فتن التواصل الاجتماعي ونعمها

الشيخ سعد بن عبد الله السبر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تغير الأحوال في زماننا 2/السبيل إلى حلاوة الإيمان 3/أقوال السلف عن حلاوة الإيمان 4/أثر المعاصي وأكل الحرام على الإيمان 5/أهمية العمل الصالح 6/الأسحار فرصة المحبين 7/ السلف ولذة المناجاة بالأسحار.

اقتباس

إن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت منبعاً للفتن والمِحنِ, علينا أن نتنبه ونحذر ونُحاذر فالدين وأحكامه يُؤخذان من العلماء الربانيين, من علماء الأمة وبقية السلف, وليس من سفهاء النت وشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت مرتعاً للفتن؛ حتى أصبح الحليمُ حيرانَ، وظهر الجاهل عالما, والسفيه عاقلا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حذرّنا من الزلل والفتن, وأرشدنا إلى طريق العبادة والنعم, أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه, وتتابع الفضل والمنّ, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له, الواحد الأحد الفرد الصمد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النعمة المزجاة والمنة المهداة, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فبتقوى الله نجا أَوْلِيَاء الله من سخطه, فبها يحِق لَهُم ولَايَته, وَبهَا رافقوا أنبياءه, وَبهَا نضرت وُجُوههم ونظروا إِلَى خالقهم, وَهِي عصمَة فِي الدُّنْيَا من الْفِتَن وَمن كرب يَوْم الْقِيَامَة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها الناس: نعيش في عصر سهل الله لنا فيه الصعاب وقرّب البعيد, وعدد النعم علينا وتابعها بغير عدّ ولا حساب؛ ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12], نعمٌ متتابعةٌ, ونِقمٌ مدفوعاتٌ مرفوعاتٌ عنا من رب البريات, فالنعم ورودها وتعددها يُوجب شكرها وشكرها يُقرها ويدفع النِقم.

 

عصرنا عصر التواصل والتقنية وتسهيل القريب وتذليل البعيد, عصرٌ أصبح العالم قريةً واحدةً؛ لو عطس مَنْ في المغرب لشمته مَنْ في المشرق والشمال والجنوب, فاللهم أوزعنا شكر نعمك واجعلنا قابليه شاكريها غير كافريها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].

 

أيها الموحدون: تعدد النِعم وتكاثُرُها وسِرعةُ نموِها ظاهرٌ لا خفاء فيه ولا اختفاء, من هذه النِعم نعمةُ التواصل الاجتماعي في تويتر وفيس بوك والوات ساب واليوتيوب وأجهزةُ ذكيةٌ حديثةٌ, كل هذه النِعم خير من الله وفضل تحتاج شكر عظيم لذي النعم والفضل والمننّ, فنشكر لتقر نعم الله علينا وتتنوع, والمُلاحظ على وجود التواصل الاجتماعي وما فيه من الخير والتواصل إلا أن هناك من جعل هذه الشبكات مكانا للشبهات, والدعوة للفتن والمظاهرات.

 

كلُ يومٍ تهييجٌ وتحريضٌ, كلَ يومٍ دعوةٌ لمعاقبة مسؤول لتقصيره, ومحاكمةٌ أميرٍ لنسبه ومنصبه، وسبُ عالمٍ لعلمه، وطعنٌ في نسبٍ وقدحٌ في حسب, وفضحٌ وفضائح, وتشهيرٌ وقلةٌ للنصائح, وسخريةٌ بالدين وأهله, وطعنٌ في السلف وجيله, وتحذيرٌ من عقيدة السلف ومنهجه, ودعوةٌ للمظاهرات والصيحات, والتحريضٌ على الحكام والولاة, حتى غدا الشباب في حيرة وفي زهد من بلده وعلمائه وحكامه. قال الله -عز وجل-: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]. قال أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- وهو ينقل عقيدة السلف: "وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين, وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة".

 

أيها المتقون: إن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت منبعاً للفتن والمِحنِ, علينا أن نتنبه ونحذر ونُحاذر فالدين وأحكامه يُؤخذان من العلماء الربانيين, من علماء الأمة وبقية السلف, وليس من سفهاء النت وشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت مرتعاً للفتن؛ حتى أصبح الحليمُ حيرانَ، وظهر الجاهل عالما, والسفيه عاقلا, وزَهدَ بعضُ الناس في عقيدته ومنهج سلفه, وظل دينه فتات على كل ساقط يقتات.

 

وخرج المفسدون مصلحين والفجار أتقياء والعصاة أنقياء, ودُعي إلى الرذيلة وحُوربت الفضيلة, ونشرت المخدرات والمسكرات وتُعون على ترك الصلوات, وجُوهر بالمعاصي ربُ البرياتِ, وخُببتْ المرأةُ على زوجها, وأُبعد الرجالُ عن زوجاتهم, وفسدت المجالسُ والبيوت فلا تُجالس أحداً في بيتك أو بيته أو مجلس أصدقائك إلا وقلبه وبصره سابحاٌ سارحٌ في بحور التواصل الاجتماعي يمزحُ تارةً ويضحكُ تارةً, ويحتارُ مُجالسه تارةً, فلا تدري أنت مجالسٌ مجنونا أم أن بك الجنون، تشتت الأسر وتمزقت, وطلق الزوجُ زوجته, ونُقلت الشائعاتُ, وسُوغت بالكذب القراراتُ, وكُذب على النبي والسنة.

 

أيها المؤمنون: إننا مأمورون أن نفرَ من الفتن ونحاربَها ونُنابذَ أهلها؛ لأن الفتن شرٌ مَنْ استشرفها تشرفته وأهلكته، ومَنْ تابعها ضل وأضل. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج", قيل يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: "هكذا بيده فحرفها، كأنه يريد القتل".

 

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا", وقال حذيفة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء, حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه".

 

إخوة العقيدة: علينا أن نتقي الله ونجتنب الفتن ما ظهر منها وما بطن, ونحمي أنفسنا من مضلات الفتن فإنها تُهلك, وتُفرق ولا تجمع, وتجعل المجتمعات بعضها يأكل بعض, وتحل الفرقة وتذهب الريح, علينا -يا عباد الله- أن نقتل الشائعات, أن نقف مع علمائنا وولاتنا وحكومتنا ورجال أمننا في صف واحد متحد غير مفترق متعاونٍ لا متعادٍ, نوجه الأبناء والبنات, ونُحذرّ الأهل والزوجات, ونوجه الجيران والقرابات؛ لنعيش بعيدين عن البدعة، ونموت على التوحيد والسنة.

 

ولنعلم أن النصح والإصلاح له طرقه وأهله, فننصح سرا ولا نُشهر بمسلم ولا عالمٍ ولا حاكمٍ ولا أميرٍ, ونحفظ أعراض المسلمين والمسلمات وننتقي الكلمات الطيبات, ونُحاذر من الخبيثات, وعلينا أن نسير على نهج سلفنا وعقيدتهم, وطريقة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وكتاب ربنا, لانرجو بها قربة إلا لله, ولا نبتغي دنيا ولاعرضا, فسيروا على نهجهم تسعدوا, وسيروا على عقيدتهم تفلحوا .

 

 

 

 

 

المرفقات

التواصل الاجتماعي ونعمها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات