عناصر الخطبة
1/ اختلاف الفصول أيام الله وسننه في الكون 2/ المؤمن يربط بين أحوال الدنيا وأحوال الآخرة 3/ وقفات تربوية مع فصل الشتاء 4/ تذكر إخواننا المبتلين في سوريا بالظلم والبرداقتباس
ومن ميادين التفكُّر ومواطِن الاعتبار: اختِلافُ الفصول وتعاقُبُها من صيفٍ وشتاءٍ، وربيعٍ وخريفٍ، وحرٍّ وقرٍّ، وغيثٍ ودهرٍ. وهذه وقَفَاتُ اعتِبارٍ وتذاكُر مع فصلِ الشتاء في ليلِه ونهارِه، وبردِه وأمطارِه؛ فقد كان للسَّلَف معه تأمّلاتٌ واستِفاداتٌ. يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مرحبًا بالشتاء؛ تنزِلُ فيه البركة، ويطولُ فيه الليلُ للقيام، ويقصُرُ فيه النهارُ للصيام".
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله مُصرِّف الأحوال، ومُقدِّر الآجال، لا إله إلا هو الكبيرُ المُتعال، سبحانه وبحمده كريمٌ لا يبخَل، وحليمٌ لا يعجَل، الحُكمُ حُكمُه، والأمرُ أمرُه، تُسبِّح له السماوات والأرض ومن فيهنَّ بالغُدوِّ والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المُتفرِّدُ بالكمال والجَمال والجلال، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه عظيمُ المقام شريفُ الخِصال، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى الطيبين الطاهرين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين خيرِ صحبٍ وأكرمِ آل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فربُّكم يزيدُ من شكرَه، ويذكُرُ من ذكرَه، ولا يَخيبُ من قصدَهن يجزِي بالإحسانِ إحسانًا، وبالسيِّئات عفوًا وغُفرانًا، أصلِحوا ما مضَى بالنَّدم، وأصلِحوا ما حضرَ بحُسن العمل، وأصلِحوا ما أمامَكم بصادقِ الرَّجاء وعظيم الأمل.
فرحِمَ الله عبدًا إذا نظرَ اعتبَر، وإذا سكَتَ تفكَّر، وإذا ابتُلِيَ استرجَعَ وصبَرَ، وإذا علِمَ تواضَع، وإذا عمِلَ أحكَمَ، وإذا سُئِل بذَل، يعملُ بالتنزيل، ويحذَرُ التسويفَ والتعليل، (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان: 7- 10].
أيها المسلمون: الليالي والأيام والفصولُ والأعوام أيامُ الله وسُنَنُه، تتعاقبُ على أهل الدنيا، فسُبحان مُصرِّف الشُّهور، ومُقلِّب الدُّهور، له المشيئةُ النافِذَة، والحكمةُ البالِغة، والعِبرةُ الغالِبة.
القلبُ الحيُّ والمُؤمنُ اليَقِظ يعتبِرُ بما يراه من أيامِ الله وآياتِه في كونِه وخلقِه: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62].
معاشر الإخوة: لقد كان من تعاليم دينِنا وحِكَمه، ومما حُفِظَ من نَهج السَّلَف الصالحِ: الرَّبطُ بين أحوال الدنيا وتقلُّباتِها وتصرُّف أيامِها، وبين أحوال الآخرة وعواقِب الأعمال؛ تذكِرةً وعِبرةً واستِعدادًا.
عباد الله: ومن ميادين التفكُّر ومواطِن الاعتبار: اختِلافُ الفصول وتعاقُبُها من صيفٍ وشتاءٍ، وربيعٍ وخريفٍ، وحرٍّ وقرٍّ، وغيثٍ ودهرٍ.
وهذه وقَفَاتُ اعتِبارٍ وتذاكُر مع فصلِ الشتاء في ليلِه ونهارِه، وبردِه وأمطارِه؛ فقد كان للسَّلَف معه تأمّلاتٌ واستِفاداتٌ.
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مرحبًا بالشتاء؛ تنزِلُ فيه البركة، ويطولُ فيه الليلُ للقيام، ويقصُرُ فيه النهارُ للصيام".
وعن الحسن -رحمه الله- قال: "نِعمَ زمان المُؤمن الشتاء؛ ليلُه طويلٌ يقومُه، ونهارُه قصيرٌ يصومُه".
بل لقد أخرجَ الإمام أحمد عن أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "الشِّتاءُ ربيعُ المُؤمن". زاد البيهقيُّ: "طالَ ليلُه فقامَه، وقصُرَ نهارُه فصامَه". وحسَّن الهيثميُّ إسنادَه.
وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسنده عن عامر بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الغنيمةُ البارِدةُ الصومُ في الشِّتاء". وهو حديثٌ ثابتٌ بطرقٍ مُتعدِّدة.
ويقول عمر -رضي الله عنه-: "الشتاءُ غنيمةُ العابِدين".
ثم يُوضِّح ذلك الحافظُ ابن رجبٍ -رحمه الله- فيقول: "إنما كان الشتاءُ ربيعَ المؤمن؛ لأنه يرتَعُ فيه في بساتين الطاعات، ويسرَحُ في ميادين العبادات، ويُنزِّهُ قلبَه في رياضِ الأعمال".
غنيمةٌ بارِدةٌ حصلَت من غير قتالٍ، ولا تعبٍ ولا مشقَّةٍ، يحوزُها صاحبُها عفوًا بغير كُلفة، وصفوًا من غير عناءٍ.
في ليل الشِّتاء الطويلِ ينالُ المُؤمنُ حظَّه من النوم والراحَة، كما ينالُ حظَّه من القيام والعبادة. يُقطِّعُ الصالِحون القانِتون ليلَهم بالذِّكر والصلاة، ويتلذَّذُ العابِدون القائِمون بطُول المُناجاة، يعرِضون حوائِجَهم عند ربِّهم، ويُبدُون فقرَهم بين يدَي مولاهم، ويذكُرون مساوِئَهم أمام البرِّ الرَّحيم -عزَّ شأنُه وجلَّ جلالُه-.
كان عُبيدُ بن عُمَير إذا دخل الشتاءُ يقول: "يا أهل القرآن: طالَ ليلُكم لقراءَتكم فاقرؤوا، وقصُرَ النهارُ لصيامِكم فصُوموا".
معاشر الأحِبَّة: شتَّان بين من يتلذَّذُون بالتلاوة والذِّكر، والدعاء والمُناجاة، والصيام والقيام، وبين من يَبيتُ غافلاً لاهِيًا، ساهِرًا ساهِيًا، كأنَّه قد نسِيَ يوم الحِساب.
شتَّان ثم شتَّان بين أقوامٍ يَبيتُون لربِّهم سُجَّدًا وقِيامًا، قليلاً من الليل ما يهجَعُون، وبالأسحار هم يستغفِرون، (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر: 9].
يتذاكَرون بالشتاء زمهَريرَ جهنَّم: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان: 65، 66].
شتَّان بينهم، وبين أقوامٍ آخرين غافِلين، وفي السَّهَر القاتِل غارِقين، يُقطِّعون الليل الطويلَ في سمَرٍ مُهلِكٍ، مُشتغلِين بما لا يحِلُّ من مسموعٍ ومقروءٍ ومُشاهَد. فيا لحسرة الغافِلين! ويا لندامة المُقصِّرين!
إخواني في الله: ومن مواطِن العِبَر، وفُرص الأمل: ما أوصَى به الفارُوقُ عمرُ -رضي الله عنه- ابنَه قائلاً: "وإسباغُ الوضوءِ في اليوم الشَّاتِي". ذلكم أن إسباغَ الوضوء على المكارِه مما تُحطُّ به الخطايا، وتُرفعُ به الدرجات؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدُلُّكم على ما يمحُو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟!". قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغُ الوضوء على المكارِه، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، وانتِظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكمُ الرِّباط، فذلكمُ الرِّباط". رواه مسلم. والمكارِه: شدَّة البرد وآلام الجسم.
بل جاء في حديثٍ مرفوعٍ حسنِ الإسنادِ، قال فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ثلاثٌ كفَّارات"، وذكرَ منها: "وإسباغُ الوضوء في السَّبِرات".
والسَّبِرات: شدَّةُ البرد. وإسباغُ الوضوء: تكميلُه وإيعابُه مع شدَّة البرد وألم الجسم، وما يلحَقُ ذلك من مشقَّةٍ.
على أن تعلَموا -رحمكم الله- أنه لا مانِع من الوضوء بالماء الدَّافِئ، وتسخين الماء، وتنشيف الأعضاء بعد الفراغ من الوضوء؛ بل يُباحُ التيمُّم إذا خافَ على نفسِه شدَّةَ البرد، فضلاً من الله ورحمة، وتيسيرًا ونعمة.
وفي مثل هذا جاءَت مُكاتبَةُ عُمر -رضي الله عنه- ووصاياه لعُمَّاله ووُلاتِه إذا حضر الشتاء، يقول لهم: "إن الشَّتاءَ قد حضَرَ وهو عدوٌّ لكم، فتأهَّبُوا له أُهبتَه من الصُّوفِ والخِفافِ والجوارِب، واتَّخِذوا الصُّوفَ شِعارًا". أي: مما يلِي الأجساد، "ودِثارًا" أي: فوق الملابِس، "فإنَّ البردَ عدوٌّ سريعٌ دخولُه، بعيدٌ خروجُه".
بل لقد امتنَّ الله على عبادِه بما يسَّر من وسائل استِدفاءٍ باللباس وغيرِه، فقال -عزَّ شأنُه-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل: 5].
فتأمَّل كيف أفردَ الدِّفءَ بالذِّكر وخصَّه بالتنويه، مع أنه من جُملة المنافِع!
وقال -عزَّ شأنُه-: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) [النحل: 80].
ومما تقتَضِيه المُناسَبَةُ -عباد الله-: التنبيهُ إلى أن بعضَ الناسِ يُوقِدُ النارَ للتدفِئَة، كما يستخدِمُ بعضَ أجهزة التدفِئَة، وهذا من فضلِ الله ونعمته، وتيسيره وتسخِيره، ولكن قد أرشدَ نبيُّكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إلى إطفاءِ النار قبل النوم؛ فقد جاء في الخبر الصحيح في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن هذه النار إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نِمتُم فأطفِئُوها عنكم". وما ذلك إلا لما تُسبِّبُه من الاحتِراق أو الاختِناق.
عباد الله: ومن مواطِن الاعتِبار والادِّكار: ما كان يُذكِّرُ به نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه حين يشتدُّ الحرُّ أو يشتدُّ البردُ؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قالت النار: ربِّ: أكلَ بعضِي بعضًا فائذَن لي أتنفَّس. فأذِنَ لها بنفَسَيْن: نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف". قال -صلى الله عليه وسلم-: "فما وجدتُم من بردٍ أو زمهَريرٍ من نفَس جهنَّم، وما وجدتُم من حرٍّ أو حرورٍ من نفَس جهنَّم".
فشدَّةُ برد الدنيا -رحمكم الله- يُذكِّرُ بزمهَرير جهنَّم، مما يُوجِبُ الخوفَ والحذرَ والاستِعداد، يقول -عزَّ شأنُه- في نعيم أهل الجنة: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان: 13].
قال قتادةُ: "علِمَ الله أن شدَّة الحرِّ تُؤذِي، وشدَّة البردِ تُؤذِي، فوقاهُم الله أذاهُما جميعًا، فيدفعُهم هذا إلى النَّصَب والتهجُّد؛ فكلُّ ما في الدنيا يُذكِّرُهم بالآخرة".
وقال في أهل النار: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [ص: 57]، وقال -عزَّ شأنُه-: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) [النبأ: 24، 25].
والحميمُ: شدَّةُ الحرِّ. والغسَّاقُ: شدَّةُ البَردِ. أعاذَنا الله وإياكم من ذلك كلِّه.
وبعدُ -رحمكم الله-: فقد جعلَ الله لكم من دُنياكم عِبَرًا، ومن تقلُّباتِ دهرِكم عِظاتٍ وفِكَرًا، فلا يكادُ يمرُّ بالعبد آيةٌ أو يُقابِلُه موقِفٌ إلا وفيه مناسبةٌ لمُحاسَبَة النفس، وفرصةٌ للمُبادَرة للطاعة، واستِعدادٌ ليوم الحِساب.
يا عبد الله: الليلُ في الشِّتاءِ طويلٌ، فلا تُقصِّرُه بمنامِك. وأبوابُ الخير واسِعةٌ، فخفِّف من آثامِك.
بكَى مُعاذٌ -رضي الله عنه- عند موتِه، وقال: "إنما أبكِي على ظمأ الهواجِر، وقيامِ ليل الشِّتاء، ومُزاحَمَة العُلماء بالرُّكَب عند حِلَق الذِّكرِ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 1- 4].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله ذي الجلال والإكرام، وأشكُرُه وأُثنِي عليه ذو الفضل والطَّول والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوسُ السلام، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرتُه من خلقِه، وأمينُه على وحيِه، أطلعَ الله شمسَ رسالتِه من دياجِير الظلام، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ السادة الكرام، وأصحابِهِ البرَرَة الأعلام، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَت الليالي والأيام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا على الدَّوام.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اذكُروا ما أنعمَ الله به على أهل هذا الزمان من ألوان النَّعيم، وصُنُوف المُسخَّرات، من المُخترَعات والمُكتشَفَات، من وَثيرِ اللِّباسِ واللِّحاف، ووسائل التدفِئَة في المساكِن والمراكِب والأسواقِ، وأصنافِ المآكِل والمشارِب؛ ففي شتائِكم من مظاهِر نِعَم الله وفضلِه وتيسيرِه وتسخِيرِه ما ليس فيمن سبقَكم.
وإن من التفكُّر والتذكُّر ومواطِن الاعتِبار، والمُسابَقَة إلى الخيرات: ما تستذكِرونَه من الشِّداد المَؤُونَة على إخوانٍ لكم قريبين وبَعيدين، تزدادُ عليهم الكُلفَة بسببِ الحاجة: أكلاً وشُربًا، ولِباسًا، ومسكنًا، وتدفِئَة.
إذا جلستُم جلساتٍ أُسريَّة، ومُسامَرات أخويَّة، من مطاعِمِكم ودِفئِكم وحُسن مجالِسِكم -أدامَ الله عليكم نِعَمَه وأمنَه-، فتذكَّروا أُسرًا ترتعِدُ فرائِصُهم. تذكَّرُوا إخوانَنا وأهلَنا في سُوريا؛ مزَّقَ البردُ أوصالَهم، وأسالَت الرِّياحُ دموعَهم، وجمَّد الصَّقيعُ جلودَهم، شيوخًا وأطفالاً ونساءً، ذاقُوا الحُزنَ الأليم.
كيف وقد اجتمَعَ عليهم فقدُ الأهل والوطن، وعدمُ المأوَى والكِساء؟!
رُحماكَ رُحماكَ يا وليَّ المُستضعَفين، ويا ناصِرَ المكروبين. عظُمَ الخَطبُ، واشتدَّ الكربُ على إخواننا في سوريا، وأنت قريبُ الفرَج، سريعُ النَّصر.
اللهم أنزِل رحمتَك ولُطفَك ودِفئَك على إخواننا في بلاد الشام، اللهم أنزِل رحمتَك ولُطفَك ودِفئَك على إخواننا في بلاد الشام، اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، وعُراةٌ فاكسُهم، ومظلومون فانتصِر لهم.
اللهم ارحَم الأطفال الرُّضَّع، والشيوخَ الرُّكَّع، والبهائِم الرُّتَّع. اللهم فرِّج عنهم وعجِّل بنصرِهم، اللهم أمدَّهم بمدَدِك، وأيِّدهم بجُندِك، وانصُرهم بنصرِك.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فالمُسلمون جسدٌ واحدٌ في تكافُلِهم وسدِّ حاجاتهم، فأمِدُّوهم بما أفاءَ الله به عليكم وأفاضَ من فُضولِ أموالِكم ومتاعِكم وأثاثِكم.
تفقَّدُوا الأرامِلَ والمساكِين والمحاوِيج من حولِكم؛ فمن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجَته، ومن فرَّج عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في مُحكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيله- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم