اعتزاز المسلم بدينه وعدم التشبه بالكفار

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حال المسلين اليوم في التشبه بالكفار 2/التحذير من اتباع سنن أهل الكتاب وعقوبة ذلك 3/أثر التقليد الأعمى للكفار وأمثلة على ذلك 4/طريقة الوقاية من تقليد الكفار

اقتباس

إن التقليد الأعمى للكافرين دليل على ضعف المسلم وعدم اعتزازه بدينه, بل عدم معرفة قدر الدين الذي ينتسب إليه, ولنعلم أنه لا يسارع في تقليد الكفار إلا كل مفتون بالكفار وأخلاقهم, متنقص لدينه, وهذه صفة قديمة...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعد:

 

يا أيها الناس: لقد من الله على المسلمين بأن جعلهم خير الخلق أجمعين؛ فالكل ضال عن السبيل, يتخبط في ظلمات الجهل والكفر إلا المسلمين, فما من نعمة هي أمنّ على الخلق من الهداية للإسلام, فمتى تلفتَ المسلم حوله فلا يجد إلا يهودي مغضوب عليه, أو نصراني ضال, أو وثني جاهل, أو ملحد تائه, والمسلم ينعم بنعمة العقل والهداية للفطرة السوية والدين الحق.

 

ولا ينقضي عجب العقلاء إذا رأوا بعض المسلمين أو المتأسلمين, وهم يحاكون بعض من ذكرنا آنفا من الضُلّال, ويتشبهون بهم, ويقلدونهم في كل صغيرة وكبيرة, فماذا يريد هؤلاء؟! (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النساء: 139], ولكن إذا تعلم المسلم من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا واقع من البعض في آخر الزمن؛ فإنه يزول عجبه, ولكن كيف يرضى المسلم أن يكون هو المقصود في الحديث, أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم"، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: "فمَنْ؟". السَنَن هي العادات والتقاليد والطرق وكيفية الحياة.

 

لقد أصبح أهل الإسلام يلهثون وراء الغرب الكافرِ, يُقلِّدونهم في كل شيء، لا يعبؤون إن كان هذا الشيء مُحرَّمًا ويصطدم بالشرع، أو مكروهًا والأَولى تركه، أو حتى تافهًا لا يستحق عناء كل هذا اللهث، وكأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيٌّ بيننا يصف ما تحياه الأمة وصفًا دقيقًا مُعبرًا.

 

عباد الله: إن هذا الاتباع واضحٌ تمامًا أن المقصود به الاتباعُ المذموم، وبلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار جحر الضب أمرٌ عجيب؛ فجحر الضبِّ مَعروفٌ عنه أنه شديد القذارة، وله فتحة واحدة، ليس كباقي الحيوانات التي تحفر جحورها في الأرض وتصنع لها عدة فتحات؛ لتخدع أعداءها, وتستطيع الهرب منها؛ فجُحر الضبِّ فيه مهلكة محققة إذا ما حوصِرَ جُحره من عدوٍّ يتربص به؛ فجمع جحر الضب القذارة المؤكَّدة، والمَهلَكةَ المحقَّقة، إلا أن المسلمين سيتبعون اليهود والنصارى في كل شيء؛ حتى لو كان ما يتَّبعونهم فيه قذرًا ومُهلكًا، وهذا والله مما عمَّت به البلوى.

 

معاشر المسلمين: إن الناظر على مستوى الدول والجماعات، يجد أن غالبَ الدول الإسلامية تتبع دولَ الغرب من اليهود والنصارى في التعاملات الاقتصادية المليئة بالربا وخلافه، وكذا تحاول غالب الدول الإسلامية جهدها في التعاملات الاجتماعية أن تصلَ إلى انفتاح أخرق، المهم فيه تقليدُ الغرب الكافر، وهكذا دواليك على كل الأصعدة والتعاملات السياسية والإدارية والإعلامية والثقافية وغيرها.

 

وحتى على المستوى الفردي ترى عندما يخرج ممثل يهودي أو نصراني ويُطلق لحيته إذا من شباب المسلمين من يفعلون هذا؛ فقط من أجل تقليده، وإذا ما قزع شعر رأسه بقصة جديدة، يسارعون إلى قص نفس قصته الجديدة، حتى إن مِن شباب المسلمين مَن يُقلِّدون اليهود والنصارى في لون الثياب، وفي شكل تفصيلها, وكذلك النساء، وهنَّ أكثر هوسًا في اتباع جنسهن من اليهوديات والنصرانيات في استجلاب العطور، ومتابعة الأزياء، والتعري والرقص، وكل هذه الأمور المعلوم حُرْمتُها.

 

عباد الله: إن التشبه بالكفار في لبسهم وحركاتهم وكلامهم وعاداتهم وأعيادهم, خطر جدا على عقيدة المسلم؛ فالمتشبه يخشى عليه أن يكون منهم؛ كما أخرج أبو داود في سننه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا أقل أحواله التحريم إن سلم المتشبه من الكفر والعياذ بالله".

 

فلنتمسك -عباد الله- بديننا وقيمه, ولنعتز به؛ فما في الدينا مثل ديننا, ولنحذر من الانزلاق في مهاوي الضعف والتقليد؛ فإنه انسلاخ من الدين شيئا فشيئا؛ فلقد تكاثرت النصوص الشرعية في التحذير من هذا الانزلاق؛ لما له من ضرر بليغ في عقيدة المسلم.

 

إذا عرفت هذا علمت السر في أن الله -سبحانه وتعالى- حذر أشد التحذير من موافقة اليهود والنصارى وغيرهم، وأمر آكد الأمر بمخالفتهم ومباينتهم كل المخالفة وأشد المباينة, وأن نتأسى ونقتدي بعباده الصالحين، وأن نتشبه بهم في ظواهر أحوالهم الصالحة وأخلاقهم الكريمة؛ ليثمر لنا هذا اصطباغ قلوبنا ونفوسنا بتلك الصورة الصالحة، فنكون من المهتدين المفلحين.

 

ولعظيم ذلك أمرنا الله وعلمنا أن نكرر في اليوم والليلة مراراً أن نستهديه صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وأن يباعدنا عن طريق المغضوب عليهم والضالين, قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 105], وقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[الجاثية:18-20].

 

نسأل الله أن يهدينا ورجال ونساء وأبناء وبنات المسلمين، وأن يُجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: إن التقليد الأعمى للكافرين دليل على ضعف المسلم وعدم اعتزازه بدينه, بل عدم معرفة قدر الدين الذي ينتسب إليه, ولنعلم أنه لا يسارع في تقليد الكفار إلا كل مفتون بالكفار وأخلاقهم, متنقص لدينه, وهذه صفة قديمة؛ كما قال -تعالى-: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[التوبة:69].

 

قال القرطبى: "روى سعيد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تأخذون كما أخذت الأمم قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع, حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه". قال أبو هريرة: وإن شئتم فاقرؤوا القرآن: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ). قال أبو هريرة: والخلاق، الدين, قالوا: يا نبي الله؛ فما صنعت اليهود والنصارى؟ قال: "وما الناس إلا هم". وفي الصحيح عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع؛ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!". وقال ابن عباس: "ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم".

 

ومن أمثلة اتباع السنن:

1- اتخاذ المساجد على القبور. 2- تعظيم قبور الصالحين والذبح عندها والنذر عندها. 3- عبادة قبور الصالحين والذبح لها والنذر لها ودعائها بظهر الغيب.4 - جعل يوم مولد النبي والصالحين أعياد تقام لها الاحتفالات.5 - اتخاذ الصور والتماثيل للذكرى أو للزينة أو للمباهاة في البيوت والمعابد والبيوت. 6- التبرج واتباع الموضات التي احدثوها لإخراج المرأة عن حجابها وسترها. 7- الجرأة على التكشف والعُرى على الشواطئ وفي المنتديات.8 - الغناء الماجن والسينما والمسرح والتلفاز على هيئته. 9- الاختلاط والسفور وسفر المرأة بلا محرم والانطلاق بدعوى التحرر والحرية. 10- حلق اللحى وتشبه الرجال بالنساء, وتشبه النساء بالرجال, وجعل ذلك مدنية وتقدم. 11- سب الحق والاستهزاء به وإزدرائه وتشويهه, ووصفه بأنه إرهاب ورجعية وتحجر وتطرف وتزمت. 12- تنحية الدين من الحياة كلها وجعله في المسجد لمن شاء, على مقولة: "ما للقيصر للقيصر, وما لله لله". 13- الحرص على علمنة الدنيا, وتقليل شأن الدين في نفوس الناس. 14- تعظيم أمر الدرهم والدينار إتباعا للنظرية الرأسمالية. 15- تشويه رجل الدين ووصفه بما يدعو إلى الإزراء والتقليل والسخرية على طريقة الثورة الفرنسية. 16- إيجاد النظم الربوية في التعامل وتعظيمها وجعل البديل مستحيل. 17- المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة ونبذ التفريق الشرعي لأنه رجعية وتخلف. 18- نشر الرذيلة والبغاء وفعل قوم لوط بدعوى الحرية الشخص؛ حتى ظهر عبدة الشيطان في زماننا هذا والأمثلة كثيرة جدا يصعب حصرها, فيما ذكرت كفاية وتنبيه.

 

أيها الناس: كيف يتقى العبد الوقوع في تقليد الكفار واتباع سَننهم؟

الجواب: على ذلك يسير لكن العمل به هو الأهم يقول -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام:153], وأخرج الترمذي في جامعه من حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً, ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ, وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ, فَقَالَ: رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ؛ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ, وَإِنْ تأمر عليكم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بعدى يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ, فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

 

المرفقات

اعتزاز المسلم بدينه وعدم التشبه بالكفار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات