التحذير من التشاؤم

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ وجوب الحذر من الخرافات والضلالات بجميع صورها 2/ حكم التشاؤم والتطير في القرآن والسنة 3/ سوء أحوال المتشائم 4/ كيف نرد التشاؤم ونتخلص منه؟ 5/ هل تعلم ما هو الشؤم الحقيقي؟

اقتباس

الواجب على المسلم أن يعلّق قلبه بالله وحده، وأن يعظم الثقة به، وأن يلتجئ إليه في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يعلم أن كل زمان شغله العبد بطاعة الله فهو زمان مبارك، وأن كل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو زمان مشؤوم عليه وعلى مجتمعه. فالشؤم في الحقيقة في معصية الله؛ فإنها تُسخط الله -جل وعلا-، فإذا سخط على عبده شَقِي العبد في الدنيا والآخرة، كما أنه إذا رضي عن العبد سَعِد في الدارين، والعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره، فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعمّ الناس خصوصًا مَن لم ينكر عليه ذلك...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي لا رادّ لأمره ولا معقّب لحكمه، وكل شيء بقضائه وقدره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيه وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا- فمن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه.

 

إخوة المسلمين: من أصول التوحيد الذي جاءت به نصوص الوحي الحذر من الخرافات بجميع صورها ومن الضلالات بشتى أشكالها، ألا وإن من الخرافات عند البعض قديمًا وحديثًا: التشاؤم واعتقاد التطير بما يكرهونه طبعًا، أو عادة متوارثة مما هو مرئي أو مسموع، كالتشاؤم بشهر صفر، أو بطير معين، أو بسماع كلمة سيئة، أو منظر قبيح.

 

فنجد أحدهم يصده ذلك عن حاجته التي عزم عليها، والأمر الذي أراد تحقيقه، فيمنعه ما تطير منه من المضي تشاؤمًا أو تطيرًا، وفي الحديث المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الطيرة ما أمضاك أو ردك" (أخرجه أحمد).

 

يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "التطير هو الظن السيئ الذي في القلب والطيرة هي الفعل المرتب على ذلك الظن السيئ".

 

إن مثل هذه الاعتقادات من التشاؤم الباطل والتطير المتوهم كله في نظر الإسلام من السخافات الجوفاء التي لا حقيقة لها من الاعتقادات المنافية لعقيدة التوكل على الخالق المدبر؛ الذي يملك الضراء والنفع، لا يقع شيء إلا بإرادته وقدَره وإذنه وفق الأسباب الكونية المقدرة.

 

معاشر المسلمين: وقد حذَّرت النصوص الشرعية من تلك الاعتقادات الخاطئة لاجتثاثها من جذورها وقلعها من أصولها ليسلم التوحيد خالصًا صافيًا.

 

القرآن الكريم -كما يقول ابن القيم رحمه الله- "لم يحك التطير إلا عن أعداء الرسل المخالفين للتوحيد الخالص والعقيدة الصافية".

 

ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر" (رواه الشيخان).

 

والمعنى أن هذه الأمور لا تأثير لها بذواتها البتة، ولا يجوز للمسلم أن يعتقد بها أو فيها ولا أن يلقي لها بالاً.

 

فالواجب على المؤمن ألا يستسلم لهذه الترهات، وألا تحوّل من اتجاهه، وألا توقف من عزيمته، وألا تصده عن حاجته ومصالحه، فالطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الطيرة شرك، الطيرة شرك" صححه جمع من المحدثين.

 

معاشر المسلمين: متى اعتقد المتطير أن هذا المتطير به فاعل بنفسه مؤثر في جلب النفع ودفع الضر من دون الله -جل وعلا- فهذا -والعياذ بالله- شرك أكبر؛ لأنه إشراك بالله في الخلق والإيجاد.

 

إخوة الإسلام: من أحوال المتشائم أن يمضي في حاجته عندما يتشاءم بشيء، ولكن يكون في قلق وهم وخوف مما تشاءم به؛ يخشى أن يكون هذا المتشائَم به سببًا في الأذية، فهذا محرم وهو شرك، ويؤدي إلى نقص التوحيد والاعتماد على الله جل وعلا.

 

ومن وقع في قلبه شيء من الطيرة، فالواجب عليه الحذر من ذلك، والإعراض عن هذا الهاجس، ودفعه، والتوكل على الله -جل وعلا-، والاعتماد عليه، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

 

فالمسلم عليه الالتجاء إلى الله -جل وعلا- وتعلق القلب به سبحانه، وأن يلجأ إلى الدعاء والتضرع إلى الله -جل وعلا-، ذُكرت الطِّيَرة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله".

ومن الأدعية الواردة أيضًا: "اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك".

 

أما من استرسل مع الشيطان ووقع في الطيرة وردته عما أراد، فقد يُعاقَب بالوقوع فيما يكره؛ عقوبةً له بسبب الإعراض عن التوحيد الواجب من صدق التوكل على الله سبحانه والاعتماد عليه وحده.

 

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا من الأوهام المخلة بالواجبات، والظنون المخالفة لعقيدة التوحيد لرب الأرض والسماوات، فالأمر كله بيد الله لا مبدّل لحكمه ولا راد لفضله.

قال الفضيل: "لو علم الله منك إخراج المخلوقين من قلبك لأعطاك كل ما تريد".

 

بارك الله لي ولكم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أحمد ربي وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

 

إخوة الإسلام: إن الواجب على المسلم أن يعلق قلبه بالله وحده، وأن يعظم الثقة به، وأن يلتجئ إليه في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يعلم أن كل زمان شغله العبد بطاعة الله فهو زمان مبارك، وأن كل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو زمان مشؤوم عليه وعلى مجتمعه.

 

فالشؤم في الحقيقة -كما قال ابن رجب رحمه الله-: "هو في معصية الله"، إلى أن قال: "وهو في الجملة فلا شؤم إلا المعاصي والذنوب، فإنها تُسخط الله -جل وعلا-، فإذا سخط على عبده شَقِي العبد في الدنيا والآخرة، كما أنه إذا رضي عن العبد سَعِد في الدارين".

قال أبو حازم: "كل ما شغلك عن الله من أهل أو ولد أو مال فهو عليك مشؤوم".

 

والعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعمَّ الناس، خصوصًا مَن لم ينكر عليه ذلك، وكذلك أماكن المعاصي وعقوباتها يتعين البعد عنها والهرب منها كما دلت عليه نصوص الوحي.

 

ثم إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم. اللهم صلّ وسلم وبارك على حبيبنا وسيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وعن الصحابة أجمعين وعن الآل، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم أبطل مكرهم وكيدهم يا رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

من التشاؤم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات