النظافة والتجمل

داود بن أحمد العلواني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ ترغيب الإسلام في النظافة والتجمل 2/ صور من عبادات الإسلام وهي تدعو للنظافة 3/ الصحة والجمال في شرائع الإسلام 4/ فرق بين الكبر والتجمل 5/ ذم الكبر والتحذير منه

اقتباس

الإسلام رغّب في النظافة وصحة الأجسام، واعتنى بها عناية فائقة، واعتبرها من صميم رسالته، ولذلك نجد الإسلام قد جعل طهارة البدن التامة أساسًا لا بد منه لكل صلاة، وجعل الصلاة واجبة خمس مرات في اليوم والليلة، وكلّف المسلم أن يغسل جسمه كله غسلاً جيدًا في أحيان كثيرة كغسل ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي فطر الخلق على ما تستحسنه العقول السليمة، وأيّد ذلك بما أنزل على رسوله القائل في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوبِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهّرِينَ) [البقرة:222]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبلغ عن ربه: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال"، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وسلك سبيله القويم.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله، واعلموا أن دين الإسلام قد رغّب في النظافة وصحة الأجسام، واعتنى بها عناية فائقة، واعتبرها من صميم رسالته، ولذلك نجد الإسلام قد جعل طهارة البدن التامة أساسًا لا بد منه لكل صلاة، وجعل الصلاة واجبة خمس مرات في اليوم والليلة، وكلّف المسلم أن يغسل جسمه كله غسلاً جيدًا في أحيان كثيرة كغسل الجنابة والحيض والنفاس وأغسال الجمعات والأعياد وغير ذلك، ففي ذلك كله مظهر بارز للتطهر والتجمل والتزين والتنظيف.

وعندما أمر الله رسوله بالإنذار عن الشرك وتعظيم الرب أردف ذلك بتطهير الثياب قائلاً: (ياأَيُّهَا الْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ) [المدثر:1-4].

وكما اعتنى بطهارة البدن والثياب اعتنى أيضًا بنظافة الفم، ومن ذلك الأسنان، واعتبره مدعاة لرضا الله -تبارك وتعالى- فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب".

هذا، ومن احترام الإسلام للفرد والمجتمع أن نهى عن كل ما يؤذيهما من أكل وشراب في أوقات مخصوصة، فنهى مَنْ أكل ثومًا أو بصلاً أو ما شابههما من حضور المجتمعات وحَرَمَهما من واجب الجماعة في المسجد، وذلك أن نتن الأفواه من تناول هذه الأطعمة يؤذي المخاطبين وينفر ممن أكلها، فما هذا الأدب الكريم إلا صيانة عظيمة ومحمودة للمحافظة على النظافة بكل أشكالها.

وهكذا عُني الإسلام بطهارة الظاهر، وعُني عناية فائقة بطهارة الباطن.

ومن أجل ذلك أوصى الإسلام بأن يكون المرء حسن المنظر كريم الهيئة في كل حالاته، في البدن والثياب، وفي المساجد والدور ومجامع الناس، وقد ألحق هذا الخلق الكريم بآداب الصلاة فقال تعالى: (يَـابَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31]، قال بعض المفسرين: "أي: عند كل صلاة".

وكان رسول الله قدوة في ذلك، وكان يعلم المسلمين أن يعنوا بهذه الأمور ويلتزموها في شؤونهم الخاصة؛ حتى يبدو المسلم في سمته وملبسه وهيئته جميلاً مقبولاً نظيفًا، ظاهرًا وباطنًا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "من كان له شعر فليكرمه"، ولما رأى رجلاً ثائر الرأس قال: "أما يجد هذا ما يسكن به وشعره؟!".

وهكذا يحثّ المشرع على التجمل، والله -جل وعلا- جميل يحب الجمال، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يحث على ذلك.

كما كان رسول الله يلبس الثياب الحسنة النظيفة ويحبّ الأبيض منها، وكان يتطيب بالمسك والعنبر ويتبخر بهما مع التزام أدبه بالترجل والتنعل باليمين، فكان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله.

فلا تغتروا -عباد الله- بما يفعله بعض المتصوفة من لبس الثياب المرقعة والوسخة وإهمال المظاهر، وهم يظنون أن ذلك ضرب من العبادة وزهد في الدنيا، وما هو في الحقيقة إلا جهل بالدين وافتراء على تعاليمه.

عباد الله: فاتقوا الله، واعلموا أن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية، فهو يتطلب أجسامًا قوية تجري في عروقها دماء الفتوّة والبطولة، وينبعث من أفئدتها الإيمان، ومن أجل ذلك وضع كل الحواجز أمام انتشار الجراثيم، ووفّر أسباب الوقاية بما شرع من قواعد النظافة الدائمة.

ومن هذه الوقاية التي شرعها الإسلام قضاء الحاجة في أماكن معزولة حتى لا يتلوّث بها ماء ولا يتنجس بها طريق ولا مجلس، فعن جابر أن رسول الله نهى أن يبال في الماء الراكد، وشدد في ذلك بعض أهل العلم، حتى في الأماكن التي يرتادها الناس لمجالسهم وتحت الشجر الذي له ظل، وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل".

فالمسلم يلتزم ما أمره به رسول الله ولا يتهاون فيه، بل يكون موضع الاستجابة وسرعة التقيد والالتزام والتنفيذ.

فلو أن المسلمين -يا عباد الله- قد أخذوا أنفسهم بآداب الإسلام الجليلة لنجوا من غوائل الأمراض التي تنهك الأمم، ولكوَّنوا مجتمعًا طاهرًا نظيفًا في مظهره وسلوكه، كنظافته في عقيدته وسلوكه ومنهجه في ظاهره وباطنه، في سرّه وعلنه، وفي كل ما يأتي ويذر، والله المستعان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهّرِينَ) [التوبة:108].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيّه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلّم تسليمًا.

أما بعد:

فيا عباد الله: لقد صحّ أن أحد الصحابة -رضوان الله عليهم- سمع رسول الله وهو يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فقال: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".

فيا أيها المسلمون: تعاهدوا أنفسكم بتحسين مظاهركم إلى جانب تحسين بواطنكم، فاعتنوا بنظافة ثيابكم وأجسادكم، ولا تؤذوا الناس بالفضلات والروائح الكريهة، فإن كل التطهر والتطيب والتزين من الجمال الذي يحبه الله تعالى، وليس من الكبر في شيء، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: خرجنا مع رسول الله في غزوة بني أنمار، قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله: هلمّ إلى الظل، قال: فنزل رسول الله فقمت إلى غرارة لنا، فالتمست فيها شيئًا فوجدت فيها جرو قثاء، فكسرته ثم قربته إلى رسول الله فقال: "من أين لكم هذا؟!"، قال: فقلت: خرجنا به -يا رسول الله- من المدينة، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا، قال: فجهّزته، ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خَلقا، قال: فنظر رسول الله إليه فقال: "أما له ثوبان غير هذين؟!"، فقلت: بلى يا رسول الله، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما، قال: "فادعه فمره فليلبسهما"، قال: فدعوته فلبسهما، ثم ولى يذهب، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما له ضرب الله عنقه، أليس هذا خيرًا له؟!"، قال: فسمعه الرجل، فقال: يا رسول الله: في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "في سبيل الله"، قال: فقتل الرجل في سبيل الله.

عباد الله: هذا رجل ممن أذهلته المعايش عن العناية بشأنه الخاص، ولكن رسول الله ومعلم الناس الخير بيّن لنا في هذا الحديث الشريف أنه مهما تكاثرت الأشغال والمتاعب فلا ينبغي أن ينسى الإنسان الاهتمام اللائق بمظهره دون إسراف ولا مخيلة ولا كبر ولا غطرسة ولا تعالٍ على عباد الله، كتطويل الملابس أسفل من الكعبين كبرًا وخيلاء، فقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "ما أسفل من الكعبين فهو في النار".

وعلى المسلم أن يتحلّى بالتواضع والبعد عن الكبر، فقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- أنه قال: "الكبر ردائي، والعزة إزاري، فمن نازعني فيهما قصمته"، أي: أهلكته وأبدته، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وآل وسلم- أنه قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة خردل من كبر".

فالمسلم العاقل يبعد عن الكبر وخصاله، ويثوب إلى رشده، ولا ينازع ربه الذي خلقه وأوجده من العدم وأبرزه إلى حيز الوجود المشاهَد في صفة من صفاته -جلّ وعلا-، يتّصف المسلم حقًّا بما أرشده إليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من خفض الجناح والتواضع ليزداد رفعة عند خالقه ثم عند خلقه كما قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من تواضع لله رفعه"، وفي رواية قال: "ما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًّا". اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، إنك جواد كريم.

وقد استجاب الرجل لنصح رسول الله وسُرَّ بمداعبة رسول الله له، فكان ما تمناه له رسول الله وما تمناه لنفسه من الاستشهاد في سبيل الله -جل وعلا-.

جعلني الله وإياكم من التوابين ومن المتطهرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

 

 

 

المرفقات

في الإسلام1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات