عناصر الخطبة
1/خير ما تعمر به الأعمار فضائل الأعمال 2/بعض فضائل شهر شعبان 3/النصف من شعبان زمان الرحمة والغفران 4/نصيحة لمن كان عليه قضاء صيام من رمضان 5/ضرورة المبادرة والاستعداد لشهر رمضاناقتباس
معاشر المسلمين: ومَنْ كان عليه قضاء من صيام شهر رمضان الماضي فليُبَادِرْ بصيامه قبل حلول رمضان، فإن التراخي عن ذلك قد يكون سببًا من أسباب التفريط...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق السمواتِ والأرضَ وجعَل الظلماتِ والنورَ، مقلِّب الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، أحمده على كل الأمور، ما تعاقبت الأيام والأعوام والشهور، ما هبَّت الصَّبا والدَّبُور.
أشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ حقٍّ ويقينٍ أدَّخِرُها عند الله، يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئا والأمرُ يومَئذ لله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقينُ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإن القرآنَ أحسنُ الحديثِ والكلامِ، والدِّينُ عندَ اللهِ الإسلامُ، وخيرَ الهديِ هديُ نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لُقْمَانَ: 33].
معاشر المسلمين: إن الله قد جعَل الأوقاتِ مستودَعًا للأعمال، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8]، فالمغبون مَنْ غُبِنَ خيرَ الأوقات، والمحروم مَنْ حُرِمَ مواسمَ الطاعاتِ، وقد جعل الله الزمان سبيلا للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالًا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فَأَحْيُوا أنفسَكُم بطاعة الله، فإنما تحيا القلوبُ بذكر الله، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)[الْبَقَرَةِ: 110].
عباد الله: إن الزمان يتفاضل حسب الشهور والأيام والساعات، وإن خير ما تُعمر وتُحيا به الأعمارُ والأوقاتُ فضائلُ الأعمالِ والقرباتِ، وفعلُ الخيراتِ والطاعاتِ، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الْفُرْقَانِ: 62]، ألا وإِنَّكُم في شهر عظيم؛ ألا وإنكم في شهر عظيم، يغفُل عنه كثيرٌ من الناس، وبئس الغفلةُ نصيبُ المحرومينَ، وبضاعة الكاسدين، ألا وإنكم في شهر عظيم تُرفع فيه الأعمالُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ، فاختِمُوها بالتوبة وصالح الأعمال، لعل الله أن يختم بها الآجالَ، ألا وإنَّكم في شهر عظيم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرص على صيامه، فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"(رواه أحمد)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ شَهْرًا قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"(رواه مسلم)، وعنها قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصومه شعبان"(رواه أبو داود).
معاشر المسلمين: إن لله -تعالى- في النصف من شعبان مغفرة تَعُمُّ المؤمنينَ، ويُحرم منها أهلُ العداوةِ والضغائنِ والشحناءِ والكافرينَ، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله لَيطلع في ليلةِ النصفِ من شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لمشرِكٍ أو مشاحِنٍ"(رواه ابن ماجه وغيره، وصححه ابن حبان والألباني).
فاعفوا -عبادَ اللهِ- واصفحوا، وتجاوزوا وتراحموا، وتسامحوا وتواصلوا، ولا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانا.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُفتح أبوابُ الجنةِ يومَ الإثنينِ ويومَ الخميسِ، فيُغفر لكل عبدٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينَه وبينَ أخيه شحناءُ، فيقال: أَنْظِرُوا هذينِ حتى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هذينِ حتى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هذينِ حتى يَصْطَلِحَا"(رواه مسلم).
عباد الله: شعبان مقدِّمة بين يدي أحد أركان الإسلام؛ وهو صيام شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، فهو ميدان للتمرن والاستعداد، والتأهب والإعداد، وتذكير بحلول شهر الإيمان واستقبال لشهر رمضان، شعبان مع رمضان بمثابة السُّنَن الرواتب مع الصلوات المفروضة، فهو كالتمرين على صيام شهر رمضان، لتخفيف مشقته وكلفته، ولتذوُّقِ حلاوةِ الصومِ ولذته، فيدخل المرء في صوم رمضان بنشاطه وقوته.
معاشر المسلمين: ومن كان عليه قضاء من صيام شهر رمضان الماضي فليُبَادِرْ بصيامه قبل حلول رمضان، فإن التراخي عن ذلك قد يكون سببًا من أسباب التفريط، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليَّ الصومُ من رمضان فما أستطيعُ أن أقضِيَه إلا في شعبان؛ لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فبادِرُوا -رحمكم الله- بصالح الأعمال قبل حلول الآجال، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفِرُوه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أيها المسلمون: إن الله -تعالى- فرَض صيامَ شهر رمضان في هذا الشهر؛ أعني شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة، فصام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، ثم لَحِقَ بربه، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183-185].
وعن ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بُنِيَ الإسلامُ على خمس: على أن يُعبد اللهُ ويُكفر بما دونه، وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ وصومِ رمضانَ"(رواه مسلم).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"(رواه البخاري).
وبعدُ عبادَ اللهِ: فلم يتبقَ على هذا الشهر العظيم إلا أيام معدودات، فحريٌّ بالمسلمين أن يَسْتَعِدُّوا لهذا الشهرِ، وأن يتأَهَّبُوا له، وأن يُبَادِرُوا ويتنافسوا فيه على طاعة الله، فهنيئًا لمن أدركه رمضانُ، وهنيئا لمن وُفِّقَ فيه للخير وصالح الأعمال، فيا باغيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغيَ الشرِّ أَقْصِرْ، فَأَرُوا اللهَ من أنفسكم خيرا، فإن الشقي مَنْ حُرِمَ من طاعة ربه، وفاتت عليه مواسمُ الخيرِ ولم ينتبه، وَأَسْرَفَ على نفسه حتى باغته الموتُ ولم يَتُبْ من ذنبه، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].
اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، وأَعِنَّا فيه على الصيام والقيام، وتَقَبَّلْه منا يا ربَّ العالمينَ، وتَقَبَّلْه منا يا ربَّ العالمينَ، وتَقَبَّلْه منا يا ربَّ العالمينَ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّدْه بتأييدِكَ، اللهم وفقه وولِيَّ عهده لِمَا تُحِبُّ وترضى، يا سميع الدعاء.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم