مدح الله سبحانه

عبدالله بن عمر السحيباني

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/التعرف على الله وتعظيمه 2/بعض أوصاف الله وأفعاله الجليلة 3/تقصير العباد في مدح الله والثناء عليه

اقتباس

يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات؛ فهو أحق من ذُكر، وأحق من شُكر، وأحق من عُبد وحُمد، وأوفر من ابُتُغي، وأرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

الحمد لله الذي لا يحيط بحمده حامد، ولا توفي قدره بليغ المحامد، سبحانه فلا يعبده حق عبادته عابد ولو قضى عمره قانتاً لله وهو راكعٌ أو ساجد.

الحمد لله عظيم الشأن، واسع السلطان، مدبر الأكوان، في ملكه تسبح الأفلاك، وحول عرشه تسبح الأملاك: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ)[الإسراء:44].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أصدق كلمة فاهت بها الشفاه، وخير جملةٍ نطقت بها الأفواه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله العارف بالله حقاً، والمتوكل عليه صدقاً، المتذلل له تعبداً ورقاً، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أيها المسلمون: تعظيم الله في القلوب، وإجلاله في النفوس، والتعرف على آلائه وأفضاله، وقدره حق قدره هو -والله- زاد العابدين، وقوة المؤمنين، وسلوى الصابرين، وهو سياج المتقين.

 

من الذي عرف الله فاستهان بأمره أو تهاون بنهيه، ومن ذا الذي عظمه فقدم عليه هواه؛ فالله -سبحانه- يحب أن يُعبد ويُحب أن يُحمد؛ لأنه أهلٌ لذلك ومستحقه.

 

وما يستحقه سبحانه لا تتصوره عقول البشر ولا تدركه؛ لذلك قال أعرف الخلق بربه -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، وفي الصحيحين: "ولا أحد أحب إليه المدح من الله؛ ولذلك مدح نفسه".

 

أيها المسلمون: ربكم الذي تعبدون وله تصلون وتسجدون ربٌّ عظيم، له من صفات الكمال والجلال ما يفوق الوصف والخيال: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111].

 

لا إله إلا الله العظيم، سبحت له الأفلاك، وخضعت له الأملاك سبحانه وبحمده، كيف لا يستولي حبه على القلوب وكل خيرٍ منه نازل، وهو أكرم الأكرمين، قد أعطى عبده فوق ما يؤمل قبل أن يسأله؛ فكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟ يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات؛ فهو أحق من ذُكر، وأحق من شُكر، وأحق من عُبد وحُمد، وأوفر من ابُتُغي، وأرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من الُتجأ إليه، وأكفأ من تُوكل عليه.

 

أرحم بعبده من الوالدة بولدها، فسبحان الله وبحمده، هو الملك لا شريك له، والفرد لا ند له: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88].

 

يطاع فيشكر، ويعصى فيعفو ويغفر؛ فهو أقرب شهيد، وأجل حفيظ، وأوفى بالعهد، وأعدل قائمٍ بالقسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال؛ فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب لديه مكشوف، وكل أحدٍ إليه ملهوف.

 

عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت العقول عن إدراك كنهه، أشرقت لنور وجهه الظلمات، واستنارت له الأرض والسموات، وصلحت عليه جميع المخلوقات.

 

أزّمة الأمور بيده، ومَرادُّها إليه، مستوٍ على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافيةٌ في أقطار مملكته.

 

تصعد إليه شؤون العباد وحاجاتهم وأعمالهم فيأمر سبحانه بما شاء، فينفذ أمره، ويغلب قهره: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن: 29].

 

تم نوره, وعظم حلمه, وكُمل سؤدده, وجل ثناؤه، في السماء ملكه، وفي الأرض سلطانه, يعلم مثاقيل الجبال, ومكاييل البحار, وعدد قطر الأنهار, وعدد حبات الرمال, عليمٌ بكل شيء, محيطٌ بكل أمر, ينظر إلى النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل.

 

سبحانه الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحانه ذي الفضل والنعم، سبحانه ذي المجد والكرم، سبحانه ذي الجلال والإكرام.

 

وهو الخَفِيُّ الظَّاهِرُ المَلِكُ الذي *** هو لم يَزَل مَلِكًا على العرشِ استوى

وهو المِقدرُ المدبرُ خَلقَه *** وهو الذي في المُلْكِ ليس له سِوى

وهو الذي يَقْضِي بِما هو أهْلُهُ *** فِينا ولا يقْضَى عَليهِ إذا قَضَى

 

سبحان من أتته السماءُ والأرض طائعة، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة، ووكفت العيون عند ذكره دامعة، ترنم الرعد بتسبيحه، لمع البرق بتمجيده، شدا الطير بذكره، ومدحه فضيلةٌ للمادح تستحق العرفان، والثناء عليه منة يختص بها من يشاء.

 

عبادته شرف، والذل له عزة، والافتقار إليه غنى، محاربته خذلان، والكفر به لعنة، والتنكر لجميله عذاب.

 

الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

 

خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى.

 

السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها.

 

ذاك هو الله الذي أنعمه منهمره، ذو حكمة بالغة، وقدرة مقتدرة.

انظر إلى الليل من أوجد فيه قمره، وزانه بأنجم كالدرر المنتثرة؟

انظر إلى المرء وقل من شق فيه بصره؟ من ذا الذي جهزه بقوة مفتكره؟

 

الموج سبحه والطير كبره *** والوحش مجده والبحر ناجاه

والنمل تحت الصخور الصم قدسه *** والنحل يهتف شكرانًا لنعماه

والناس يعصونه جهرًا فيسترهم *** والعبد ينسى وربي ليس ينساه

 

فسبحانه من عظيم، عز جاره، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره.

 

فاللهم املأ قلوبنا بمحبتك، ونفوسنا بعظمتك، وأرواحنا بهيبتك، إنك أنت الأعز الأعظم، والجواد الأكرم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فإننا -أيها المسلمون- مهما بالغنا في مدح الله -تعالى- لن نؤدي شُكره، وإن مدحنا له وتعظيمه هو من فضله وإحسانه فهو المُولي والمنعم، من مدحه فإنما زكى نفسه وأكرم مكانته، ومن أثنى عليه فإنما اعترف بالجميل وأقر بالإحسان، والله لو كان البحر محابر والسموات السبع والأرضون دفاتر فلن تفي في تدوين فضله وأفضاله، ولن تبلغ في بيان عظمته، وبديع فعاله، ولكان العباد فيما يَسْتَحقُ الرب -سبحانه- مقَصِّرِين، وفيما يجب له منقطعين، وبالعجز عن القيام بشُكرهِ معترفين.

 

لا يقدرُ إنسان ولا مخلوق أن يحصي الثناء على الله بعظمته.

 

لكن المعظم لله -سبحانه- يقوده ذلك إلى احتقار النفس، ومعرفة قدرها، ومن تمكَّن وَقارُ الله وعظمَته وجلاله من قلبه لم يجترِئ على معاصيه.

 

فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم  كيف يجحده الجاحد

 

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

 

أيها المسلمون: الواقف بغير باب الله عظيمٌ هوانه، والمؤمل غير فضل الله خائبةٌ آماله، والعامل لغير الله ضائعةٌ أعماله.

 

هو الله الذي يُخشى وهو الله الذي يُرجى، وأهل الأرض كل الأرض -لا والله- ما ضروا ولا نفعوا ولا خفضوا ولا رفعوا: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)[محمد: 19].

 

ثم اعلموا: أنَّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه.

 

 

المرفقات

مدح الله سبحانه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات