الأموال الزكوية

محمد بن صالح بن عثيمين

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: رمضان الزكاة
عناصر الخطبة
1/حكم منع الزكاة والحث على تأديتها 2/نصاب الذهب والفضة والعملات النقدية وأوجه ترجيح وجوب زكاة الحلي 3/زكاة عروض التجارة وكيفية زكاة الدين 4/المصارف الشرعية للزكاة وبعض المسائل المتعلقة بذلك

اقتباس

أيها المسلمون: أدوا الزكاة قبل أن تفقدوا المال مرتحلين عنه، أو مرتحلا عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباء مسافرون، والمال وديعة بين أيديكم لا تدرون متى تعدمون، أدوا زكاة أموالكم قبل أن يأتي اليوم الذي يحمي عليه في نار جهنم، فتكوى به الجباه والجنوب والظهور قبل أن يمثل لصاحبه شجاعا أقرع، فيأخذ بشدقيه، ويقول: "أنا مالك، أنا ..."...

 

 

الخطبة الأولى:

 

 

الحمد لله الذي فرض الزكاة تزكية للنفوس، وتنمية للأموال، ورتب على الإنفاق في سبيله خلفا عاجلا وثوابا جزيلا في المآل.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الكبير المتعال.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي حاز أكمل صفات المخلوقين، وأجل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأدوا زكاة أموالكم، فإن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله من جحد وجوبها كفر، ومن منعها بخلا وتهاونا فسق، ومن أداها معتقدا وجوبها راجيا ثوابها، فليبشر بالخير الكثير والخلف العاجل والبركة، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].

 

وقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 256].

 

أيها المسلمون: أدوا الزكاة قبل أن تفقدوا المال مرتحلين عنه، أو مرتحلا عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباء مسافرون، والمال وديعة بين أيديكم لا تدرون متى تعدمون.

 

أدوا زكاة أموالكم قبل أن يأتي اليوم الذي يحمي عليه في نار جهنم، فتكوى به الجباه والجنوب والظهور، قبل أن يمثل لصاحبه شجاعا أقرع، فيأخذ بشدقيه، ويقول: "أنا مالك، أنا كنزك".

 

أيها المسلمون: لقد جاءت النصوص عامة مطلقة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم، وهذا هو نصاب الذهب والفضة، فما كان أقل منه، فلا زكاة فيه، وما كان منه فأكثر، ففيه ربع العشر، ففي عشرين دينارا نصف دينار، وفي مائتي درهم خمسة دراهم.

 

وهذه الأوراق النقدية التي تتعاملون بها بدلا عن الذهب والفضة لها حكم الذهب والفضة.

 

أيها المسلمون: لقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في الحلي حلي المرأة من الذهب والفضة إذا كانت تلبسه، أو تعيره هل تجب فيه الزكاة أو لا؟ وقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء: 59].

 

وإذا رددنا ذلك النزاع إلى الكتاب والسنة وجدنا الصواب مع العلماء الذين قالوا بوجوب الزكاة فيه:

 

أولا: لعموم الأدلة الموجبة للزكاة في الذهب والفضة من غير استثناء.

 

ثانيا: للأدلة الخاصة الصريحة في وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة، ومنها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعها بنت لها وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتؤدين زكاة هذا؟" قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟" فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم- وقالت: "هما لله ورسوله"[النسائي (2479) وأبو داود (1563) وأحمد (2/204)].

 

هذا حديث إسناده قوي، وله شواهد.

 

ثالثا: عدم المعارض الصحيح لهذه الأدلة، وإذا ثبت الدليل، وانتفى المعارض وجب القول بما قام الدليل عليه.

 

أيها المسلمون: إن القول بوجوب الزكاة في حلي النساء من الذهب والفضة ليس ببدع من الأقوال؛ فقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة والتابعين، وذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله-، واختاره من المتأخرين شيخنا السلفي الأثري أبو عبد الله عبد العزيز بن باز، وعلى كل حال، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، إذا جاءت به الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا قول لأحد بعدها.

 

فأدوا زكاة الحلي، إذا بلغ نصابا ربع عشر ما يساوي عند تمام الحول.

 

أيها المسلمون: وإن مما تجب به الزكاة: عروض التجارة، وهي ما أعده الإنسان للبيع والإتجار به من حيوان وعقار وأثاث ومتاع وأوان، وغير ذلك كل شيء عندك للتجارة، فهو عروض تجارة، إذا حال الحول، فقومه كم يساوي، ثم أخرج ربع عشر قيمته.

 

ومن عروض التجارة أيضا: ما يكون عند الفلاحين من الإبل والبقر والغنم التي يربونها للبيع.

 

فأما العقارات التي أعدها الإنسان له، ولا يريد بيعها، وإنما يريد أن يسكنها، أو يؤجرها، فهذه ليس فيها زكاة.

 

ولا زكاة فيما أعده الإنسان لبيته من الأواني والفرش ونحوها، ولا فيما أعده الفلاح لحاجة الفلاحة من المكائن وآلات الحرث ونحوها.

 

وخلاصة ذلك: أن كل شيء تعده لحاجتك أو للاستغلال سوى الذهب والفضة، فلا زكاة فيه، وما أعددته للإتجار، والتكسب ففيه الزكاة.

 

أما الديون التي عند الناس، فلا يجب عليك إخراج زكاتها حتى تقبضها، فإذا قبضتها، فإن كان الدين على مليء وجب أن تخرج عنه زكاة كل السنوات الماضية، وإن كان على فقير لم يجب أن تخرج إلا عن سنة واحدة، فقط، وإن أخرجت زكاة الدين قبل قبضه، فلا بأس.

 

إخواني: لا تنفع الزكاة، ولا تبرأ بها الذمة حتى يخرجها على الوجه المشروع بأن يصرفها في مصارفها في مصارفها الشرعية في الأصناف الثمانية التي ذكر الله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60].

 

فالفقراء والمساكين، هم: الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلتهم.

 

فمن كان له كفاية من صنعة، أو حرفة، أو تجارة، أو راتب، أو عطاء من بيت المال، أو نفقة ممن تجب عليه نفقته، أو غير ذلك، فإنه لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، إلا أن يكون عليه طلب لا يستطيع وفاءه، فلا بأس أن تعطيه لوفاء دينه.

 

وكما يجوز لك أن تعطي المطلوب لقضاء الطلب، فيجوز لك أن تذهب أنت بنفسك إلى من له الطلب، وتقول: هذا عن فلان، فأسقطه من دينه، ولو لم تخبر المطلوب بذلك.

 

وها هنا مسألتان يقع السؤال عنهما كثيرا، إحداهما: أن بعض الفقراء يكون أخرق إذا أعطيته أفسده، فهل يجوز أن أشتري له بالزكاة حاجة، وأعطيها إياه؟.

 

والجواب على هذا: أن ذلك لا يجوز لكن لك أن تقول له: اشتر حاجة من السوق، فإذا اشترى جاز لك أن توفي عنه من الزكاة.

 

المسألة الثانية: أن بعض الناس يكون له عادة بأخذ الزكاة، ثم يغنيه الله، فإذا أعطي الزكاة أخذها، وأعطاها الفقراء، وهذا حرام لا يجوز، بل إذا أغناه الله، وجب عليه ردها، وصاحبها إن شاء أخذها، وإن شاء وكله في دفعها إلى أحد.

 

وفقني الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، وهدانا وإياكم الصراط المستقيم؛ إنه جواد كريم.

 

 

 

 

المرفقات

الزكوية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات