عناصر الخطبة
1/ معاني العيد العظيمة 2/الوحدة الإسلامية تبرز في العيد 3/الحث على البر وصلة الأرحام 4/الحث على الصفح والتسامح وتصفية القلوب 5/الحث على الطاعات والتحذير من الكبائر 6/الحث على التكافل الاجتماعي في العيد 7/خطورة الغزو الفكري 8/توجيهات للنساءاهداف الخطبة
1/التذكير بحكم العيد ومعانيه 2/ نصائح وتوجيهات عامةاقتباس
هذا يوم عيد فصيره عيدًا لإخوانك، ضمِّد جراح المجروحين، وامسح دمعة اليتيم، وفرّج كرب المكروبين، ويسِّر على المعسرين. عباد الله: كما أدخلتم الفرحة والسرور في قلوبكم بهذا العيد, أدخلوا الفرحة والسرور في قلوب الأيتام الذين فقدوا آباءهم، فقدوا القلب الرحيم واليد الحانية، قد انكسرت قلوبهم بفقد آبائهم، فلا تنسوهم -عباد الله- في غمرة فرحتكم وسروركم، عوضوهم عنهم في هذا اليوم العظيم بالصلة والإحسان وإزالة...
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، الله أكبر كلما لاح صباح عيد وأسفر، الله أكبر كلما لاح برق وأرعد سحاب وأمطر، الله أكبر ما هلل المسلم وكبر. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله الذي سهل لعباده طريق العبادة ويسر، ووفَّاهم أجورهم من خزائن جوده التي لا تحصر، سبحانه له الحمد على نعمه التي تتكرر، وله الشكر على فضله وإحسانه وحق له أن يشكر. نشهد أنه الله لا إله إلا هو انفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدور، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واشكروه على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي تترى، ألا وإن يومكم هذا يوم شريف، فضله الله وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفيض عليهم فيه من جوده وكرمه، فاشكروه على إكمال عدة الصيام، واذكروه وكبروه على ما هداكم وحباكم من نعمة الإسلام، واعبدوه حق عبادته، واتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أفردوه وحده بالعبادة، فإنه خلقكم لها كما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون) [الذاريات:56]، واعرفوا -رحمكم الله- نعم الله عليكم وفضله في هذا اليوم السعيد، فإنه اليوم الذي يفيض الله فيه على المؤمنين سوابغ نعمائه، ويعمهم بواسع عطائه، ويوالي عليهم جوده وامتنانه، ويعمهم بفضله وإحسانه، هذا يوم توّج الله به الصيام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام. قال ربنا سبحانه: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]
وها أنتم قد أكملتم بفضل الله صيام شهركم، وجئتم إلى مصلاكم تكبرون الله ربكم، على ما هداكم إليه من دين قويم وصراط مستقيم وصيام وقيام وشريعة ونظام، وقد خرجتم إلى صلاة العيد وقلوبكم قد امتلأت به فرحًا وسرورًا، وألسنتكم تلهج بالذكر والدعاء، تسألون ربكم أن يتقبل عملكم، وأن يتجاوز عنكم، وأن يعيد عليكم مثل هذا اليوم، وأنتم في خير وأمن وإيمان واجتماع على الحق وابتعاد عن الباطل.
والعيد -يا عبد الله- يتضمن معاني إسلامية كبيرة ومنافع وحقائق كثيرة، يتضمن العيد العقيدة الإسلامية الصافية النقية التي هي أعظم نعمة على الإنسان، وذلك بتعظيم الله وتكبيره والثناء عليه، والشهادة بأنه الإله الحق الذي يتقرب إليه المسلم، يتقرب إليه بالدعاء والرجاء والاستعانة وجميع أنواع العبادة، لا يشرك معه في عبادته أحدا، كما قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18]، والشهادة بأن محمدًا عبده ورسوله بطاعة أمره وترك نهيه وتصديق أخباره وعبادة الله بشرعه. والعيد يتضمن العبادة والذل والخضوع والمحبة لله تعالى، فصلاة العيد تشتمل على ذلك كله. والعيد يتضمن بيان التشريع الإسلامي، وذلك بإظهار شعيرة العيد وأداء صلاته وتفصيل الخطبة لأحكام الإسلام العظيمة.
والعيد يتضمن تهذيب الخلق وتقويم السلوك، وذلك بالترغيب في الصبر والاحتمال والحلم والتواصل في هذا اليوم والتسامح, وتطهير القلوب من الغل والحسد والضغائن؛ لأنه يوم فرح وأخوة إسلام, والعيد يتضمن الترابط الأخوي بين المسلمين والتكافل الاجتماعي، وذلك بأداء زكاة الفطر قبل الصلاة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم في هذا اليوم" يعني: الفقراء. رواه الدارقطني من حديث ابن عمر.
والعيد يتضمن يسر الإسلام وسماحته، ففي هذا اليوم أوجب الله الفطر وأباح الطيبات، كما هو الحال قبل الصيام في إباحة الطيبات، ولكن الإسلام ربط ذلك بالأصل الكبير وهو الإيمان والاستسلام لرب العالمين، وافتتح فرح العيد وسروره والتمتع بالطيبات فيه، افتتحه بصلاة ركعتين لله تعالى؛ حتى لا ينساق المسلم وراء لذاته وينسى ربه الذي رباه بالنعم وصرف عنه النقم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) [المائدة: 87، 88].
وزمن العيد وقت لتنزّل الخيرات والبركات والرحمة واستجابة الدعوات، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرفعه: "إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة على أفواه السّكك ينادون بصوتٍ تسمعه الخلائق إلا الجن والإنس: يا أمة محمد، اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل، فإذا برزوا إلى مصلاهم، قال الله تعالى: يا ملائكتي، ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قالوا: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره؟ قال: فإني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضواني، وعزتي لا يسألوني في جمعهم هذا للآخرة شيئًا إلا أعطيتهم، ولا لدنياهم إلا نظرت لهم، انصرفوا مغفورًا لكم" قال مورق العجلي: فيرجع قوم من المصلى كما ولدتهم أمهاتهم. فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة. رواه الطبراني.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: في هذا اليوم العظيم -في يوم عيد الفطر- يجتمع المسلمون في جميع أقطار المعمورة يجتمعون لصلاة العيد، وهناك حينما يجتمعون تبرز الوحدة الإسلامية في أبهى ثيابها وكذلك في أروع صورها، وذلك لأنه يحضر ويجتمع في المصلى الصغير والكبير والعبد والذكر والأنثى وكذلك أيضًا الرئيس والمرؤوس، لا فرق بينهم، يجتمع الأسود مع الأبيض والأبيض مع الأسود على اختلاف اللغات وعلى اختلاف الألوان، وإنها لوحدة عظيمة.
هذا اليوم يوم مشهود من أيام المسلمين، يوم عيد وفرحة وسرور، يوم يغتاظ منه الكفار وأعداء الدين، إنه فرصة -عباد الله- لإزالة الضغائن والأحقاد من القلوب، فدعوا الضغائن لا تكن من شأنكم؛ لأن الضغائن والأحقاد تقضي على الأمة الإسلامية، وتوهن بناءها، وتقوض أركانها، إنهـا سبب لِمَرض القلوب وتباعدها وتنافرها، إنها -عباد الله- تنخر في جسم الأمة الإسلامية كما ينخر الدود في العظام البالية، وإذا رأيتم ما يثير الضغائن والأحقاد بين أكثر المسلمين اليوم على مستوى المجتمعات والدول والأفراد لوجدتموه اختلافًا على الدنيا وملذاتها، ووقوعًا في الفتن المتنوعة التي غزت مجتمعات المسلمين وبلادهم، من فتنة النساء إلى فتنة الأموال ونهاية بفتنة المآكل والمشارب، فوقعت الضغينة، ووقع الحقد بين أفراد الأسرة الواحدة. نسأل الله السلامة والعافية.
أيها المسلمون: ليقم كل واحد منكم بحقوق إخوانه المسلمين عليه، ومن ذلك: السلام وعيادة المريض, واتباع الجنائز وتشميت العاطس, وإجابة الدعوة وأداء الأمانة, ونشر المحبة والوئام وتحقيق التعاون على البر والتقوى، وأن يحب المرء المسلم لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، بعيدًا عن الأثرة والأنانية وحب الذات والحسد والحقد والبغضاء والغيبة والنميمة والشحناء بالأيمان الكاذبة وغيرها.
ليقم كل واحد منكم -يا عباد الله- بحقوق الوالدين، فإن حق الوالدين عظيم، قرنه الله سبحانه بحقه فقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23], كما يجب أن يؤدي المسلم واجبه تجاه أقاربه وجيرانه من حيث الصلة والبر والإحسان، وليحذر من قطيعة الرحم فإن شؤمها عظيم وضررها كبير، يحل بصاحبه العقاب العاجل قبل الآجل، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [محمد: 22، 23].
وإن مما يؤسف له أن هناك خللاً في العلاقات الاجتماعية بين كثير من الأقارب، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة؟! بل أين المروءة والإنسانية؟! وإذا كان هذا في حق الوالدين، فما بالكم بموقف هؤلاء من الأقارب والأرحام؟! .
لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظًا وحقدًا على أقاربه وذوي رحمه، فيقاطعهم بل يعاديهم، ويخاصمهم بل يقاضيهم، ويتمنى لهم الموتَ الزؤام، من أجل أمر تافهٍ حقير، يتعلَّق بحفنة من الحطام أو وشاية غِرّ لئيم أو زلة لسان أو شجار بين الأطفال، فتمرُّ الأشهر والسنوات وقلبُه يغلي عليهم، ونفسه تموج غلاً ضدّهم كما يموج البركان المكتوم، فلا يستريح إلا إذا أرغى وأزبد وآذى وأفسد، وانبلجت أساريرُه بنشر المعايب وإذاعة المثالب، وسرد القبائح وذكر الفضائح، وتلك -لعمرو الحق- من دلائل الصغار واللؤم وخسّة الطبع, وقلة المروءة لدى أقوام لا يتلذَّذون إلا بالإثارة والتشويش، ولا يرتاحون إلا بالتحريش والتهويش. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "المؤمن لا يطالب ولا يعاتب ولا يضارب".
إن غليانَ مراجل القطيعة في المجتمع لا سيما بين أبناء الأسرة وذوي الرحم والقربى وطغيان المآرب الشخصية والمصالح الذاتية أدواءٌ فتاكة إذا تمكَّنت من جسد الأمة أثخنتها، فهي مصدر كلِّ بلاء، وسبب كل عداء، ومنبع كلِّ شقاء، بل هي السلاح البتار الذي يشهره الشيطان ضدّ القلوب فيفرّقها والعلاقات فيمزِّقها، في غلياناتٍ شيطانية وهيجانات إبليسية، إن أُرخِيَ لها الزمام وأطلِق لها الخطام قضت على حاضر الأمة ودمّرت مستقبلَها، وإذا تنافر ودّ القلوب كُسِرت زجاجات التواصل، وتمكَّن الشرّ في النفوس، وعاد الناس ذئابًا مسعورةً ووحوشًا كاسرة، (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].
أمة الإسلام: ويوم أن ضعُف التديّن في قلوب كثيرين, وكثُر الجهل بالشريعة وطغت المادة ضعُفت أواصر التواصل وتعددت مظاهر القطيعة، وإلا فلا تكاد فضائل الصلة وآثارها الخيرة تخفى على العاقل اللبيب، فهي صفة أهل الإيمان، (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: 21]، وهي ثمرة من ثمار الإيمان بالله واليوم الآخر، أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -صلى الله عليه وسلم-قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه". وهي سبب للبركة في الرزق والعمر، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحبّ أن يُبسَط له في رزقه ويُنسأ له في أجله فليصل رحمه" مخرّج في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه-، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله خلق الخلقَ حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعك؟! قالت: بلى، قال: فذلك لك"، وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة قاطع"، قال سفيان: يعني: قاطع رحم. رواه البخاري ومسلم.
إن حقًا على كل قاطعِ رحم أن يبادر بالصلة -وهذا الوعيد يقرع سمعَه- قبل فوات الأوان، ولا أظنّ أن أحدًا يُعذر بعد خدمة الاتصالات الحديثة، فرحم الله عبدًا يصِل رحمه وإن قطعوه، يتعهَّدهم بالزيارة، ويتخوَّلهم بالهدية وإن جفوه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" خرجه البخاري، وعند مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عليَّ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن كنت كما قلتَ فكأنما تُسفّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
فهنيئًا لقريبٍ أعان على صلته بقبول العذر, والصفح والعفو والتغاضي عن الهفوات والتغافل عن الزلات، إن أحسنَ فلا يمنّ، وإن أعطى فلا يضِنّ، لا يعرف السباب، ولا يُكثر العتاب، فليست تدوم مودةٌ وعتابُ، يتجنَّب المراء والجدال، ويحسن الأقوالَ والفعال، يشارك أقاربَه آلامهم وآمالهم، ويشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، مفتاحٌ لكل خير، مغلاق لكل شرّ، ينصح ولا يفضح، ويستر ولا يعيِّر، وفي ذلك ذكرى للذاكرين وعبرة للمعتبرين.
هذه -عباد الله- شمس العيد قد أشرقت، فلتشرق معها شفاهكم بصدق البسمة، وقلوبكم بصفاء البهجة، ونفوسكم بالمودة والمحبة، جدّدوا أواصر الحب بين الأصدقاء، والتراحم بين الأقرباء، والتعاون بين الناس جميعًا.
في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافحون بعد انقباض، ويتصافون بعد كدر، فتكون الصلات الاجتماعية أقوى ما تكون حبًا ووفاء وإخاء.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: فأخلصوا لله توحيدكم. الصلاة الصلاة، حافظوا عليها واحفظوها، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فهي عمود الإسلام، وهي الركن العملي الأول من أركان الإسلام، فحافظوا عليها -رحمكم الله- جماعةً، وأدوها في وقتها في المسجد، واعتنوا بها، ولتكن من أهمّ أموركم، فإن علامة حب الإسلام العناية بهذه الصلوات والاهتمام بها، أدوا زكاة أموالكم، وصوموا رمضان، وحجوا البيت.
كن -أخي المسلم- داعيًا إلى الله على علم وبصيرة، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، على حكمة وعلم، صابرًا على ما أصابك. وحارس الملة والدين، وعليكم بصدق الحديث والوفاء بالعهود وإنفاذ الوعود، فإن ذلك من الإيمان الذي أمر به القرآن: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، فاحذروا السحرة والمنجمين والكهنة والعرافين، فمن حقق كمال التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
وإياكم وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
وإياكم والربا؛ فإنه يمحق البركة ويدخل صاحبه النار، قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276]، وعنه صلى الله عليه وسلم: "الربا نيف وسبعون بابًا، أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه".
وإياكم والزنا فإنه عارٌ ونارٌ، وعذاب وذلة وصغار، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]، وفي الحديث: "ما من ذنب أعظم عند الله من أن يضع الرجل نطفته في فرج حرام".
وإياكم والمسكرات والمخدرات، فإنها شرٌ ووبال، وندامة وخبال، وغضب لذي العزة والجلال. وإياكم وقول الزور وشهادة الزور، والغيبة والنميمة، وقذف المحصنات؛ فإن الله حرم ذلك بالآيات البينات.
وإياكم والمكاسب المحرمة وأموال الضعفاء والأيتام وأوقاف المسلمين، فإن ذلك ما خالط مالاً إلا أفسده، ولا دخل بيتًا إلا دمره ونكده. كم من الناس لا يتورع في الكسب الحلال، بل يلجَأ إلى ظلم النّاس بالشّتم والقذف وشهادة الزّور والضرب والقتل لِيحصّلوا على شيء من حطام الدنيا، ويعدّون تحصيل ذلك شرفًا وربحًا، وهو في الحقيقة خسّة وإفلاس وخزي وندامة يوم القيامة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المفلسَ من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار". فاقنعوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا إلى الله من المظالم والآثام.
وإياكم ومضارة المسلم، فمن ضار مسلمًا ضاره الله. واحذروا الخصومات الباطلة، فإن من ادعى ما ليس له فهو في سخط الله حتى ينزع من خصومته. واحذروا الحلف الكاذب فإنه يغمس صاحبه في جهنم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: الغزو الفكري والأخلاقي سلاحٌ فتاك استعمله أعداء الإسلام ليبعدوا المسلمين عن دينهم, وقتل الغيرة في نفوسهم ووأد الفضيلة في أمرهم، فعملوا على ذلك واستخدموا في سبيله الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، وأنتم -أيها المسلمون- في هذه الأيام أمام خطر داهم وشر قادم، له تأثيره على المسلمين عقديًا وفكريًا وخلقيًا، وذلك عن طريق ما يسمى بالبث الإعلامي المباشر والفضائيات التي علت كثيرًا من البيوت إعلانًا للفحشاء بوقاحة وإغراقًا في المجون، وتعرض تفاصيل الفحشاء في كثير من الأحيان، فلا حول ولا قوة إلا بالله، كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم لفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر وقنوات الفضاء الواسع؟! أين ذهب الحياء؟! وأين ضاعت المروءة؟! أين الغيرة من بيوت هيأت لناشئتها أجواء الفتنة، وجرتهم إلى مستنقعات التفسخ جرًا، وجلبت لهم محرضات المنكر تدفعهم إلى الإثم دفعًا وتدعُّهم إلى الفحشاء دعًّا؟!.
شباب الإسلام: أنتم أمل الأمة ورجال المستقبل، ولن تبنوا أمجادكم وتؤمنوا مستقبلكم وتقوموا بحمل الأمانة تجاه دينكم وأمتكم وبلادكم إلا بالاستقامة على دين الله, والتحلي بالصبر والمثابرة والأخلاق الكريمة, والبعد عن الرذائل والفساد والانحراف، صونوا أنفسكم -يا عباد الله- عن الملهيات والمغريات، لا تغتروا -أيها الشباب- بشبابكم وصحتكم، فالموت لا يفرق بين صغير وكبير، ولا غني وفقير، تفطنوا لمخططات أعدائكم تجاهكم، وكونوا منها على حذرٍ وحيطة.
أيها المسلمون: ربّوا أبناءكم التربية الإسلامية، فهم أمانة في أعناقكم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6]. سهّلوا أمر الزواج، وأعينوا على إفشائه، فإن ذلك من علامة الخير، تعاونوا على البر والتقوى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفره وتوبوا إليه، فيا لفوز المستغفرين، ويا لبشرى التائبين، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الغافرين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضّل على جميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليمًا.
أيها المسلمون: زينوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى"، وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله، يقول علي -رضي الله عنه-: "كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد".
وإذا غدا المصلي لصلاة العيد من طريق سُنّ له أن يرجع من طريق آخر، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق.
أيها المسلم: هذا يوم عيد فصيره عيدًا لإخوانك، ضمِّد جراح المجروحين، وامسح دمعة اليتيم، وفرّج كرب المكروبين، ويسِّر على المعسرين.
عباد الله: كما أدخلتم الفرحة والسرور في قلوبكم بهذا العيد, أدخلوا الفرحة والسرور في قلوب الأيتام الذين فقدوا آباءهم، فقدوا القلب الرحيم واليد الحانية، قد انكسرت قلوبهم بفقد آبائهم، فلا تنسوهم -عباد الله- في غمرة فرحتكم وسروركم، عوضوهم عنهم في هذا اليوم العظيم بالصلة والإحسان وإزالة ذل اليتم وقسوته من قلوبهم، اجعلوهم لا يحسّون بفقد آبائهم، فكونوا لهم آباءً وإخوانًا، فإن في ذلك أجرًا عظيمًا وعاقبة حميدة.
فعلينا -عباد الله- أن نعتدل في فرحِنا في هذا اليوم الجليل، وأن لا ينسينا الفرح بهذا اليوم إخوانًا لنا يعيشون بيننا قد عض عليهم الفقر بأنيابه، فلم يفرحوا كما فرح إخوانهم، خيّم الحزن عليهم، وعلت الكآبة وجوههم، لا يقدرون على التجمل في هذا اليوم، فلنتذكرهم -عباد الله- ونواسيهم في هذا اليوم، ونمسح دمعة الحزن التي سالت على وجناتهم، فتذكرهم في هذا اليوم من أفضل الأعمال وأرجاها عند الله، ونسعى في قضاء حوائجهم، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله, أو القائم الليل الصائم النهار" رواه البخاري، ففي الحديث: "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".
وتذكروا ببهجتكم وسروركم في هذا اليوم المبارك المعوزين والمضطهدين في بعض الأقطار من إخوانكم المسلمين، الذين تعلو وجوههم الكآبة والحزن، وترجف قلوبهم من الخوف وقلة الأمن بمطاردة أعدائهم أعداء الإسلام بالقنابل المحرقة والأسلحة الفتاكة وبالاضطهاد في دينهم وحريتهم وكرامتهم، يغتصبون بلادهم وأوطانهم، (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وهم مع ذلك صابرون مناضلون في بسالة وتضحية، فهذا شهيد، وذاك جريح، وآخر أسير، فكم أيموا النساء، ويتّموا الأطفال، وشتتوا الأسر، وفرقوا بين الأمهات وأطفالهن، فتذكروا إخوانكم في تلك البقاع، واشكروا الله على أمنكم واستقراركم، وإن من شكر النعم القيام بأمر الله والإحسان إلى أولئك المجاهدين والمضطهدين.
أيها المسلمون: اعلموا أنه ليس السعيد من تزين وتجمل للعيد فلبس الجديد، ولا من خدمته الدنيا وأتت على ما يريد، لكن السعيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاة من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم والصديد، وفاز بجنة الخلد التي لا ينقص نعيمها ولا يبيد.
واحذروا -عباد الله- احذروا عدوكم إبليس اللعين لعنه الله، فإنه كان في رمضان مقهورًا، ويريد أن يأخذ منكم بثأره فيجعل الأعمال هباءً منثورًا، فداوموا على الطاعة واجعلوه دائمًا مدحورًا، واذكروا بأنكم تدلفون وتساقون إلى آجال معدودة وأعمال محدودة، عما قليل تنقلون من هذه الدار، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وتفكروا فيمن صلى معكم في سنين خلت وأيام مضت في هذا المكان من الأقرباء والمعارف والخلان، كيف اخترمتهم المنايا، وأتاهم أمر الله، فإن ما نزل بهم ملاقيكم، وستذوقون طعم الموت وتتجرعون منه البلايا، فأحسنوا العمل، وأقصروا الأمل، تنجوا من عذاب عظيم، وتفوزوا بالنعيم المقيم.
أيتها المرأة المسلمة: وتمشيًا مع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في تخصيص موعظة للنساء فإني أقول لأخواتي المسلمات: اتقين الله -عز وجل- في أنفسكن، أطعن الله ورسوله، أطعن أزواجكن بالمعروف، كنَّ من الصالحات القانتات، احذرن الألبسة المخالفة لشرع الله التي تظهر الزينة، أو تتضمّن تشبهًا بالكافرات وتعوُّدًا على ترك الحياء وإظهار الفتنة. وتخلقي بأخلاق الإسلام، واحذري التبرج والسفور، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]، احذري أخلاق أعداء الإسلام، تمسكي بما كنت عليه من عفة وحشمة وكرامة، ومحافظةٍ على هذه الأخلاق الكريمة.
عباد الله، إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد ندبكم لصيام ستة أيام من شوال، ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر". فبادروا إلى فعل الطاعات وتسابقوا إلى الخيرات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وإذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد أن يصلي جمعة أو أن يصلي ظهرًا؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في هذا، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد، وقال: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شهد العيد فلا جمعة عليه"، ولكن لا يدع صلاة الظهر، والأفضل أن يصلي مع الناس جمعة، فإن لم يصل الجمعة صلى ظهرًا. أما الإمام فيصلي بمن حضر الجمعة إذا كانوا ثلاثة فأكثر منهم الإمام، فإن لم يحضر معه إلا واحد صليا ظهرًا.
أعاد الله عليَّ وعليكم من بركات هذا العيد، وجعلنا في القيامة من الآمنين، وحشرنا تحت لواء سيد المرسلين، عليه الصلاة من رب العالمين.
اللهم اجعل عيدنا فوزًا برضاك، واجعلنا ممن قبلتهم فأعتقت رقابهم من النار، اللهم اجعل رمضان راحلاً بذنوبنا، قد غفرت فيه سيئاتنا، ورفعت فيه درجاتنا.
ألا وصلوا -عباد الله- على خير البرية أجمعين ورسول رب العالمين نبي الهدى والرسول المجتبى، فقد أمركم مولاكم بذلك في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته المهاجرين منهم والأنصار، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم