورب عليها ثم غسل الأخرى، ثم أدخلها الخف أو الجورب لم يجز المسح في أصح قولي العلماء؛ لحديث أبي بكرة -رضي الله عنه- وفيه: "إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما" والفاء مقتضاها التعقيب والترتيب؛ فيجب أن يُتِمَّ طهارتَه، ويُكمِلَ وضوءَه، ويتم غسل رجليه، ثم يشرع بعد ذلك في إدخالهما خفيه أو جوربيه.

 

ويمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وابتداء المدة من أول مسح بعد الحدث الأصغر في أصح قولي العلماء؛ فيمسح من أول مسح بعد الحدث إلى مثله من الغد إن كان مقيما، وإلى مثله من اليوم الرابع إن كان مسافرا، قال عمر -رضي الله عنه-: "يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته"(أخرجه عبد الرزاق)، فإذا انقضت المدة انتقضت طهارته عند بعض الفقهاء، وقيل: لا يبطل الوضوء ولو كان عند تقضي زمان المسح في صلاة أتم صلاته؛ لأن انتهاء المدة لا يعد حدثا ناقضا للوضوء، والقول الأول أحوط للصلاة، والتحرز من عدم تحقق شرط صحتها أولى وأفضل؛ فإن أحدث بعد انقضاء المدة لم يمسح عليهما حتى ينزعهما ثم يلبسهما على طهارة كاملة.

 

ويمسح في المدة ما لم يجنب، فإن أجنب بجماع أو احتلام أو غيرهما لم يمسح، ووجب غسل جميع بدنه حتى الرجلين، فعن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام وليالهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم"(أخرجه الترمذي).

 

وإن شك في بقاء مدة المسح فلا يمسح مع الشك؛ لعدم تحقُّق شرط جواز المسح، وفي أي وقت خلع خفيه أو جوربيه، أو نزع خف إحدى القدمين انتقض مسحه وبطل وضوؤه، ولا يجزئه لاستئناف المسح عليهما غسل قدميه، بل يجب لجواز المسح عليهما لبسهما على طهارة مائية كاملة جديدة في أصح القولين؛ إحرازا واحتياطا للصلاة.

 

أيها المصلون المتطهرون: فإن كان في الخف أو الجورب خروق أو فتوق أو شقوق يبدو منها بعض محل الفرض وكانت كبيرة فاحشة لم يجز المسح عليه، وجاز إن كانت يسيرة، وإن كان خرقه من فوق الكعبين لم يضره ذلك، والواجب مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه وساقه، وصفة المسح أن يضع يديه مبلولتين مفرَّجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه ثم يُمِرُّهما على مشطي قدميه إلى ساقيه.

 

ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه ولا ساقه في أصح الأقوال؛ لحديث علي -رضي الله عنه- قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه"(أخرجه أبو داود).

 

ومَنْ ترك مسح أعلاه لم يصح وضوؤه إجماعا، وصلاته باطلة إن صلى، قال الناظم: وتارك المسح للأعلى أبطل، ويمسحهما جميعا؛ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى، قال أحمد -رحمه الله-: "وكيفما فعلت فهو جائز بيد واحدة أو باليدين".

 

ولا يستحب تكرار المسح؛ لعدم وروده، ولا يمسح على خف نجس.

 

أيها المصلون المتطهرون: ومن كان مسافرا وابتدأ المدة في سفره ومسح أقل من يوم وليلة ثم عاد إلى بلده أتم يوما وليلة، وإن مسح في السفر يوما وليلة فأكثر، ثم عاد إلى بلده خلع جوربيه وجوبا؛ لانتهاء المدة بوصوله إلى بلده.

 

وإن مَسَحَ مسحَ مقيمٍ ثم سافر قبل مضي مدة المسح أتم مسح مسافر.

 

أيها المصلون المتطهرون: وإن توضأ بالماء وضوءا كاملا ثم لبس جوربا ولم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح على الجورب الفوقاني، فإن مسح على الجورب الفوقاني ثم خلعه بطل وضوؤه، وإن توضأ وضوءا كاملا بالماء ولبس جوربه ثم أحدث فلبس الفوقاني بعد أن أحدث لم يجز المسح على الفوقاني؛ لأنه لبسه على غير طهارة؛ أي: وهو محدث، فإن أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح على الجورب التحتاني جاز، وإن لبس جوربا على طهارة مائية كاملة، ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس فوقه جوربا آخر، لم يبح المسح على الفوقاني؛ لأنه لبسه على طهارة المسح ولم يلبسه على طهارة الماء.

 

ومن لبس جوربا على طهارة مائية كاملة، ولبس فوقه قبل الحدث بسطارا أو بوتا أو كنادر تستر جميعها الكعبين فله المسح عليها، فإن خلع البسطار أو البوت أو الكنادر بعد المسح عليها بطل وضوؤه، وإن لبس حذاء أو كنادر لا تستر الكعبين لم يجز المسح عليها وحدها، فإن كان تحتها جورب يستر الكعبين ولبسها معه قبل الحدث مسح على الكنادر وعلى ما ظهر من الجوربين فوق محل الغسل، وصلى فيهما جميعا، فإن خلع الكنادر بطل وضوؤه ولم تصح صلاته بالجورب وحده؛ لتعلُّق المسح بهما.

 

جعلني الله وإياكم ممن عبَد اللهَ على علم وبصيرة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ويا فوز المستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله آوى مَنْ إلى لطفه أوى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوى بإنعامه من يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تبقى وسلاما يترى.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

أيها المسلمون: ويجب على المصلي تعهد جوربه؛ لأنه يُنتن سريعا، ومتى أنتن الجورب أو أروح، وجب نزعه؛ لئلا يؤذي برائحته مصليا أو مسلما، وقد ضرب الناس قديما المثل بنتنه فقالوا: "أنتن من ريح الجورب"، ومثلوا به في هجاء مذموم فقال أحدهم:

 

غزا ابن عمير غزوة تركت له *** ثناء كريح الجورب المتخرق

 

وقال آخر:

 

أثني عليَّ بما علمت فإنني *** مثنٍ عليكِ بمثل ريح الجورب

 

أيها المسلمون: وننصح بالقول الأحوط للصلاة في باب المسح على الخفين إذا لم يكن ثَمَّ نصوص قاطعة أو ظاهرة، ولم يكن في إعمال الأحوط حرج بالغ أو مشقة عظيمة موجِبة للتخفيف والترخيص، وكان في إعمال الأحوط زيادة تعبُّد وثواب.

 

وقد نصَّ الفقهاءُ على أن الخروج من الخلاف مستحب، وقد عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاحتياط، وحكم به في وقائع مشهورة، منها ما (رواه الشيخان) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة مسقوطة، فقال: لولا أن تكون من صدقة لأكلتها"، وندعو المسلمين إلى أن تتسع صدروهم للخلاف في تلك المسائل الفقهية؛ وألا تكون سببا للتنافر والتهاجر والتناحر والتقاطع.

 

أيها المسلمون: احمدوا الله على نعمه الغزار وفضله المدرار، وتذكروا كيف كان الناس يمشون الحفى، تذكروا كيف كان الناس يمشون الحفى، ويفقدون الدفا، وينامون على الحجر والصفا، ثم أصبحتم من بعدهم في عيش واسع مخصب غيداق، وثمر ينيع نضيج موراق، فاشكروا الله على سوابغ الفضل والآلاء، فالمطيع الشكور إلى الفضل والنماء والبركة، والعصي النفور إلى الخزي والفقر والهلكة.

 

وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتَّبَعَة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانشر رحمتك على بلاد المسلمين، وانشر رحمتك على بلاد المسلمين، وانشر رحمتك على بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين.

 

واحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين يا رب العالمين.

 

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، واحفظ حدودنا واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين.

 

اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وداو جرحانا، وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين، اللهم اجعل دعاءنا مسموعا، ونداءنا مرفوعا، يا كريم يا حليم يا عظيم يا رحيم.

 

 

المرفقات

من أحكام المسح على الخفين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات