فضل الله بالحج الأكبر

يحيى جبران جباري

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/الحج من منح الله لعباده 2/فضل صوم يوم عرفة 3/الأضحية: فضلها وأحكامها.

اقتباس

وها هنا ثلة, قلوبهم معلقة, ويشتاقون أن يكونوا هناك مع تلكم الثلة, ولكن منع الكثير منهم العذر, وعدم اليسر, ولعلها من الله خيرة, (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97], فنسأل الله أن يهبهم أجرا على نياتهم, وأن ييسر لهم الحج إلى بيته العتيق...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله له العج والثج, أحمده -سبحانه- وأشكره أكثر ممن لله اعتمر وحج, وأستعينه وأستهديه وأستغفره,  يعين حتى الصدر يثلج, ويهدي من وقع في الغواية ويخرج, ويغفر لمن تاب إليه دون أن يحرج, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, يضيق على من شاء من عباده, وعمن شاء يفرج, وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله, أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأذن بأن إليه يعرج, صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه, إلى يوم كل الأموات فيه تخرج .

 

ثم أما بعد: فإني أوصيكم -إخوة الدين- ونفسي المقصرة, بتقوى الله الرحمن الرحيم, والعمل بكتابه وسنة نبيه الكريم, والسير على الهدى والنهج القويم, فما الحياة إلا رحلة؛ الأولى ممرها, والأخرى مقرها, ثم جنة طيب طعامها وبارد شرابها, وإما نار زقوم طعامها, وصديد شرابها, نعوذ بالله أن نكون من سكانها, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: منح ربنا علينا تتوالى, وأفضاله علينا تتهاوى, فهناك ثلة يسر الله لهم؛ فلبيته حجوا, ولنداء أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- بأمر ربه لبوا؛ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27], يقولون ويهتفون: "لبيك اللهم لبيك,  لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك".

 

قاصدين ربهم, يلوذون بجواره, ويقفون ببابه, يريدون عفوه ورضوانه, فحاشاه ثم حاشاه أن يردهم صفرا -سبحانه-؛ يقول سيد الأولين والآخرين -عليه صلوات وسلام رب العالمين-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من حجه كيوم ولدته أمه", فيا رب احفظهم ذاهبين, وتقبل منهم عابدين, وردهم لأهليهم سالمين غانمين, يا أكرم الأكرمين.

 

وها هنا ثلة, قلوبهم معلقة, ويشتاقون أن يكونوا هناك مع تلكم الثلة, ولكن منع الكثير منهم العذر, وعدم اليسر, ولعلها من الله خيرة, (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97], فنسأل الله أن يهبهم أجرا على نياتهم, وأن ييسر لهم الحج إلى بيته العتيق, وأصفُ حالهم بقول القائل :

اَلـراحـلــــون َإلــى ديـار أحــبــتـــي *** عتبـي عليكمْ قـد أخذتم مهجتــي

وتـركـتـمُ جـسـدي غـريـبــاً هــاهنـا *** عجـبـي لــه! يحيــا هـنــا في غربـتي

كـم قـلـتـمُ مـا مـن فـصــامٍ أو نــوى *** بـيــن الـفـؤاد وجسمـهِ يـا إخوتــي

وإذا بـجـســمـي في هـجـير بعــادهِ *** وإذا بــــروحــي فــي ظـلال الروضـــةِ

قلبي! وأعـلـم أنــه فـي رحـلـكـــمْ *** كصـواع يوسـفَ فـي رحــال الإخـــوةِ

 

فيا رب نسألك بكرمك أن تيسر لكل معسر.

 

أيها الأحبة: لئن كان فضل الله على الحجيج عظيم, فاعلموا بأنه -جل وعلا- كريم؛ إذ جعل للمقيمين في الأوطان, وفي البيوت بين أهليهم والولدان, كرامات بها ينالون أجره -سبحانه- وهو المعطي المنان, فدونكم غدا التاسع من ذي الحجة, يقول عن فضله وأجره -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله, والسنة التي بعده", فما أجل عطاياه -سبحانه-, وما أعظم كرمه!, نهار يوم يكفر ذنوب سنتين, فأين القاصدون الطالبون الصادقون؟! يا رب كن لنا هاديا ومعين واجعلنا من المقبولين.

 

ومن فضله -سبحانه- على العالمين, أن أمر المقتدرين من عباده, بالذبح والنحر له -سبحانه-؛ اقتداء بأبي الأنبياء -إبراهيم عليه السلام-, وعملا بنهج محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ يقول رب العالمين: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 36-37].

 

وروى الترمذي وصححه الألباني، عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحبُّ إلى الله من إهراق الدّم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا".

 

والأضحية عند الجمهور سنة, وعند أبي حنيفة وفي رواية عن مالك واجبة, ونخرج من هذا بقولنا: إنها على المقتدر واجبة؛ لحديث أبي هريرة رفعه: "من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا", وفي حق غير المقتدر سنة.

 

ويشترط في الأضحية بلوغ السن المعتبرة؛ ففي الإبل خمس سنين, وفي البقر سنتان, وفي الغنم والضأن سنة, وأجاز بعض أهل العلم ستة أشهر في الضأن والأفضل سنة, ولا تجزي المريضة, ولا العوراء البين عورها, ولا العرجاء البين ضلعها, ولا الكبيرة التي ذهب مخها؛ لما جاء في الحديث عن عدم إجزائها.

 

ووقت الذبح: من بعد صلاة العيد, ويومين بعده على الراجح, ومن ذبح قبل صلاة العيد لم يصح ولا تعتبر أضحية.

 

يسر الله لنا ولكم, ورزقنا من فضله ورزقكم, قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم .

 

 

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله, يعطي بفضل, ويمنع بعدل, أحمده -سبحانه- وأشكره, يرى ويسمع, وأشهد أن لا إله سواه ما شاء يصنع, وأن محمدا عبد ورسول, ومأذون له أن يشفع,  صلوات ربي وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم نرجع, وبعد:

 

يامن حضر ويسمع: اتق الله؛ فلا شيء للنجاة من عذاب الله مثل تقواه ينفع؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

 

عباد الله: ما سمعتم خلاصة عظات, وقليل من توجيهات, عن ربكم وعن رسولكم, جئت بها لي ولكم, أسأل الله أن ينفعني بها وينفعكم , فاجتهدوا -يا رعاكم الله- وأخلصوا, وطيبوا نفسا بما تقدموا له,  وكلوا وتصدقوا واهدوا, تقبل الله منا ومنكم وعفا عنا وعنكم,  ثم الصلاة والسلام على المبعوث فيكم, مادامت الأرض لكم تحويكم .

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه عشـر صلوات، وحُـطَّت عنه عشـر خطيئات، ورُفعت له عشـر درجات"(رواه أحمد والنسائي).

 

 

المرفقات

فضل الله بالحج الأكبر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات