عناصر الخطبة
1/معاناة العالم اليوم من الظلم والجَور والعُدوان 2/ أهمية تطبيق العدل مع المُوافق والمُخالف 3/ فضائل انتشار العدل والإنصاف في المجتمع 4/ أمور تنقص العدل وتخدش الإنصاف 5/ موانع الإنصاف وكيفية التغلب عليها 6/ دور المملكة في دعم قضايا الأمةاقتباس
عالَمُنا اليوم تتجاوزُ فيه صورٌ من الظلم والجَور والعُدوان حدودَ الزمان والمكان، وتظهرُ فيه ألوانٌ من البغي وانتِقاص الحقوق الإنسانية المشروعة بدوافع عُنصرية، وموروثاتٍ طائفية، وخلَلٍ عقديٍّ وفكريٍّ. مما يُؤكِّدُ الحاجةَ الماسَّةَ إلى إصلاح النفوس والعقول، وتهذيبها بصالح الأخلاق ومكارِم الصفات.. وإن من أعظم تلكم الأخلاق وأشملها لجميع نواحي الحياة: قيمةً إنسانيَّةً إسلاميَّةً كُبرى، ومبدأً رفيعًا بديعًا، غدَا مقصِدًا من أجلِّ مقاصِد الشريعة وكليَّاتها، ألا وهو: "الإنصافُ والعدل".
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله عدد خلقه، ورِضا نفسه، وزِنةَ عرشه، ومِداد كلماته، حمدًا يليقُ بجلاله وعظمته وكبريائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه في السرِّ والعلانية، وإن استطعتُم إن تلقَوا ربَّكم وأنتم خفيفةٌ ظهورُكم من دماء الناس، خميصةً بطونُكم من أموالهم، كافَّةٌ ألسنتُكم عن أعراضهم، مُلازِمون لأمر جماعتهم .. فافعَلوا، فوالله الذي لا إله غيره؛ إن ذلك لهو الفوزُ العظيم، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
أيها المسلمون:
عالَمُنا اليوم تتجاوزُ فيه صورٌ من الظلم والجَور والعُدوان حدودَ الزمان والمكان، وتظهرُ فيه ألوانٌ من البغي وانتِقاص الحقوق الإنسانية المشروعة بدوافع عُنصرية، وموروثاتٍ طائفية، وخلَلٍ عقديٍّ وفكريٍّ. مما يُؤكِّدُ الحاجةَ الماسَّةَ إلى إصلاح النفوس والعقول، وتهذيبها بصالح الأخلاق ومكارِم الصفات التي جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لإكمالها ورعايتها، والتي تُقوِّمُ السلوك، وتُصلِحُ فسادَ القلوب.
وإن من أعظم تلكم الأخلاق وأشملها لجميع نواحي الحياة: قيمةً إنسانيَّةً إسلاميَّةً كُبرى، ومبدأً رفيعًا بديعًا، غدَا مقصِدًا من أجلِّ مقاصِد الشريعة وكليَّاتها، ألا وهو: "الإنصافُ والعدل".
الإنصافُ والعدلُ الذي ما بعثَ الله الرسل وأنزل الكتب إلا من أجل تحقيقه في الأرض، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].
وأمر الله تعالى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمَّته بالإنصاف والقسط، في الأقوال والأفعال والحُكم بين الناس، كما قال الله: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15]، وقال: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام: 152]، وقال: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58].
وامتثلَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرَ ربِّه وتوجيهه، وطبَّق العدل والإنصاف في كل أحواله وأيامه. وسُنَّتُه الشريفة وسيرتُه العطِرة خيرُ مِثالٍ وشاهِد، وتربيتُه - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه على الإنصاف والعدل مع المُوافق والمُخالف لا تُحصى شواهِدُه، ولا تُعدُّ نماذجُه.
أمة الإسلام:
مرَّ عُمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - بشيخٍ كبيرٍ من أهل الذمَّة وهو يتكفَّفُ الناسَ ويسألُهم، فوقف عليه وقال مقولته الشهيرة: "ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجِزية في شَبيبَتك، ثم ضيَّعناك في شَيبَتك"، ثم أمر له برِزقٍ دائِمٍ.
عدلٌ وإنصاف لا يقفُ عند حدودٍ وأعراف، يشملُ القريبَ والبعيدَ، والمُسلمَ والكافرَ.
هذا العدلُ والإنصافُ هو الذي جعل شيخَ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لما سعَى في فَكاك أسرى المُسلمين عند التَّتَر، وعلِم أنهم لن يُطلِقوا معهم أسرَى أهل الذمَّة، أصرَّ - رحمه الله - على إطلاق الأسرَى كلِّهم وقال - في سُمُوِّ نفسٍ وإنصافٍ لا نظيرَ له، قال -: "بل جميعُ من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهلُ ذمَّتنا، فإنا نفُكُّهم ولا ندَعُ أسيرًا لا من أهل الملَّة ولا من أهل الذمَّة".
أيها المسلمون:
إن الإنصافَ حِليةُ الشريعة وزينةُ الملَّة، وركيزةُ الإصلاح، وهو خُلُق الأنبياء والنُّبلاء، وواسِطةُ عِقد السعادة وصلاح الأحوال، وما تحلَّى به أحدٌ إلا دلَّ ذلك على سلامة صدره، وطهارة قلبه، وجودة عقله.
وإذا ضيَّعَت الأمةُ الإنصاف، فلا تسَل عن فُشُوِّ الأنانية والأثَرة والإجحاف، وبخس الناس أشياءَهم، فتفتُرُ هِمَمُهم عن تحقيق الأمانة والجودة في الأعمال والمُنجَزات، ويذوقُ المُجتهدُ والناجِحُ والمُخلِصُ مرارةَ الجُحود والنُّكران، وإخفاء المحاسِن وإبراز المساوئ. مما يُضعِفُ في المُجتمع روحَ الجدَة والابتِكار، والعمل المُثمِر البنَّاء.
إن الإنصافَ ثمرةُ العدل ورونَقُه وبهاؤُه، ولا يُمكن أن يستفيدَ العبدُ من علمِه بالحق حتى يُقيمَ العدل والإنصاف، كما قال الله: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف: 181]، وقال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135]، وقال: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]، وقال: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) [هود: 85].
ولقد أنصفَ القرآنُ أهلَ الكتاب حينما قال: (لَيْسُوا سَوَاءً) [آل عمران: 113]، وقال: (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110].
ولذلك كان الواجبُ على العبد أن يزِن الأمورَ بميزان العدل والإنصاف، حتى يحيا حياةً كريمةً هانِئة؛ فإن لربِّه عليه حقًّا، ولوالدَيه عليه حقًّا، ولأهله عليه حقًّا، ولوُلاة أمره عليه حقًّا، ولإخوانه عليه حقًّا، والإنصافُ أن يُعطِي كل ذي حقٍّ حقَّه. و"إن المُقسِطين على منابِر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكِلتا يدَيه يمين. الذين يعدِلون في حُكمهم وأهلِيهم وما وُلُّوا".
أمة الإسلام:
إننا في زمنٍ أحوَجُ ما نكون فيه إلى فهم حقيقة الإنصاف والتأدُّب بآدابه. فليس من الإنصاف في شيءٍ أن يُعامَل به قومٌ لمحبَّةٍ أو قرابة، ويُغضَّ الطرفُ عنه في مُعاملة قومٍ آخرين، وليس من الإنصاف أن تسُوءَ العلاقات الأُسرية والاجتماعية بمُجرَّد زلَّةٍ أو هفوَة؛ بل الواجبُ أن تُلتمسَ الأعذارُ، ويُغلَّبَ جانبُ المحاسِن الكثيرة، ويُقبَلَ العفوُ من أخلاق الناس، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
وما أعظمَ قول نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في تأسيس هذه القاعدة التي هي من أهم قواعد الإنصاف؛ حيث قال - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يَفرَك مؤمنٌ مُؤمنة» يعني: لا يُبغِضُ ولا يكرَهُ زوجٌ مؤمنٌ زوجتَه المؤمنة، «إن سخِط منها خُلُقًا رضِيَ منها آخر» (رواه مسلم وغيره.
وقال سعيدُ بن المُسيَّب - رحمه الله -: "ليس من شريفٍ ولا عالِمٍ ولا ذي سُلطان إلا وفيه عيبٌ، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبُه؛ فمن كان فضلُه أكثرَ من نقصه وُهِبَ نقصُه لفضلِه".
إن هذه النظرة المُتوازِنة الحكيمة يجبُ تطبيقُها في التعامُل مع الحُكَّام والوُلاة والعلماء وذوي الهيئات والشرف وسائر الناس، ومع المُخالفين كذلك، فيُعامَلون جميعًا بهذا الميزان النبوي الذي يحفظُ لهم حقوقَهم ومحاسنَهم، مع الإصلاح والتقويم والنصيحة لهم.
وإن من أبهَى صور الإنصاف ألا تفسُد علاقتُك بالمُسلمين بسبب اختلاف وجهات النظر، فهو لا يُفسِدُ الوُدَّ والمحبَّةَ عند التجرُّد والإنصاف، ولا تأخذهم بلازمِ قولهم، فهو ليس بلازمٍ لهم، وتُحسِنُ الظنَّ بهم، وتضعُ أمرَهم على أحسَنه ما لم يأتِك ما يغلِبُ ذلك، وإياك أن تظنَّ سُوءًا بكلمةٍ خرجَت من أخيك المُسلم وأنت تجِدُ لها في الخير محمَلاً ومخرَجًا.
أمة الإسلام:
إن مما يخدِشُ الإنصافَ ويخرِمُه: أن يتورَّط المرءُ في نشر أخطاء وزلاَّت مُسلمٍ ظاهر العدالة والسلامة، ويكتُمُ حسناته ومحاسِنَه، ولعلَّه قد حطَّ رحلَه في الجنة، والقادِحُ لا يشعُر.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حاطب بن أبي بلتعَة - رضي الله عنه -: «لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعلموا ما شِئتُم فقد غفرتُ لكم».
وإن المُنصِف إذا انتقَدَ فإنه ينقُدُ الأقوال لا القائلين، فيكونُ نقدُه للرأي والفعل هادفًا بنَّاءً، بنيَّةٍ طيبةٍ وأدبٍ حسنٍ، لا بقصد الإسقاط والتجريح والتوبيخ، والدخول في النيَّات والمقاصِد.
فالقرآنُ حينما نقَدَ إنما نقَدَ الأقوال والأفعال، فقال: (وَمِنْهُمْ)، (وَمِنْهُمْ)، (وَمِنْهُمْ)، ولم يُسمِّ أصحابَها.
وتمثَّل ذلك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فكان يقول: «ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا».
وإن من أجلِّ عُرى الإنصاف: التثبُّت والتأنِّيَ في تصديق الأخبار وبناء الأحكام عليها، وما ثبتَ لمُسلمٍ من العدالة والفضائل فلا تُنفى عنه ولا تُزال إلا بيقينٍ مثله أو أقوَى منه، لا بالظنُون والشُّكوك، وزعموا، وقالوا، فبئسَ مطيَّة الرجل: زعموا، و(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12].
أيها الناس:
أخذُ الناس بظواهِرهم وتركُ سرائرهم إلى ربِّهم - سبحانه وتعالى -، وقبول الحقِّ من الحبيب والبغيض، والاعتراف بالخطأ، وكلامُ الأقران بعضهم في بعض يُطوَى ولا يُروَى ولا يُشاع، هو عينُ الإنصاف والتسامِي.
ومُراعاةُ اختلاف علماء مذاهب المُسلمين المتبُوعة واجتهاداتهم السائغة، والإعذارُ لهم، وعدم التشنيع والذمِّ، والسعيُ في جمع الكلمة على وُلاة الأمور، ونبذُ الفُرقة والاختلاف المذمُوم. كلُّ ذلك من أهم الأُسس التي يُبنى عليها الإنصافُ والعدل، والتي تُشيع الأمن والاستقرار في المُجتمعات، وتبعثُ الطُّمأنينة وتُهيِّئُ النفوسَ والعقولَ للإنتاج والعمل المُثمِر البنَّاء.
إن الإنصافَ فِطرةٌ ربَّانيَّةٌ سويَّة، وقيمةٌ خُلُقيَّةٌ نبويَّة، من أخذ بها وتحلَّى سعِد وفازَ وعلا وترقَّى، والله يُحبُّ المُقسِطين.
ومن خالفَ ذلك، واتبعَ منهجَ المُطفِّفين الذين يأخذون الذي لهم وافرًا كاملاً، ويُخسِرون ويُنقِصون في حقوق غيرهم وفي الذي عليهم. فما أبعدَه من منهج، وما أجدرَهم بقول ربِّنا - سبحانه -: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين: 1].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهِه وعظيم سُلطانه، والصلاةُ والسلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابِه والتابعين.
وبعد، أيها المسلمون:
الإنصافُ عزيز، وكلُّ الناس مُحتاجٌ إليه، وهو شاقٌّ على نفوس كثيرٍ من الناس، الذين تلبَّسُوا بآفاتٍ قلبيَّةٍ وسُلوكيَّةٍ منَعَتهم من التجرُّد لله والتحلِّي بحِلية الإنصاف العظيمة. ذلك أن كثيرًا من الناس يحمِلُهم هوى النفوس، والغضب، والغيرة، والحسد، والكِبر على عدم الإنصاف والتمادي في الإجحاف، وغمط الحق، وازدراء الناس وبخسِهم محاسِنَهم وكتمِها، وتمنِّي زوال النعمة عن إخوانهم حسدًا من عند أنفسهم.
وإن عينَ الرِّضا عن كل عيبٍ كليلةٌ *** ولكنَّ عينَ السُّخط تُبدِي المساوِيا
ومن أكثر ما يمنعُ العبدَ من أن يكون مُنصِفًا عادلاً التعصُّب المقيتُ لغير الحق، والتحزُّب لغير الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والاستِبدادُ بالرأي.
هذا وإن الغلُوَّ والتطرُّف لا يمنعُ المرءَ من الإنصاف فحسب؛ بل يحمِلُه على سفك دماء المُسلمين وتكفيرهم وتفسيقهم بغير حقٍّ، واستِحلال دمائِهم وأموالهم وأعراضهم.
ولذلك كانت الخوارِجُ كلابَ النار، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنهم من أشدّ الفِرَق ظُلمًا وعُدوانًا وبُعدًا عن العدل والإنصاف، وتراهم لفساد رأيهم وعقلهم ينهَشُون ويتعاوَون ويتهارَشُون على المُسلمين والمُصلِّين، وقد سلِم منهم أهلُ الأوثان، كما هو الحالُ في بعض بُلدان المُسلمين الذين ابتُلوا بأهل الغلُوِّ والعُنف والتشدُّد.
أمة الإسلام:
إن كثيرًا من قضايا المُسلمين المُعاصِرة ومُشكلاتهم لا يُنظرُ إليها بعدلٍ وإنصاف، مما يزيدُ الجراحَ اتساعًا، والآلام إيلامًا، فتطولُ المحنةُ، وتتعاظَمُ المؤونةُ على بعض بلاد المُسلمين.
ولكن - بفضل الله ونعمته - تتضافَرُ جهودُ المملكة وإخواننا المُسلمين في الدول الإسلامية لردِّ العُدوان ورفع الظُّلم الواقع على إخواننا في فلسطين وسوريا واليمن، ودحر أفكار التطرُّف والإرهاب بعاصفةٍ حزمٍ تارةً، وبتحالُفٍ إسلاميٍّ تارةً أخرى، وسعيٍ حثيثٍ لكشف المُعتدين والحاقِدين، وردِّ كيدهم، وإبطال مكرهم.
كما بيَّن ذلك بوضوحٍ ولاء خادمُ الحرمين الشريفين - أيَّده الله - في خطابه الضافي، الذي أكَّد فيه حِرصَ المملكة على الدفاع عن قضايا العرب والمُسلمين في المحافِل الدولية.
الواجبُ على المُسلمين جميعًا هو نُصرةُ المظلومين، وغوثُ المُستغيثين، ونجدةُ الملهُوفين، والوقوفُ مع كل صادقٍ وناصحٍ قام لله في سبيل تحقيق ذلك.
والحذرَ الحذرَ من تخذيل المُخذِّلين، وإرجاف المُرجِفين الذين يفُتُّون في عضُدِ المُخلِصين، ويفتِلون ضدَّهم في الذروة والغارِم، لكي يُشتِّتوا جهودَهم، ويُبعثِروا نجاحاتهم.
وإن على أصحاب الأقلام والكتَبَة في وسائل الإعلام المُختلفة، وشبكات التواصُل الاجتماعي واجبًا شرعيًّا بالقيام بالعدل والإنصاف، فيكونون صفًّا واحدًا مع حُكَّامهم وعلمائِهم وبلادهم ضدَّ أهل البغي والعُدوان والظُّلم، فترتقي الجهودُ وتتكامَل، وتشتدُّ اللُّحمةُ وتتعاوَن في الوقوف مع حُكَّامنا وعلمائِنا والمُخلِصين في مثل هذه الأحداث والفتن والمُدلهِمَّات، وأن يمتثِل الجميعُ قولَ ربِّنا - سبحانه وتعالى -: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].
ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشرية وهادِيها وسِراجها المُنير، فإن الله - عز وجل - قد أمرَنا بالصلاة والسلام عليه؛ حيث قال في مُحكَم تنزيله: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في "مسند الإمام أحمد" أنه قال: «أتاني آتٍ من ربِّي فبشَّرني أن من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ورفعَ له بها عشرَ درجات، وحطَّ عنه بها عشرَ خطيئات، وكتبَ له بها عشرَ حسنات».
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على نبيِّنا وحبيبِنا وسيِّدنا وقُدوتنا محمدٍ، وعلى آله وأزواجه وذريَّاته الطيبين الطاهرين، وسائر صحابتِه الكرام الأبرار الأطهار، وخُصَّ منهم: أبا بكر الصدِّيق، وعُمر الفاروق، وعُثمان ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسَنَين، وسائر التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر من نصر الدين، واخذُل من خذلَ الدين.
اللهم أصلِح أحوال المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالهم في فلسطين، وفي سُوريا، وفي العراق، وفي اليمن، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين المُرابِطين على الحدود، اللهم انصُر إخواننا المُجاهدين المُرابِطين على الحدود، اللهم انصُرهم نصرًا مُؤزَّرًا، اللهم كُن معهم ولا تكُن عليهم، وانصُرهم ولا تنصُر عليهم، اللهم انصُرهم على من ظلمَهم، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم انصُرهم على من عاداهم، ولا تُشمِت بهم عدوًّا ولا حاسِدًا بقوتك يا قوي يا عزيز.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه وأعِنه وسدِّده وأيِّده بروحٍ منك يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه خيرُ البلاد والعباد، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، واجعَلهم مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المُسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المُسلمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، وارفَعنا ولا تضَعنا برحمتِك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم