قانون المجاهرة

عاصم محمد الخضيري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ ذم المجاهرة بالمعاصي 2/ دلالات المجاهرة بالذنوب على أحوال المجاهرين 3/ مرض القلوب والجرأة على حدود الله تعالى 4/ الحث على تعظيم الله تعالى وتوقير أمره وشرعه 5/ سبل مواجهة المجاهرين بالمعاصي 6/ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اقتباس

من صغّر مقام الله في قلبه كتب الله عليه الصغار في الدنيا والآخرة، ومن عظّم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقَّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.. أين الوقار وأين تعظيم جناب الله في قلبك، في دعوات مدسوسة لتطبيع المنكرات بالدعوة لها، أرأيتم عاقلاً أو مسلمًا يريد أن تكون بلدته مسرحًا لتوهين شعائر الله بالدعوات الجفلة إلى مقارفة الذنوب؟.. المجاهرة ذنب يجلب غضب الله، ويعجّل مقت الله، ويعاجل مكر الله، ويجدّد سخط الله، وهي أوسع الطرق لكسر تعظيم الله في حرماته...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله بارئ النسم، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، الكريم الأكرم، منعمٍ باسط شكور صبور، ويداه تفيض بالأعطيات، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إنه بكل شيء عليم.

 

لو أن هذا البحر كان مدادنا *** نفد المداد وحمـده لا ينـفد

لو أن نبت البيد صار يراعة *** فنيت ورب النبت بـاقٍ يُحمد

                     سبحانه ربٌ عظيم أوحد

 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له..

تعالى الله عن شبه وند *** وعن مثل له وعن الشريك

لا شريك في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].

 

وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبدُ الله ورسوله، بلّغ رسالة الله، وجاهد في الله حتى توفاه الله، له أيادٍ علينا سابغةٌ، نعد منها ولا نعددها.

 

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله بلّغ رسالة الله وجاهد في الله حتى توفاه الله..

لَهُ أيَادٍ عَليّ سَابِغَةٌ *** أُعَدُّ مِنْهَا وَلا أُعَدّدُهَا

كل له قد منحنا الدين مكتملاً *** إلا رسول الهدى لم نوفّه الدّيْنا

شفيعنا دون كل الناس إذ سألوا *** أين الشفيع لنا ولات من أينَ

 

 صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه المصطفين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

ذنب يجلب غضب الله، ويعجّل مقت الله، ويعاجل مكر الله، ويجدّد سخط الله، ذنب ليس من فئة الذنوب اللازمة؛ فالذنب له رب يغفره

والعبد ما دام ذا ذنب يعاقره *** فتاب منه فإن الغافر اللهُ

 

أما هذا الذنب فهو ذنب مطلي بالفسق المركب، وهو إعلان مرخص للدعوة إلى الفسق الجماعي عبر إعلان مقارفة الآثام، ذنب تشقى به المجتمعات وبريد لتسريع النكبات ووصفة لتوطئة اللعنات وجريمة في حكم السماوات وأسود مرباد يضوع نتانة وفيه المآلات التي تورث المقت.

 

ذنب أيّ شأن هو حتى يكون حديث الساحة وآخذ هذه المساحة، عرفنا الذنوب والمعاصي أما كهذا الذنب فسافع بالنواصي في يوم لات حين مناص.

 

من تعريفاته هو ذنب إعلان المحاربة عليه في يوم لات حين مناص.

من تعريفاته هو ذنب إعلان المحاربة على حرمات الله بإعلان انتهاكها.

لو قيل: أيّ الذنوب أغرى شرار الذنوب؟ لقلت ذاك، فالذنب مسرع بالكروب.

 

معاقرة لمعصية بشكلها القبيح سافرة معاقرة في زيها الدنيء ليست ناظرة بل ناخرة للأجر حتى يبتلى صاحبها بالخاسرة، معاقرة أم أنها مقاذرة في معصية تدعى بشرعنا مجاهرة.

 

عقوبة شنيعة على المجاهرين في حساب الآخرة..

المجاهرون.. إذا أردت أن تعصي الله -تعالى- فلا تستتر بستر الله، بل أعلن عصيانك في طالعة النهار تدخل في سلك المجاهرين.

 

المجاهرون.. إذا عصيت الله وقد فاتك أن تعلن ذاك على الملأ فلا عليك فإنه إذا كان اليوم القابل فاكشف ما بات يستره عليك ربك.

 

المجاهرة.. داء يشي من فاعل الذنب بنشوة المفاخرة، وإنها للكاسرة؛ كاسرة للظهر في مراجعات الآخرة.

 

إنه قانون المجاهرة؛ قانون لا يقول افعل الذنب بل يدعوك لأن تكاشف به في فضاء الله لا في إحدى الزوايا المغلقة في جنبات الغرف الصغيرة.

 

قانون المجاهرة.. قانون يسخر من مجرد اقترافك للمعاصي لأنه يمنحك دعوة مفتوحة لأن يكون حقًّا طبيعيًّا لك تمارسه في أيّ وقت تشاء، وفي أي مكان شئت.

 

قانون المجاهرة.. لا يقول للناس عاقروا السيئات في بيوتكم، وعاقروا الخطايا في منازلكم، بل يقول لهم: هلموا إلى صلاة عامة مفتوحة، واجتمعوا جميعًا ثم اقترفوا ما أنتم مقترفون.

 

يدعوك قانون المجاهرة إلى أن تفقد إحساسك بالذنب حتى يتآكل في صدرك، ثم يكون معروفًا لديك، ومن ينكره فإنه يستحق الإنكار عليه.

 

المجاهرة.. خُلق وخيم ذميم أثيم تواتر في الشرع ذمّه ومقته هو من أسوأ الأخلاق بإطباق حَمَلة الميثاق.

 

أظنكم سمعتم حديثًا رواه قطب الحديث عن شيخ الرواية في القرن الأول أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو يحدِّث عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ! عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".

 

المجاهرة.. هو ذنب مركب من ذنب الفعل، ومن ذنب تهوينه في صدره، ثم ذنب إعلانه على الناس.

 

المورد الأول: لماذا المجاهرة؟ لأنه يجب على الأمة أن تعلم أبناءها توقير حرمات الله وتعظيم شعائر الله، ولا تكن الذنوب والمعاصي هي أهون تجاربها، أين مقام وقار الله في القلوب؟! أين قشعريرة الخوف من العقوبة عند ارتكاب الذنوب؟! كيف صار الذنب مجرد حفلة تجريبية لا نشعر بعدها بالندم ولا بالرغبة في التوبة؟!

 

والله إنها للذنوب التي نخشى على أنفسنا؛ لأن الله كتب الخطيئات على أولاد آدم فمقلون أو مستكثرون، ولكننا نخشى على أنفسنا أن تصدأ معاني الذنوب في قلوبنا فبدلاً من الرغبة بالتوبة منها إذ بنا نشرع في الاستعلان بها والتفاخر في فعلها والتجييش إلى ساحتها.

 

من صغّر مقام الله في قلبه كتب الله عليه الصغار في الدنيا والآخرة، ومن عظّم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقَّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه.

 

المجاهرة.. بدلا من أن تدعوك إلى امتثال التوبة عند فعل الذنب؛ إذ بها تدعوك إلى أن تخبر الناس به.

 

المجاهرة.. بدلا من أن تدعوك إلى أن تتلو قول الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) [الزمر: 53]، إذ بها تدعوك لأن تقول سأعلن الإسراف وما من الذنب ألوذ أو أخاف، بل طاغيًا مجاهرًا مقترفًا، وأيما اقتراف.

 

هذه المعصية بدلاً من أن تدعوك لئن تسمع قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 135]، إذ بها تدعوك لأن تقول لمن حولك: لقد فعلت البارحة كذا وكذا.

 

أين الوقار وأين تعظيم جناب الله في قلبك، في دعوات مدسوسة لتطبيع المنكرات بالدعوة لها، أرأيتم عاقلاً أو مسلمًا يريد أن تكون بلدته مسرحًا لتوهين شعائر الله بالدعوات الجفلة إلى مقارفة الذنوب؟!

 

أرأيتم لو خرج رجل على رأس شاهق ينادي في الناس: أيها الناس! هلموا إلى معصية الله هذه الليلة، هلموا إلى إغضاب الله، هلموا إلى مقت الله أكنتم مصدقي؟ إذا ما فرق هذه الدعوات إلى الدعوات لحفلة يعلم فيها الشباب كيف يتمايلون على كلمات الحب وعن دعوات تعلم فيها الفتيات معارج السلم الموسيقي وعن دعوات كبرى لمسارح الاختلاط، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين!!

 

روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-، قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال يا محمدُ، إنا نَجِدُ: أنَّ اللهَ يَجعَلُ السماواتِ على إصبَعٍ والأرَضينَ على إصبَعٍ، والشجرَ على إصبَعٍ، والماءَ والثَّرى على إصبَعٍ، وسائرَ الخلائقِ على إصبَعٍ، فيقولُ: أنا المَلِكُ، فضحِك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حتى بدَتْ نَواجِذُه تَصديقًا لقولِ الحَبرِ، ثم قرَأ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- :  (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67]، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) [الحج: 30].

 

المجاهرة هي أوسع الطرق لكسر تعظيم الله في حرماته...

 

أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: من أجل مقامات العبودية هو مقام الوقار لله ولحرمات الله، يقول الله -عز وجل-: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

 

سئل ابن أبي زيد -رحمه الله- عمن يعمل المعاصي هل يكون إمامًا بالناس؟ فأجاب: "أما المُصِرّ المجاهر فلا يمكن أن يكون إمامًا، ولا يُجعل إمامًا، ولا يمكَّن من ذلك، ويُطالَب بتغييره، ويُرفَع أمره إلى وليّ أمره؛ لأنه منصب قيادي يؤم فيه المسلمين كيف يؤمهم ويتقدمهم ثم يكون مجاهرًا بالمعصية".

 

هذا الذنب الذي نزع خوف الله من قبله، فإذا الذي يعصي ويستتر دالاً على بقية خوف الله في ،قلبه هذا الذنب يعني توهين نواهي الله في نفسك، هذا الذنب هو شهادة واضحة لاهتراء نواهي الله في روحك يعني فسادا في تركيبة ضميرك.

 

يعرفنا الله -عز وجل- بعظمته وكماله وجلاله لنعظمه ونوقره ونعبده فينزل علينا أعظم آية في كتاب الله وأجل آية تنزلت من السماء، جاءت كلها توكيدًا لعظمة هذا المقام وتقريرًا لروعة هذا الإعظام: (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 255- 256].

 

عظِّموا الله في قلوبكم، فلولا اخترام هذا المعنى ما تجرأ مجترئ ولا تولع فاسق بالدعوة إلى المنكر علنًا، عظّموا الله في قلوبكم، فلولا ضمور جلال الله في الأعين ما رأيت رجلاً يجاهر ويفاخر في معصية أمام الناس في وضح النهار (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13].

 

الله يثرِّب على المنافقين بقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ) [النساء:108]، فكيف بها وقد صارت في قانون المجاهرة يستجهرون بها أمام الناس وأمام الله، وللبشر المثل الأدنى يأمره والده بأمر ثم يعصيه ثم لا يكتفي بعصيانه بل يخرج إلى الناس ويعلن لهم أنه قد عصى والده.

 

إني قد عصيت والدي أليست سوءًا في التربية وحمقًا في الطريقة يستحق عليها المجازاة في الأولى والآخرة، فكيف بنواهي الله؟! وكيف بحرمات الله؟! وكيف بمحارم الله؟! وكيف بشرائع الله؟!

 

الله أهون ما اعتقدت عقيدة *** حتى تجاهر بالذنوب وتفرح

أما لقلبك وهو يعقل أمره قد *** كان أولى أن يذوب ويطرح

 

الداء العضال في السر والإجهار هو تفتيت وقار الله في عين الناظر حتى يصير الله هو أهون الناظرين إليك.

 

الرجل الذي لا يصلي جماعة مع المسلمين بدلاً من أن يتوب إلى الله؛ إذ به يجاهر بذلك ويعربد في التنظير الفقهي لصلاة الجماعة، كيف مثله أن يعافى من المنكر، وقد قال رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".

 

المرأة التي تخرج بعباءة فاتنة مفتنة تراها كل امرأة في السوق فتقتدي بها ويراها كل رجل فيفتتن بها، ألا تظن أن الحساب شامل لكل افتتان واقتداء، وكيف لمثلها أن تعافى من المنكر وهي تجهر وتفخر؟!

 

يقول عليه الصلاة والسلام: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله -تعالى- عنها، فمن أَلَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله؛ فإنه من يُبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله -عز وجل-" (رواه الحاكم وصححه).

 

المورد الثاني: على الأمة ألا تدع مجالاً للخبث أن يطفوا على بحرها ولا للسفاهة أن تنخر في أنفها لا بد من التطهير الشامل لكل مظاهر الفساد والمجاهرة بالمعصية؛ لأن المجاهرة بالمعصية هي استعلان وإيذان بالتحدي لأوامر الله واستخفاف بجلال الله.

 

نحن قوم نخشى على أنفسنا وليست خشيتنا على الفاعل فحسب، يحتسب محتسبٌ فيقال له: بصفتك ماذا؟ فيقول له المحتسب بصفتي رجل يخشى عقوبة الله أن تحل على أهل هذه البلدة؛ لأن السكوت معناه ضرب لآخر مسامير السلم الاجتماعي في البلاد، تريدون النكبات والنكسات إذاً اسكتوا على المجاهرين بالمعاصي، تريدون أن تحل اللعنة وتحل الغضب والمقت إذا رأيتم منكرًا في العلن فلا تنكروا عليه وعليكم أنفسكم، تريدون الخراب والتباب واليباب إذاً اصمتوا ثم اصمتوا، فقد هدَّ عرش بلقيس هدهدٌ... وخرب فأرٌ قبل ذا سد مأربِ.

 

في مسند أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله الخاصة والعامة".

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ينبغي لأهل الخير  أن يهجروا المظهر للمنكر ميتًا إذا كان فيه كفًّا لأمثاله، فيتركون تشييع جنازته، فمن جاهر بشيء فمات مصرًّا أو مات مجاهرًا يترك أهل الفضل والخير الصلاة عليه، ويصلي عليه عامة الناس ما دام مسلمًا لم يخرج من دائرة الإسلام".

 

المورد الأخير: ما جاهر أحد بمعصية إلا من فساد أو جهل، فأما الفساد فدائه الاحتساب، فأما الجهل فترياقه الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله بالقول وبالفعل هي فريضة هذا العصر الذي تبدّل فيه القوانين الشرعية إلى قوانين وضعية ما حلت بدعة إلا مكان سنة ولا معصية إلا مكان طاعة فكاثروا بالسنن والطاعات تنحصر الشرور والسيئات.

 

و"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، الإنكار ليس حكرًا على الأخيار أو أولي العلم والأيدي والأبصار، فكل من علم منكرًا أو رأى منكرًا فناصَح أو أنكَر أو أبرق أو اتصل فهو إلى خير حتى وإن كان مبتلى بمثله..

ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد!!

 

اللهم إنا نستعيذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة..

 

 

المرفقات

المجاهرة1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات