إنني أنا الله

توفيق الصائغ

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ معرفة الكائنات لله بالفطرة 2/ أعرف المعارف لفظ الجلالة (الله) والتعريف ببعض أسمائه وصفاته وأفعاله 3/ ظاهرة الإلحاد تتسع والدعوة للتحصن بالعقيدة واجب شرعي

اقتباس

من الذي نظر بعين الاختيار إلى آدم فحظي بسجود ملائكته، وإلى نوح فنجاه من الغرق بسفينته، وإلى إبراهيم فكساه بحلة خلته، وإلى لوط فنجاه وأهله من عشيرته، وإلى شعيب فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى داود فألان له الحديد في حدته، وإلى عيسى فكم أقام ميتا من حفرته، وإلى محمد فخصه في المعراج بالقرب من ..

 

 

 

الحمد لله المحمود بالأسماء والصفات الممدوح بكل اللغات على مجموع الحالات، أحمده سبحانه وأشكره وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد لله حق الجهاد، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: في حلكة الظلمة والدلجة آنس موسى من جانب الطور نارا، نارا إن شئت قل نورا، ذهب موسى بخطى حثيثة استودع أهله ذلك الواد يتلمس النار والنور فلم يصحو إلا على ذلك النداء الذي لامس شغاف القلب (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) [طه:14]

 

الله، ما الله؟ الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، لم يحتج موسى -عليه الصلاة والسلام- وقتا طويلا حتى يتفهم معنى ما الله.

 

"الله" يا أعذب الألفاظ في لغتي *** ويا أجلّ حروف في معانيها

"الله" يا أمتع الأسماء كم سعدتْ *** نفسي وفاض سروري حين أرويها

 

نعم لم يحتج وقتا طويلا حتى يسترعي ما الله، ما الخالق؛ لأن الفطرة تلهج بذكر الله والقلب يؤله الله والروح تتجه إلى الله.

 

أيها الأخوة: حتى النملة حتى البهيمة التي لا تعي شيئا ولا تفهم حين يحلولك عندها الأمر لا تلبث إلا أن تستلق على ظهرها وأن ترفع قوائمها إلى السماء تناجي الله -تعالى- الله يا رب.

 

أول شيء قاله خلدي أني *** ذكرته في سري وإعلاني

فَوَ الذي قد هَدَى قلبي لِطَاعَتِهِ *** لأذهِبَنَّ بِوَحي منك أحزانِي

 

إنه الله -تعالى- الذي عرف نفسه لموسى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) [طه:12] ثم عاد عليه بالتعريف فقال: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه:14] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) [الحج:18]

 

إنه الله الذي لا يحتاج إلى فقه ما معنى الله إلى فلسفات، الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير؛ فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير ؟ بلى والله تدل عليه.

 

مليْكٌ على عرْشِ السَّمَاءِ مهيْمنٌ *** لعزَّته تعْنُو الوجوهُ وتسْجُدُ

 

الحديث عن الله حديث عذب لذيذ حديث الروح للأرواح يسري فتحمله القلوب بلا عناء.

 

إن حديث القرآن عن الله وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -جل وعلا- عن ابن عباس -رضي الله عنهم- قال: "ما السموات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".

 

يا لسعة الله -سبحانه وتعالى-، هذه الأرض بفجاجها هذه المعالم والمجرات في يد الرحمن -سبحانه وتعالى- كخردلة في كف أحدكم ما أتى من صفاته فهو حق وكمال برغم نفي النفات إنه الواحد الذي لا يضاهي في معاني أسمائه والصفات.

 

الله -سبحانه وتعالى- عرف بنفسه -جل وعلا- عرفنا بأنه نور السماوات والأرض وقيوم السماوات والأرض الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والأرض يقبض ويبسط يخفض ويرفع يعز ويزل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه

 

عن جبير بن مطعم قال: سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ قوله -تعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور:35-36] قال جبير بن مطعم -وهو مشرك يوم ذاك-: "كاد قلبي أن يطير" الله خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير

 

يا ربي حمداً ليس غيرك يحمد *** يا من له كل الخلائق تصمدُ

أبواب كل مملك قد أوصدت *** ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ

 

(مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [لقمان:28] ، خلق فسوى وقدر فهدى وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى إنه الله -سبحانه وتعالى- بيده ملكوت كل شيء يجير ولا يجار عليه مهما كتبنا في علاك قصائد بالدمع خطت أو دم الأجفان فلا أنت أعظم مديحه كله وأجل مما دار في الحسبان، مع ذلك ما قدروا الله حق قدره، وما عرفنا الله حق معرفته يتودد إلينا بالنعم ونتبغض إليه بالمعاصي خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد.

 

الله.. الله ماذا كنا؟ كنا لا شيء عدم من العدم (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان:1]ثم أوجدنا الله -سبحانه وتعالى- فأهملنا؟ حاشاه سبحانه بل تعمدنا بالنعم وربانا وغذانا حتى أصبحنا على ما نحن عليه؛ ومع ذلك ما قدروا الله حق قدره.

 

في صحيح الإمام مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأخذ الله -عز وجل- سماواته وأراضيه بيديه فيقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول أنا الملك" يقول ابن عمر حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من تحت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قال ابن عمر أساقط رسول الله وحتى قال الصحابة يكاد يخر رسول الله.

 

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر*** وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

 

جاء المشركون إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وطلبوا منه أن ينسب الله -عز وجل- ابن من هو؟ هكذا تقف عقولهم الضيقة أنه ما من أحد إلا وله أب وابن، قال الله -تعالى مجيبا رسوله صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4].

 

المتفرد بالبقاء كل شيء هالك إلا وجهه (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن:26-27]

 

إنه الله -تعالى- الحي المحيي الذي لا يموت بل ولا ينام ولا ينبغي له أن ينام، في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

 

سبحانه ما أجله (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) [البقرة: 255]

 

قابض باسط معز مذل لم يزل مرغما أنوف الطغاة، خافض رافع بصير سميع لدبيب النمل فوق الحصاة، ظاهر باطن حسيب رقيب ليس يخفى عليه مثل القذاة، علي غني؛ كيف نحصى آلاءه الوافرات.. سبحانه من وسع سمعه الأصوات.

 

جاءت الصحابية إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجرة من حجرات أمهات المؤمنين كأنها حجرة عائشة، ما حجرات النبي -عليه الصلاة والسلام- ما هي في الضيق والسعة لم تكن إلا شيئا يسيرا تسر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثا تشتكي إليه زوجها فأنزل الله -تعالى- من فوق سمع طبقات (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) [المجادلة:1] تقول عائشة "سبحانه من وسع سمعه الأصوات" والله إني لفي طرف الغرفة ولا أسمع شيء من حديثها.

 

لكن الله مع هذه الطباق، ما هذه الحواجز والحجز يسمع كلامها؛ لأنه يسمع السر وأخفى يعلم كل شيء لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، تأمل إلى سمع الله كيف وسع الأصوات وأحصاها عدا، تأمل كيف يسمع الله -سبحانه وتعالى- دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء.

 

لا تخفى عليه اللغات ولا تتباين عليه الأصوات لا يحجبه صوت عن صوت لا تشغله حاجة عن حاجة.

 

تأمل إنها القدرة العلية وليست تلك كل قدرته ولا جل قدرته -سبحانه وتعالى-، فهو البصير وهو العليم وهو الخبير وهو القادر وهو الخالق -سبحانه وتعالى-.

 

ترى الأرض هامدة فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج يخرج الله مرعاها فتصبح خضراء بساطا من الخضرة ما تلبث أن تصبح هشيما متكسرا فيجعلها غثاء أحوى.

 

تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات *** بأحداقٍ هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهداتٍ *** بأنّ الله ليس له شريك

 

حكمة بالغة

 

من الذي نظر بعين الاختيار إلى آدم فحظي بسجود ملائكته، وإلى نوح فنجاه من الغرق بسفينته، وإلى إبراهيم فكساه بحلة خلته، وإلى لوط فنجاه وأهله من عشيرته، وإلى شعيب فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى داود فألان له الحديد في حدته، وإلى عيسى فكم أقام ميتا من حفرته، وإلى محمد فخصه في المعراج بالقرب من حضرته والوصول إلى سدرته.

 

حكمة بالغة

 

إليه وإلا لا تشد الركائب *** ومنه وإلا فالمؤمل خائب

وفيه وإلا فالغرام مضيّع *** وعنه وإلا فالمحدث كاذب

 

كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا، يفرج هما، يرفع ويضع ويقبض ويبسط يحيي ميت ويميت حيا يجيب داعيا، يشفي مريضا، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يجبر كسيرا ويغني فقيرا، يعلم جاهلا ويهدي ضالا، ويفك عانيا ويشبع جائعا ويكسوا عاريا.

 

خلق السماء بلا عمد وبسط الأرض بالودد رفعها بلا عمد، أنبت الأرض والثرى فلق الحب والنوى وكان الثمر حطبا ثم صار بقدرته عنبا ورطبا (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:102-103] (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى) [طه:7-8] يعلم السر وأخفى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض، يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن، وما لم يكن كيف يكون.

 

يا مَنْ يَرى مَدّ البعوض جناحها *** في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ

ويرى مناط عروقها في نحرها *** والمخّ من تلك العظام النحّلِ

ويرى خريرَ الدمِ في أوداجها *** متنقلاً من مفصل في مفصلِ

 

كل الصفات والأسماء مردها إلى هذا العلم الذي لم يحتمل موسى -عليه السلام- أن يتأمل كثيرا، ولا أن يفكر كبيرا حتى وعاه قوله -سبحانه-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) فذهب إلى مجلس فرعون (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:49-50]

 

أرأيتم كيف أن معرفة الله -عز وجل- لا تستغرق شيئا من الوقت؛ لأن الله غرسها في أنفسنا، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) [يونس:5] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص:71-72]. (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59] (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)[غافر:62].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم استغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه فيا طوبى للمستغفرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إنعامه والشكر له على توفيقه وامتنانه، والشكر له على تفضله وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيما لشانه ، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.

 

أما بعد: إن كان الله يحدثنا عن الله والرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا عن الله؛ فالكون كله -أيضا- ناطق يشير بأصبع التوحيد إلى الله -سبحانه وتعالى-.

 

السماوات السبع والأرضين البحار الأنهار الأفلاك الجن الملائكة الشجر الحجر؛ كل ذلك يدل على الله -سبحانه وتعالى-.

 

الحمد لله رب العالمين، العالمون هم من دون الله وسموا عالم؛ لأنهم علم على المولى -سبحانه وتعالى-.

 

نحن لا نحتاج إلى البراهين ولا إلى الأدلة عليه -سبحانه وتعالى-.

 

وليس يصحّ في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل

 

توضيح الواضحات من أشكل المشكلات، ولكن لكم أن تعجبوا -وهذا الزمن الذي نعيش فيه هو زمن العجائب- أن من أبنائنا وفلذات أكبادنا من غدا اليوم يشكك في الديانة لله، والعبودية له -سبحانه وتعالى-، ربما للوهلة الأولى تقول -أيها المستمع الكريم- إن خطيبنا يتحدث عن عصر مضى وعن أمة ذهبت، لا -أيها الأخوة- ثمة طرح في الشبكة العنكبوتية مخيف جدا يكاد يهدم صرح التوحيد الذي بناه المصلحون والأئمة والأنبياء والرسل، ثمة من ينازع -أيها الأخوة- من بعض القارئين في الشبكة العنكبوتية من ينازع في وجود الله -سبحانه وتعالى- أو في الديانة له بالتوحيد بالأسماء والصفات.

 

الطرح الذي كنا نقرأه في كتب الاعتقاد قريبا فيما يسمى بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود، الفلاسفة الذين كانوا يحدثوننا أن الله هو كل شيء وأن ما تراه هو الله، وأن الله هو الخالق والمخلوق كلام كنا نقرأه في كتب الاعتقاد ظانين أنها أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم.

 

لقد ظهر لنا حلاجون جدد يقولون ما في الجبة إلا الله، ما في الجبة إلا أنا، ظهر لنا متفلسفة جدد يقولون لنا الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف، إن قلت عبد فذاك رب وإن قلت رب فأنى يكلف.

 

نعم -أيها الأخوة- هذا الطرح موجود في الشبكة العنكبوتية وثمة طرح آخر يجادل فيه أبناؤنا في قضية وجود الجنة والنار التي كنا -ولا نزال- نعتقد أنها من المسلمات.

 

وقفة تقدير وتحية لدولة باكستان الإسلامية حين حجبت موقع الفيس بوك موقع اجتماعي فيه خير كثير وفيه سم كبير فيه إثم كبير ومنافع للناس وأقول قد يكون إثمه أكبر من نفعه.

 

في مثل هذه الصفحات يلتقي من يسمون أنفسهم بالمفكرين والكتاب فيتحدثون في ثوابتنا يتحدثون عن وجود الله وعن عصمة النبي -عليه وآله الصلاة والسلام- أليس ذلك خطرا وإسفينا على معتقد الناشئة والأبناء؟ بلى والله.

 

لذلك كنا -ولا نزال- نحذر الناس جميعا لسنا مع سياسة الحجب والمنع، ولسنا مع سياسة اقرأ لفلان ولا تقرأ لفلان، لا، ولكن من أراد أن يقرأ أو يطلع فليكن على قدر من التطعيم العقدي والمعرفة بالله -سبحانه وتعالى- التي لا يؤثر فيها بعد ذلك إرجاف المرجفين ولا انتحال المبطلين.

 

اللهم إنا نسألك أن تحفظ علينا ديننا..

 

 

المرفقات

أنا الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات