عناصر الخطبة
1/ حاجة البشرية إلى سلوك طرق المحبة والتسامح 2/ تجلي رحمة الإسلام في أوقات الحرب 3/ تأملات عن الحرب في الإسلام ومظاهر الرحمة فيها 4/ سلوكيات معاصرة خاطئةاقتباس
ولئن كانت مُعضِلةً حقيقيَّةً، ومُشكلةً ظاهرةً عند كثيرٍ من أساطِين السياسَة، ورجالات الاقتِصاد، وقادَة الحُروب وغيرهم في تشعُّبات الحياة ومسارَاتها، لئن كان مُعضِلةً عند هؤلاء أن يضبِطوا تعامُلاتهم بأُطُرٍ أخلاقيَّة، وضوابِط إنسانيَّة، لكنَّ ذلك -والتاريخُ خيرُ شاهدٍ- لم يكُن مُعضِلةً في دينِنا، ولا مُشكِلةً ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله تباركَ ربُّنا وتعالى، لا إله إلا هو قدَّر المقاديرَ على الخلائِق إدبارًا وإقبالاً، وانتقالاً وارتِحالاً، أحمده -سبحانه- على ما أنعم، وأشكرُه على ما والَى كرمًا منه وجُودًا وإفضالاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً ذُخرًا لقائِلِها عاجلاً وآجلاً، وحالاً ومآلاً، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه فتحَ به أعيُنًا عُميًا، وقلوبًا غُلفًا، وآذانًا صُمًّا، وهدَى به ضُلاَّلاً، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين الصالحين أعمالاً، والصادقين أقوالاً، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا يتوالَى.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-.
من عرفَ الدنيا لم يفرَح فيها برخاءٍ، ولم يحزَن فيها على بلاء، ومن تعاقبَ عليه الليلُ والنهارُ أردَيَاه، ومن وُكِّل به الموتُ أفناه.
العمرُ تنقصُه الساعاتُ والصحةُ تعرِضُ لها الآفات، والعبدُ لا يستقبلُ يومًا إلا بفِراقِ آخر، وأعظمُ المصائبِ انقِطاعُ الرَّجاء.
فاستعدُّوا -رحمكم الله- ليومٍ تُرجَعون فيه إلى الله؛ فإنه لا ملجَأَ من الله إلا إليه، فلله درُّ عيونٍ ذرَفَت بعدما عرفَت: (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
أيها المسلمون حُجَّاج بيت الله: بشريَّةٌ مُنهَكة رغم ما توفَّر لها من وسائل الرَّاحة، وشعوبٌ تعِسَة رغم ما بين يدَيها من تِقَنيَّات الدلالات، ودولٌ مُتناحِرة رغم ما تملِك من عوامِل الالتِقاء وأسباب الاجتِماع.
البشريَّةُ اليوم في حاجةٍ مُلِحَّة، ومدعوَّةٌ بإلحاحٍ وإشفاقٍ إلى أن تسلُك طريقَ المحبَّة والتراحُم والتسامُح. إن عالَمَ اليوم يُعانِي من فُقدان الرَّحمة في مُعظم تعامُلاته ومسالِكِه وسياساته. العنفُ والقسوةُ والظلمُ سِماتٌ ظاهرةٌ من سِمات الحياة المُعاصِرة.
أيها الإخوة في الله: ولئن كانت مُعضِلةً حقيقيَّةً، ومُشكلةً ظاهرةً عند كثيرٍ من أساطِين السياسَة، ورجالات الاقتِصاد، وقادَة الحُروب وغيرهم في تشعُّبات الحياة ومسارَاتها، لئن كان مُعضِلةً عند هؤلاء أن يضبِطوا تعامُلاتهم بأُطُرٍ أخلاقيَّة، وضوابِط إنسانيَّة، لكنَّ ذلك -والتاريخُ خيرُ شاهدٍ- لم يكُن مُعضِلةً في دينِنا، ولا مُشكِلةً في إسلامِنا؛ بل إن جوهرَ دينِنا وأصلَه وغايتَه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159]، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156].
لقد تعاملَ دينُنا مع كلِّ الأحداث التي واجهَتْه عبرَ التاريخ بطريقةٍ فذَّة، وقُدوةٍ مُشرِّفة، وسيرةٍ حسنَة، ومسيرةٍ طاهرةٍ، أخرجَت كنوزًا هائِلة من فُنون التعامُل وآداب العلاقات، اعترفَ بها العدوُّ قبل الصديق، حتى لا يخلُو موقفٌ ولا حدثٌ ولا فعلٌ ولا ردُّ فعلٍ من بُرُوز هذه الفُنون العالِية والآداب الرَّاقِية، حتى في أمور الحرب والسياسة، والتعامُل مع الظالمين والفاسِقين والمُحارِبين، ناهِيكم بالتعامُل مع النِّساء والوِلدان وسائرِ المدنيِّين.
إخوتي في الله ضُيوفَ الرحمن: والحديثُ ذو شُعَبٍ وذو شُجُونٍ، ولكن هذا توقُّفٌ عند الرحمة والعفو والتسامُح في دينِنا، وتعامُلنا في أحوال الحُروب، والعلاقات المُتوتِّرة والصِّراع المُسلَّح.
الرحمةُ -رحمكم الله- أساسُ سعادة الأمم واستِقرار النُّفوس وأمان الدنيا، والرحمةُ في دينِنا ليست محدودةً بمكانٍ أو زمانٍ، ولا بدينٍ أو جنسٍ؛ بل هي لكلِّ العالمين منذ البِعثة المُحمديَّة إلى يوم الدين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
معاشر الإخوة معاشر الحَجيج: ليس بِدعًا أن يكون الحديثُ عن الرَّحمة يمُرُّ بالحديثِ عن الحربِ؛ لأن من الرَّحمة ما يقتَضِي إيصالَ المنافِع والمصالِح إلى الخلق وإن كرِهَتها نفوسُهم، وشقَّت عليها طباعُهم، فهذه من أعظم صُور الرَّحمة؛ كرحمةِ الأب بابنِه حين يحمِلُه على محامِل العلم والأدب ولو لحِقَ الابنَ المشقَّة.
وكالرَّحمة بالمريضِ حين يُسقَى مُرَّ الدواء، وكذلك الحالُ حين تدعُو الأسبابُ إلى حربٍ غير محبوبةٍ، فهي تستبطِنُ الرَّحمةَ من خلالِ أحكامِها وآدابِها وأخلاقيَّاتها.
نعم؛ لقد تجلَّت الرَّحمةُ في دينِنا في ظروف الحربِ والمعارِك، فويلاتُ الحروب لا تخفَى، ونتائِجُها هلكَى وجرحَى، ودينُنا ليس حفِيًّا بالحروب، ولا مُرحِّبًا بالصراع المُسلَّح؛ بل إنه يدفعُ ذلك ويدرؤُه ما استطاع، فهو لا يدعُو إلى الحربِ، وليس حريصًا على المُبادَرَة بها؛ بل قال: "لا تتمنَّوا لقاءَ العدوِّ، وسَلُوا اللهَ العافية".
وإذا كان لفظُ الحرب جاء في كتاب الله ستَّ مراتٍ؛ فإن لفظَ السِّلمِ والسلامِ جاءَ مائةً وأربعين مرَّة، وعلى المُتفكِّر تأمُّل النسبَةِ بين الرَّقمين، ولا يُقاتَلُ في الإسلام إلا المُقاتِلة، (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 61، 62].
ويعلمُ الله والمؤمنون والمُنصِفون أن غزوات المُسلمين وحروبَهم وجهادَهم غزواتٍ وسرايا لم تكُن طلبًا لدنيا، ولا جمعًا لمالٍ، ولا رغبةً في زعامةٍ، ولا توسِعَةً في ممالِك؛ بل ذلك كلُّه لهداية الناس وتحريرِ العبادِ من عبادةِ العبادِ واستِعبادِهم إلى عبادةِ الله ربِّ العباد وحدَه، ورفعِ الظُّلم، والانتِصار للمظلومين، مقرونًا ذلك بأعلى أساليب الرَّحمة والعِفَّة والنُّبل والشَّرف، والتاريخُ خيرُ شاهِدٍ، والمُقارَناتُ مع الآخرين أعظمُ بُرهانٍ.
معاشر الأحِبَّة حُجَّاج بيت الله: وإذا كان قد شاعَ في هذه الأزمِنة مُصطلحُ "القوة الناعِمة"، فإننا نقولُ -بكل ثقةٍ وقوةٍ وإعجابٍ-: إن الحربَ في الإسلام وآدابَها وأحكامَها هي القوةُ الناعِمة.
وفي إحصاءٍ سريعٍ في عهد النبُوَّة يتبيَّنُ أن المُدَّة الإجماليَّة للحروب هي خمسُ سنواتٍ فقط من ثلاثٍ وعشرين سنة، ومجموعُ القتلَى في كل هذه السنوات والغَزَوات لم يتجاوَز ألفًا وثمانيةً وأربعين قتيلاً ليس فيهم مدنيٌّ واحدٌ؛ بل إن بعضَ الباحِثين يقول: إنهم لم يتجاوَزُوا المِئات.
قارِنوا ذلك بإحصائيَّات الحربين العالميَّتين الأخيرتين؛ ففي الأولى: كان عددُ القتلَى سبعة عشر مليونًا ما بين عسكريٍّ ومدنيٍّ، وفي الثانِية: ستين مليونًا، والمجموع سبعةٌ وسبعون مليونًا في حربين فقط، أما ما بعد ذلك فقد لا يُحصِيه العادُّون.
لماذا هذا الفرق؟! لأن دينَنا لا يُحبُّ الحربَ؛ بل يتجنَّبُها قدرَ الإمكان، ولا يدخلُها إلا مُضطرًّا، ولأن له فيها آدابًا وشروطًا وأخلاقًا، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحج: 39]، (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) [البقرة: 190]، (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال: 7].
لا يُقاتِلون إلا المُقاتِلة، ولا يُجهِزون على مُدبِرٍ.
جهادُ المسلمين فيه قوةٌ، ولكن فيه رحمةٌ وعفوٌ وعِفَّةٌ وصفحٌ، وعند قيام المعرَكة وحَمْيِ الوَطيس يحرِصُ الإسلام على عدم إطالَة مدَى المعركة وإنهاء الصِّراع المُسلَّح سريعًا، (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد: 4].
لقد قاتلَ المُسلمون بالرَّحمة، وانتصَروا بالعفو، وفازُوا بعدم المُعاملَة بالمِثْلِ، تعليماتُنا: لا تغدِروا، ولا تغُلُّوا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتُلُوا الشيوخَ والوِلدان وأصحابَ الصوامِع، ولا تقطَعوا شجرةً.
معاشر الحُجَّاج معاشر المسلمين: وليزدادَ منكم العجَب فانظُروا رحمةَ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وعفوَه وتسامُحَه، وهم قدوتُنا وأُسوتُنا، عفوُه وتسامُحه فيمن آذاه واعتدَى عليه وظلمَه.
انظُروها فيما جاء في خبر الصحيحين: قام أعرابيٌّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسَّيف وهو نائمٌ تحت الشجَرة، فقال: من يمنَعُك مني يا محمد؟! قال: "الله -عز وجل-". فسقَطَ السَّيفُ من يدِه. فأخذَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من يمنَعُك منِّي؟!". فقال الأعرابيُّ: كُن خيرَ آخِذٍ. فقال: "أتشْهَدُ أن لا إله إلا الله؟!"، قال: لا، ولكنِّي أُعاهِدُك ألا أقاتِلَك ولا أكونَ مع قومٍ يُقاتِلُونَك. فخلَّى سبيلَه، فذهبَ إلى أصحابِه فقال: جِئتُكم من عند خيرِ الناس.
ولما قِيل له عليه الصلاة والسلام: ادعُ على المُشركين. قال: "إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمةً".
وقيل له: ادعُ على ثَقيفٍ، فقال: "اللهم اهدِ ثَقيفًا"، فدعا لهم ولم يدعُ عليهم. رواه الترمذي.
العدلُ درجةٌ عظيمةٌ، ولكنَّ الرحمةَ والعفوَ درجةٌ أعظم.
وبعد:
عباد الله: فإن من أعظم مظاهر الرَّحمة والعفوِ والأدبِ الرَّاقِي: أن نبيَّنا محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يفضَح أسماءَ المُنافِقين، فضلاً عن أن يقتُلَهم أو يُعاقِبَهم، ومنهجُه: "ما بالُ أقوامٍ"، وأُسِّست دولةُ الإسلام على المحبَّة والرَّحمة والمُؤاخاة والنُّصرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 218].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم الرَّازِق، أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلُّ شيءٍ على دلائل وحدانيَّته ناطِقٌ، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الأمينُ الصادقُ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ آمنُوا بربِّهم، وصدَّقُوا برسُولِه، وقطَعوا عن الأهواء العلائِق، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يومٍ تجتمعُ فيه الخلائِق.
أما بعد:
أيها المسلمون حُجَّاج بيت الله: دينُنا دينُ الرَّحمة، ونبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هو نبيُّ الرَّحمة، ولكن مع الأسَف فإن ثقافةَ العصر وسلبيَّات وسائل الإعلام والاتِّصال، ومواقع التواصُل يضيقُ معها صدرُ المؤمن حين يرَى بعضَ المشاهِد التي تُشوِّشُ على ذلك أيَّما تشويشٍ، وهي ليست من أخلاقِ أهل الإسلام ولا من أحكامِ الشَّرع، حين ترَى تصرُّفات بعضِ من لا فِقهَ عنده حين يحضُرُون مواقِعَ القتال وساحَات الحُروب ثم ترَى فيهم من مظاهِر القَسوة والغِلظَة التي ليست من دينِنا، ولا من توجِيهاتِ نبيِّنا في المعارِك.
ترى تمثيلاً لجُثَث، وقطعًا للرُّؤوس بعد القَطع، ويُصاحِبُ ذلك في بعضِ المشاهِد تكبيرٌ وقسوةٌ، ثم يُصوَّرُ ذلك ويُنشَر في وسائل التواصُل الاجتماعيِّ مقرونًا بابتِهاجٍ وفرحٍ.
ولئن كان بعضُ هؤلاء القتلَى يستحقُّون القتل، لكن ليس في دينِنا التمثِيلُ، ولا إظهار التشفِّي، فهذه مظاهرُ قسوةٍ وغِلظَةٍ لها آثارُها وانعِكاسُها على التربية والسُّلوك والمواقِف، واستِقبال الأجيال لها، ولاسيَّما الأحداث وصِغارُ الأحلام ومن لا فِقهَ عنده.
معاشر الأحِبَّة: الرَّحمةُ في دينِنا لا تُنزَعُ إلا من شقيٍّ، والرَّحمةُ في الخَلق رقَّةٌ في القلبِ، كما قال أهلُ العلم: "ورِقَّةُ القلبِ علامةُ الإيمان".
فمن أرادَ الرَّحمةَ فليرفُق بالناس، وليُحسِن إلى عباد الله؛ فإن رحمةَ الله قريبٌ من المُحسِنين، وفي الحديث: "الرَّاحِمون يرحمُهم الرحمنُ". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
يقول القُرطبيُّ -رحمه الله- مُعلِّقًا على ذلك، قال: "أتَى بصِيغة العُموم ليشملَ جميعَ أصنافِ الخلقِ وغيرهم، البرَّ والفاجرَ، والناطِقَ والبَهيمَ، والوحوشَ والطَّيرَ".
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فشأنُ المُؤمنين التواصِي بالمَرحَمة، فإذا كان الصبرُ مِلاكَ كبحِها والنفوس؛ فإن المرحَمة مِلاكَ صلاح العباد والبلاد: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد: 17، 18].
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في مُحكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيله- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم