عناصر الخطبة
1/ لا يقبل الله من أحد دينًا سوى الإسلام 2/ الإسلام دين جميع الأنبياء 3/ البشارات النبوية بنصر الإسلام وانتشاره 4/ مزايا الإسلام ومراتبه العليةاقتباس
إن الدين الحقّ الذي لا يقبلُ الله من أحدٍ دينًا سِواه، ولم يكن له قطُّ ولا يكون له أبدًا دينٌ غيرُه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]. وجعلَه -سبحانه- دينَ جميع الأنبياء والرُّسُل وأتباعِهم، قال أولُ الرُّسُل نوحٌ -عليه السلام-: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72].
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رضِيَ لنا دينَ الإسلام، أحمدُه -سبحانه- على تتابُع الفضل والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحُسنى والصفاتُ العُلى، لا تُدرِكُه الأبصار ولا تُحيطُ به الأفهام، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وصفوتُه من خلقِه سيِّدُ الأنام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الأئمة الأبرار الأعلام، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَت الليالي والأيام.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واذكُروا وقوفَكم بين يدَيه يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بَنون إلا من أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.
أيها المسلمون: لئن كان للناس في سعيِهم إلى بلوغ سعادة الدنيا ومعرفة الطريقِ إليها مذاهبُ يستمسِكون بها، وينتصِرون لها؛ فإن أُولِي الألباب يستيقِنون أن السبيلَ إلى ذلك إنما هو طريقٌ واحدٌ يُنالُ به رِضا الربِّ، وتتحقَّقُ به مصالِحُ الخلق، وتجتمعُ به للسالكين سعادةُ الدنيا والآخرة، والحياة الطيبةُ في العاجِلة والآجِلة.
إن الدين الحقّ الذي لا يقبلُ الله من أحدٍ دينًا سِواه، ولم يكن له قطُّ ولا يكون له أبدًا دينٌ غيرُه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19].
وجعلَه -سبحانه- دينَ جميع الأنبياء والرُّسُل وأتباعِهم، قال أولُ الرُّسُل نوحٌ -عليه السلام-: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72].
وقال خليلُ الله إبراهيم وابنُه إسماعيل -عليهما السلام-: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة: 128]، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132].
وقال موسى -عليه السلام- لقومه: (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس: 84].
وقال -عز وجل- عن نبيِّه عيسى -عليه السلام-: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 52].
وقالت ملِكة سبأ: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل: 44].
وهو الدينُ الذي رضِيَ الله تعالى لعباده، فقال مُخاطِبًا هذه الأمة المحمدية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
وأخبر -سبحانه- عن وعدِه الصادقِ الذي لا يتخلَّف بإظهار هذا الدين على كافَّة الأديان: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].
وهل ثمَّة أغلى من دينٍ ارتضاه الله لخلقِه، وجعلَه السبيلَ المُوصِلَ إليه، والطريقَ الوحيدَ إلى مراتِب العِزَّة، ومراقِي الرِّفعة والنصر والتمكين، كما جاء في الحديث -الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيحٍ عن أبيِّ بن كعبٍ -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "بشِّر هذه الأمة بالسَّناء والدين والرِّفعة في الأرض؛ فمن عمِلَ منهم عملَ الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيبٌ".
وفي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن اللهَ زوَى لي -أي: طوَى- مشارِقَ الأرض ومغارِبَها، وسيبلُغ مُلكُ أمَّتي ما زُوِيَ لي منها".
إن الإسلام استسلامٌ وانقيادٌ وإذعانٌ لأمر الله وأمر رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، يُوجِبُ إفرادَ الإله المعبود -سبحانه- بالعبادة، بصرفِ جميع أنواعها له وحده بإخلاصٍ له ومُتابعةٍ لرسولِه -صلوات الله وسلامه عليه-، وذلك مُستلزِمٌ البراءة من الشِّرك وأهلِه؛ إذ هو انتِقاصٌ للربِّ -تبارك وتعالى-، يُورِثُ صاحبَه هبوطًا نفسيًّا وروحيًّا يهوِي به إلى الدَّرك الأسفَل عِوَضًا أن يسمُو بتوحيده، ويرقَى بإخلاصِه، ويشرُف بعبوديَّته لله ربِّ العالمين: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31].
وكان الذنبَ الذي لا يُغفَر لصاحبِه إن ماتَ عليه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].
إن الإسلام -يا عباد الله- دينُ الحنيفيَّة السَّمحة المُوافِقة للفِطَر السليمة، والدين الذي رفع به الآصارَ والأغلالَ التي كانت على من قبلَنا، رحمةً منه وكرمًا وإحسانًا، كما قال -سبحانه-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].
ودينٌ أرسَى الله به أُسسَ النظام الاجتماعيِّ المُترابِط ترابُط البُنيان الذي يشدُّ بعضُه بعضًا، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن النُّعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم كمثَل الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهر والحُمَّى".
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا".
ودينٌ حفِظَ الله به الأرواحَ والأنفُسَ والأموالَ والعقولَ، حين حرَّم قتلَ النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وحين حرَّم انتِهاكَ الأعراض وتلويثَ الفُرُش، وحين حظَرَ تعاطِي كل ما يُهدِّد سلامةَ العقول من المُسكِرات والمُخدِّرات والمُفتِّرات، ومنعَ أكلَ أموال الناس بالباطل في كل صُوره وألوانِه.
وحفِظَ لكل إنسانٍ حقَّه، وأوضحَ له واجِبَه في تشريعٍ حقوقيٍّ مُتفرِّد سبقَ كل ما سِواه من تشريعاتٍ، وفاقَ ما سنَّه البشرُ من قوانين لحِفظِ حقوق الإنسان ورفع قدرِه وصَون كرامتِه.
ودينٌ أرسَى الله به قواعِد العدالة بين الخلق كافَّة مُسلمِهم وكافِرهم، عربيِّهم وعجميِّهم، أسودِهم وأبيضِهم، ذكرِهم وأُنثاهم، صغيرِهم وكبيرِهم، وجعلَ تقوى الله قاعدةَ التفاضُل بينهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
فلا غرْوَ أن تكون لدينٍ هذه بعضُ فضائلِه ومحاسِنِه: الرِّفعةُ والسُّمُوُّ والظهورُ والتمكينُ في الأرض، وحرِيٌّ بأهل الإسلام أن يُخلِصُوا دينَهم لله، وأن يستجِيبُوا له ولرسولِه إذا دعاهُم لما يُحيِيهم، وأن يعتصِمُوا بحبلِ الله جميعًا ولا يتفرَّقُوا؛ لتكون لهم السيادةُ والرِّيادةُ والعِزَّةُ التي كتبَها الله لعبادِه المُؤمنين حقًّا: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].
نفعني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله وصحبِه وأتباعِه بإحسانٍ.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-.
لقد جاء في صحيح السنة النبوية مُبشِّراتٌ بالنصر والرِّفعة والتمكين لهذا الدين؛ منها:
ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بُعِثتُ بجوامِع الكلِم، ونُصِرتُ بالرُّعبِ، وبيْنا أنا نائِم أُتيتُ بمفاتِيح خزائن الأرض، فوُضِعت في يدَيَّ".
وفي الصحيحين عن مُعاوية بن أبي سفُيان -رضي الله عنهما- أنه قال -وهو يخطُب-: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزالُ من أمَّتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضُرُّهم من خذلَهم ولا من خالفَهم حتى يأتِيَ أمرُ الله وهم على ذلك".
وأخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه بإسنادٍ صحيحٍ عن أُبيِّ بن كعبٍ -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "بشِّر هذه الأمة بالسَّناء والدين والرِّفعة في الأرض".
وإنها -يا عباد الله- لبِشاراتٌ مُباركاتٌ أخبرَ بها الصادقُ المصدوقُ الذي لا ينطِقُ عن الهوَى -صلوات الله وسلامُه عليه-.
فاحرِصُوا -رحمكم الله- على الحَظوة بحُسن الموعودِ فيها، بالقِيام بأمر الله، والاستِمساك بدينِ الله؛ تكونوا من الفائزين المُفلِحين.
واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خاتَم النبيين، وإمام المرسلين، ورحمة الله للعالمين، فقال -سبحانه- في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم