أم المهلكات

إبراهيم بوبشيت

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تكريم الله للإنسان 2/ صيانة الإسلام للعقل وحفظه له 3/ مأساة المسكرات والمخدرات 4/ بعض آثار المسكرات والمخدرات 5/ وسائل الوقاية من المسكرات والمخدرات وطرق الحد منها

اقتباس

ترى متعاطيها؛ قاطعاً للرحم، عاقاً لوالديه، قاطعا لأرحامه، تاركاً لأهله وذريته، لا يعرف لهم حالاً؛ لأنه مغيب عنهم، يوقع بينكم العداوة بينكم وبين الناس، بينكم وبين جيرانكم، بينكم وبين أصدقائكم وزملائكم. كم من إنسان اليوم يتعرض لكثير من..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي خلق وبرى، وخلق الإنسان من نطفة إذا تمنى، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعل بينهما نسباً وصهراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله في السر والإعلان، وفي العشي والإبكار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

خلـ الذنـوب صغيـرهـا *** وكبيــرهـا فهــو التقى

واصنـع كمــاش فوق *** أرض الشوك يحـذر ما يرى

ولا تحقرن صغيرة *** إن الجبال مـن الحصـى

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

واعلموا: أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

 

أيها المسلمون: أم الهلكات، تأملت في حياة الإنسان، فرأيت حياته أطواراً؛ هذا الإنسان خلقه الله فكرمه، من أي شيء خلقه؟ فما الذي جعله يترك طريق ربه؟ وما الذي جعله يهجر سبيله ويبتعد عنه؟

 

أيها المسلمون: أم الهلكات؛ أسرار خفيات، وأحوال مأساويات، وظواهر تجعل الإنسان في حالة من الهذيان والألم.

 

أم الهلكات، عقل خلقه من أي صورة ركبه؟

 

إنه ربه ومولاه وخالقه، قال الله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) [الإسراء:70].

 

قال جمع  من المفسرين: "ولقد خلقنا الإنسان فكرمه الله بالعقل".

 

العقل -عباد الله- من أعظم نعم الله، إنها الكرامة التي يقع بها التمييز والاحترام والتقدير، العقل، قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ) [المائدة: 91]، قال: "فإن الإنسان إذا فقد عقله وقع منه كل شيء".

 

أيها المسلمون: إن الإسلام دين شريعة ووقاية، وحماية من كل رذيلة، فالله -جل وعلا- لما خلق الإنسان، قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4] في ظاهره وباطنه، فلقد كرم الله البواطن، كرمها بعقل لا يرى، لكنه يدرك أثره، كرمه بجوهر إيمان داخل نفسه ترى أثره، في أخبر البخاري في الصحيح: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله".

 

نعم، إذا فسد القلب بعدم الإيمان قادتنا الجوارح إلى الهلكات، فالعين تخون، والأذن تخون، والرجل تمشي إلى ما لا يحب، واليد تبطش فيما لا يحب، والعقل لا يفكر فيما لا يحب.

 

نعم خذ من الدنيا عبرة، حتى قبل أن تسبقك العبرة، وفكر في مآلك قبل أن تفكر في حياتك، واعلم أن العاقبة، نعم العاقبة للصالحين والمطيعين والمهتدين: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9 - 10].

 

أيها المسلمون: كم يؤلمك ويجرح قلبك ويدمي نفسك، وتدمع عينك، مما تراه من واقع الخمور والمخدرات؟ والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول في الصحيح: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام".

 

قال أهل العلم: "كل مسكر خمر، وإن تغير اسمه، وتغير لونه، وتغير طعمه، وتغيرت كيفيته، وتغير أسلوبه، وتغير تعاطيه، وتغير محله، وتنوعت بلده، إلى غير ذلك من الأمور".

 

فكل مسكر خمر، وأعظم المخامرة: أن يخامر الإنسان عقله، فينقطع عن الآخرة، وينقطع عن الدنيا، قال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90].

 

تأمل النتائج! أرعها سمعك! أعطها قلبك! طالعها بعين البصيرة! وقسها على الواقع الأليم!.

 

تأمل النتائج وأنت تدرك قول عثمان عندما قال عن الخمر: "أم الخبائث".

 

وتأمل قول علي وغيره عندما رددوا وقالوا: "إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى".

 

تأمل أن هذه النعم كيف تتحول إلى نقم، وكيف تنقلب الحياة إلى جحيم، كم من أبناء يلتمسون حضن أمهم مما يرون من سكر والدهم؟ كم من امرأة ظلمت وأهينت وخرجت في الشوارع من جراء زوج سكير؟ كم من أب وأم التمسوا زوايا منازلهم، وأغلقوا على أنفسهم الأبواب من جراء ولد يتعاطى المخدرات والمسكرات.

 

كم من أحوال تراها، إذا تأملت القرآن قد أخبرك وأعطاك الشيطان، يخبرنا الله بأداة القصر: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ) [المائدة: 91] شيطان الجن، بل شيطان الإنس، أعظم منه، مما تراه اليوم من واقع الاستراحات والخلوات والسفرات، مما تراه من رجل كان من أهل المساجد، فأصبح لا يعرف طريقها.

 

من رجل كان في عمله معزاً بيته، مكرماً أهله، رافعاً قدر أولاده، فإذا به أهانهم، وإلى طريق الشر قادهم، ولأبواب الهلاك عمر حياتهم، إنما يريد الشيطان أن يفعل بنا الأفاعيل!.

 

لا تصحب الكسلان في حاجاته *** كم صالح بفساد آخر يفسدُ

عدوى البليد إلى الجليد سريعة *** والجمر يوضع في الرماد فيخمدُ

 

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:91].

 

إنها القواعد والآثار التي تفعلها المخدرات والمسكرات اليوم، فترى متعاطيها؛ قاطعاً للرحم، عاقاً لوالديه، قاطعا لأرحامه، تاركاً لأهله وذريته، لا يعرف لهم حالاً؛ لأنه مغيب عنهم، يوقع بينكم العداوة بينكم وبين الناس، بينكم وبين جيرانكم، بينكم وبين أصدقائكم وزملائكم.

 

كم من إنسان اليوم يتعرض لكثير من صور المضايقات من أصحاب المسكرات؟ من إذا سكر أذى الناس بالاتصالات وبالرسائل، وأذى الناس بطرق الأبواب، أذى الناس فأيقظ النائمين، وروع الآمنين، وسلب حياة السعادة من حياتهم.

 

كم من معلم ومن معلمة يرون طفلاً صغيراً يكفكف دموعه في فصله، فإذا جلس معه إذا به يراه تعرض ليلة البارحة لصور من الإيذاء؟ كم من شاب مجروح يقول: لا أرى والدي يفيق، بل بعضهم يتقاعد فيزيد شراً على شره، يزيد ذلاً على ذله، وهواناً على هوانه.

 

هل أنتم معتبرون ومدركون؟ لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، فكيف -أيها المسلمون- من يعيشون آلامها، ويذيقون مراراتها، يذيقون مرارة العداوة، فكم من أم حرمت من أهلها! وانذلت أمام قرابتها! إذا ذكرت سيرة زوجها؟ وكم من أب يبكي الليالي من ولد أذاه أمام الناس؟

 

أيها المسلمون: إن أعظم بلية أن تنتشر هذه المهلكات في واقعنا، فتفقر الغني، وتذل العزيز، وتهلك  العقل المدبر المفكر.

 

أما فكر ذلكم الإنسان أن هذه التي تفعلها هي أم الخبائث، نعم، أيا كان اسمها ولونها، فلتعرف الأثر، ولتأخذ العبرة والعبر، لعل الله أن يهدي السالكين، ويفوز المؤمنين.

 

اللهم اهد كل شارب للخمر ومتعاطيها. اللهم شاف كل صاحب مسكر، يا ذا الجلال والإكرام.

 

عباد الله: استغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، ثم الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لا تنتشر الرذيلة في قوم، فيقول الله -جل وعلا- في حقهم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78 - 79].

 

إن أعظم ما نواجه به هذا الأمر؛ ثقافة الوعي -عباد الله- ثقافة الوعي لشبابنا قبل أن تهدهم مثل هذه، إننا في مجتمع قد يكون فيه من البساطة والقرابة لكنه يحتاج إلى شيء من الوعي والثقافة، إلى الآباء الغافلين والأمهات الغافلات الذين يغيب عنهم أبناءهم ليلتين وثلاث ليال، أين يذهبون؟

 

إلى الذين جعلوا أبناءهم أمام حافز وهو بلا حافز، إلى الذين تركوا أبناءهم بتصاريح السفر المطلقة دون قيد أو شرط.

 

إلى الذين اليوم أصبحوا لا يعلم عن أولاده مع من يذهبون، ومع من يجالسون، ومع من يخالطون، ومع من يسهرون، ولو كانوا أبناء عمومته أو قرابته.

 

إلى أولئك النفر: إن الوقاية خيراً لهم من العلاج، والبصيرة قبل التذكرة.

 

تبكي وتقول: زوجت بنتي بعد عناية وسؤال عن ذلكم الرجل تفقدناه، بل تركناه حتى ستة أشهر، فكل من سألناه أثنى عليه خيراً، تزوج وسافر مع امرأته في شهر العسل، وبليلة أو ليلتين، وإذا بالبنت تتصل على والدها، أفقد زوجي آخر الليل، لم أنم تلك الليلة، نزلت إلى المطعم السفلي، فإذا بي أرى زوجي سكران! أرى زوجي في حالة لم أراها في حياتي!.

 

اتصلت على والدها، وقالت: احجز الطائرة بأسرع وقت، تخبرني أم البنت، فتقول: حجز والدها لتلك الدولة الأوروبية سريعاً ذهب فأخذ البنت من أمام ذلك الرجل دون أن يشعر، لقد اكتشفنا أن الرجل مدمن للخمر بطريقة عجيبة! وحالة غربية!.

 

أم تلك، فتقول: تقاربت على الأربعين، فوافقت على الزواج من هذا الرجل، إذ أن وظيفته طيبة، فسكنني في أرقى مكان، لكنني في أول أسبوع الزواج، وأنا أفتش وأراقب وأنظف غرفتي أتفاجئ بحبوب غريبة لم أراها في حياتي! فلما سألته قال: حبوب الصداع! فأوهمني بذاك، فإذا بي أراه يستعملها مرة ومرتين! أما في الثالثة فاكتشفت أن الواقع غريب؟ الآن أنا في بيت أهلي لم يمض على زواجي سوى أسبوعا واحدا، ما الذي جر لي هذه البلية؟ ما الذي جر لي هذا البلاء؟

 

إنها المخدرات التي أفسدت البيوتات! كم يتمت من أطفال؟ ورملت من نساء؟ وأهلكت من أسر؟.

 

معاشر من آمن: هذه وصية مشفق، قال عليه الصلاة والسلام: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".

 

إن زراعة رقابة الله، ومد يد العون للدولة المباركة التي تحارب الخمور والبارات، إن هذه الدولة مشكورة لم تضع في أماكن فنادها الخمور، أما تحمدون الله؟ أما تثنون على الله؟ أما تشكرون الله على هذه النعمة؟

 

إن من الإعانة: النصح والترشيد، والإبلاغ لكل من يتورط في هذه الأعمال، أو يتاجر فيها، سواء كان قريباً أو بعيداً، إنها من النصح، فإن ترك صاحب الغي في غيه؛ أهلك يوماً من الأيام ولدي وولدك، وذريتي وذريتك، والعاقبة للمتقين.

 

إن من طرق العلاج -معاشر من آمن- أن ندرك أثر هذه الأمور على مستويات أبناءنا الدراسية، وعلى مستوياتهم الوظيفية، ممن غابوا عن الساحة، فأصبح بعضنا لا يراقب أولاه ولا إخوانه، ولا يراقب من هم تحت يده، والله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6] فمن وقاهم رباهم، ومن وقاهم علمهم، ومن وقاهم وجههم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا) [طـه: 132].

 

أيها المسلم الأغر: اعلم أن العقل نعمة، فصنه بعلم ودراسة ووقاية، والله الله صيانة المجتمع نحن شركاء فيها: (لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [النــور: 21].

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الإسلام والمسلمين، وأذل من أذل الإسلام والمسلمين.

 

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وبالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين.

 

 

المرفقات

المهلكات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات