عناصر الخطبة
1/ منزلة أهل العفة 2/ شؤم شيوع الفواحش 3/ نماذج لشباب عفيف 4/ أمور للتحصين من الشهوات وطوفان الغزائز 5/ تعاون أفراد المجتمع لإحياء روح العفاف 6/ تأثير المفسدين التغريبيين على المجتمع 7/ فشل جميع نماذج التحرر والانفتاح 8/ دور الفرد في إشاعة العفاف والطهراقتباس
في زمن فشت فيه الشهوات ومثيراتها، وتعددت وسائل عرضها، وتنوعت مصادر طرحها وتولت القنوات ومواقع الإنترنت مهمةَ الإغراء والإثارة، وشارك الجوال والإذاعة والجريدة والمجلة في المهمة، وأصبح البعض -أينما ذهب- تُعرض عليه الشهوات، وإن سلم من مقارفتها ربما لم يسلم من نظرٍ إليها أو سماع وحديث بها، وأصبح شكوى ..
الحمد لله ذي المن والكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسبغ النعم، ودافع النقم، الحمد لله على الغيث والقطر، وتتابع النعم ونزول المطر، لك الحمد على إنزال الغيث والقطر، لك الحمد إذ لم تجعل ماءنا غورًا، ولم تحبّس عنّا من السماء قطرًا، لك الحمد إذ أغثت البلاد؛ ونسألك أن تغيث القلوب إيمانًا وتقوى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق طُرًّا، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-.
عباد الله: حينما تزول موانع المعصية، ويتيسر الحرام، ويُدعى الشاب إلى الفاحشة، أو تتهيأ له أسبابها، فهناك يتبيّن المؤمن حقًّا، الذي يراقب الله ويخشى عقابه.
وحديثنا اليوم هو تتمةٌ لأحاديث المستظلين بظل العرش، وهو عن رجل قدر على الحرام؛ بل دُعي إليه، وتهيّأت له الأسباب لمقارفته، ولكنه حينها ما ردّه حياء من الناس، ولا خوفُ مرض أو فضيحة؛ بل ردّه الخوف من الله: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال؛ فقال: إني أخاف الله رب العالمين".
عباد الله: في زمن فشت فيه الشهوات ومثيراتها، وتعددت وسائل عرضها، وتنوعت مصادر طرحها وتولت القنوات ومواقع الإنترنت مهمةَ الإغراء والإثارة، وشارك الجوال والإذاعة والجريدة والمجلة في المهمة، وأصبح البعض -أينما ذهب- تُعرض عليه الشهوات، وإن سلم من مقارفتها ربما لم يسلم من نظرٍ إليها أو سماع وحديث بها، وأصبح شكوى الكثير من الشباب ودعواهم: كيف النجاة من لظى الشهوات؟! فطرق الزواج لدى الكثير عسيرة، والمغريات كثيرة، وضحايا الشهوات وصرعاها كثير؛ فهل ثمة مخرج للسلامة؟!
وتجاه هذا الموضوع فلا بد من الحديث عن التحصين ضد الشهوات، والتذكير بما لأهل العفة من الخيرات والدرجات العاليات.
عباد الله: الغريزة نعمة من الله للعباد كي يبقى الجنس البشري، وقد حدّد الله لها مخرجًا مباحًا؛ بل وله فيه أجر! "وفي بضع أحدكم صدقة"، والخطر يكمن بالفرد وبالمجتمعات أيضًا يوم أن يُحاد بهذه الغريزة إلى ما حرم الله، وحينها لا تسل عن الفساد والخراب بالعباد والبلاد!!
ونظرةٌ في واقع مجتمعات الانحلال اليوم تبيّن لك شؤمَ شيوع الفواحش، أولاد لم تُعرف أنسابها، وجرائم أعراضٍ تعددت صورها، وأمراضٌ حارَ الطب في علاجها وقعت عقوبةً من الله على العباد يوم أن لم يرعوا حق الله في هذه الغريزة، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤكد ذلك، وفي الحديث المشهور: "ولم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوها إلا ابتلوا بالأوجاع والأمراض التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا".
وليس بين الله وبين أهل بلد نسب، وبلادنا التي ظلت عقودًا سالمة من هذه الأمراض أصبحت الإحصائيات اليوم تبيّن وجود عدد ليس بالقليل من هذه الحالات؛ فنسأل الله العافية لجميع المسلمين.
معاشر الكرام: الناس يتمايزون ويتفاوتون عند الترفّع عن الشهوات المحرمة أو الولوغ في مستنقعات الفاحشة، والرجل حقًّا هو الذي تعالى عن شهوة محرمة وعصم نفسه من لذة عابرة آثمة، لا لخوف مرض ولا فضيحة؛ بل خوفًا وحياءً من رب الجِنة والناس، من الله تعالى.
ومن ذا الذي ينسى خبرَ يوسف -عليه السلام-؟! إذ دعته المرأة وتهيأت له وطلبته بعدما أحكمت الأبواب، وهو شاب غريب، وخادم في قعر البيت، بعيدٌ عن التهمة؛ ومع كل هذا يقول لمن دعته: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23].
وفي خبر الذين انطبقت عليهم الصخرة عبرة، إذ كان منهم من عف عمن قدر عليها خوفًا من الله.
إن هؤلاء بشر، ولهم من الدوافع والشهوة ما لغيرهم، ولكن ألجموا أنفسهم بلجامٍ ما أحوجنا إلى إحيائه في قلوب الشباب! في وقتٍ صار البعض يبحث عن تفريغ شهوته ولو في الحرام، في بلاده وربما خارج بلاده!!
إنه لجام "إني أخاف الله"، لجامٌ وحصن يكون مع العبد أينما توجه، ولو غاب عن أعين الخلائق؛ لأنه يراقب فيه الخالق.
أيها المبارك: وأنت تواجه طوفان استثارة الغرائز، والشيطان ربما يذكي فيك الوقوع في الحرام مقارفةً أو نظرًا أو غيرَ ذلك؛ فضع نصب العين أمورًا:
تذكر ما أعد الله لمن عفّ عن الحرام، "مَن يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة".
وتذكر في مقابل ذلك ما أعد الله لمن وقع في الحرام في الدنيا من مرض وهمٍّ، وعقوبات وغم، وعذاب في القبر وفي الآخرة؛ فأي نفس تتحمل كل هذا وتؤْثرُ لذة عابرة وشهوة آثمة عاقبتها سخط الله ونارٌ حامية، على جنة عالية؟!
وتذكر أن اللاهث وراء الشهوات إنما يلهث وراء أمرٍ لن يبلغه، وهو كشارب ماء البحر لا يحقق مراده ولا يشفي غليله، لو نال نساء الدنيا وبقيت واحدة لأوهمه الشيطان أنها خير منهن!!
وتذكر همًّا يعقب المعصية، وضيقًا يحل بالقلب حين تنقضي اللذة، وندامة في القلب وملامة.
تفنَى اللَّذاذةُ ممَّنْ نالَ صفْوَتَهَا *** مِن الحرامِ ويبقى الوِزْرُ والعارُ
تبقَى عواقبُ سُوءٍ في مَغَبَّتِهَا *** لا خيرَ في لَذَّةٍ مِن بعدها النارُ
وتذكّر يا من تهيأَتْ له الشهوة المحرمة أقوامًا في أسنانك سكنوا اليوم القبور، وارتهنوا بأعمالهم، فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة، فجدّ اليوم، واهجر اللهو قبل أن تلحق بهم وتجاورهم في مساكنهم.
وكم من امرئ قُبض وهو يقارف الحرام، أو هو مصرّ على الآثام، ليلقى الله كذلك! ومن مات على شيء بُعث عليه، فقل لي بربك: هل ترضى أن تموت كذلك؟!
وتذكر يوم أن يزينَ لك الشيطان قضاء الشهوة بالحرام أن من ورائك أهلاً ومحارم، فاحفظ الله في نفسك يحفظْك في أهلك ومحارمك. وإذا كنت لا ترضى هذا المنكر لأهل بيتك؛ فكيف ترضاه لمسلم غافل؟!
في مجلس نبوي التفّ فيه الصحابة بالمصطفى -صلى الله عليه وسلم- جاء شاب يتخطى الصفوف حتى وقف بين يدي أرحم الخلق -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا رسول الله: ائذن لي في الزنا، فضج المجلس مستنكرًا مطلبه، فأدناه الرسول -عليه الصلاة والسلام- إليه، وسعى في إقناعه قائلاً: "أترضاه لأمك؟! لأختك؟! لعمتك؟!"، وفي كل مرة يقول الشاب: لا -جعلني الله فداءك-، والنبي الرحيم يقول: "ولا الناس يرضونه". فمضى الشاب وقد زال ما في قلبه.
وما أحوجنا إلى الأخذ بأيدي شبابنا والرفق بهم ومناصحتهم؛ ليكون تركهم للرذائل عن قناعة، وليستأصل المربي جذور الدافع للمحرم بدلاً من التخويف الآني أو الردع الوقتي، فتلك وسائل قلت اليوم جدواها.
أقول ما سمعتم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أيها المسلمون: إذا كان شيوع الفواحش ضرره ليس خاصًّا بصاحبه بل على المجتمع بأسره، فلا بد أن يتعاون جميع أفراد المجتمع لإحياء روح العفاف والطهر، والقضاء على كل مظهر قد يساعد على نشر الفواحش.
إن الشاب حين يريد العفاف ينتظر من المجتمع أن يعينه على نفسه، وكم ترى من الأولياء من يفرط في الأمانة ويضيع من تحت يده من نساء وبنات، فيجرؤ عليهن من ضعف إيمانه، فالبراري هذه الأيام، وإن كنا نرى فيها صورًا رائعة من الستر، إلا أن تلك الأماكن تشهد فئة من الأولياء قد عرّضوا بناتهم لسرّاق الأعراض، وبدافع الغفلة أو التساهل ربما رأيت البعض من البنات يركبن الدراجات النارية بمرأى من الشباب، أو تتنقل الواحدة منهن على قدميها، ولربما نأت بها الخطا، وتعرض لها أهل الردى، ولربما تساءلْتَ وأنت ترى ذلك: أين القوامون على النساء؟!
ما أعظم تبعتك -أيها الولي-! فأنت المسؤول عن التقصير، والمثاب عند الإحسان، وكل منا يسعى للإحسان؛ فكن قائمًا بحق الأولاد، مبعدًا لهم عما يثير الغرائز ويؤجج الشهوات، غارسًا في نفوسهم كريم الخصال، مربيًا لهم على رقابة الله المتعال، محصنًا طباعهم عن كل وسيلة تلج عليهم الشرور من طريقها.
وللمدرسين دور في إحياء العفاف؛ بتوعية الطلاب، وربطهم بقدوات العفاف، وعليهم دور في الرقابة والتوجيه.
وعلى أهل الحسبة -وكلنا أهل حسبة- دور في الأخذ على يد كل عابث وردعه، وعلى إحياء الحشمة والستر في النساء، فذاك مما يساعد على عفاف المجتمع وطهره.
أيها المسلمون: وإذا كان أهل الفضل يطلبون العفاف؛ فإن ثمة فئامًا يطلبون للمجتمع الانحراف، قومٌ قال عنهم الله تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27]، ولقد بليت مجتمعات المسلمين بمن يسعون لهذا، وربما يشرعون له.
يُصادمُ سعيَ بعضِ الشباب الساعي للعفافِ اختلاطُ الرجال بالنساء في مجالاتٍ عدة، وما عمل المرأة في أماكن وأسواقٍ مختلطة إلا واحدٌ من هذه المجالات، فلا هي استقلت عن الرجال، ولا هي كفت النساء تجشم الشراء من الرجال، وما زلنا نرى آثار هذا الأمر الذي ما روعي فيه حق الله ولا حق الناس، فلا الشرع يرضاه، ولا الناس تريده؛ لكنه بوابة لشرور تمرر من بعده.
وفي آخر الأخبار التي طالعنا بها الإعلام هذا الأسبوع خبران:
الأول: الهيئة تقبض على ثلاثة بائعين مع ثلاث بائعات في أحد المجمعات، في أوضاع مخلة!
والثاني: الهيئة توقف عاملاً عربيًا يلاحق فتاة عاملة وضحكاتهم تتعالى في أحد المجمعات، وحين أوقفا قالت: هو مثل والدي! وقال هو: أعدها كابنتي!!
لم أحب أن أكدر الأسماع بمثل هذه الأخبار؛ لكنها صارت تحكي واقعًا! والقادم -إن لم يحتسب المصلحون؛ بل إن لم يتضافر الجميع على إنكار هذه الأمور- القادم لا يعلمه إلا الله، والاحتساب جزء من دور المجتمع لإعانة من يقول للفتنة: إني أخاف الله.
لقد جربت -أيها الكرام- مجتمعاتُ الشرق والغرب الانفتاح والتحرر، وخرجت النساء عندهم بلا قيود، وعملن في كل المجالات، ودخلن كل المجالس، فما جنوا من ذلك إلا اختلال الأمن وشيوع الفواحش، والإحصائيات على ذلك شاهدة. فما بال بعض بني قومنا يريدون لمجتمعنا أن يلحق بركب تلك المجتمعات في أسوأ ما فشلوا فيه، وهو الأخلاق؟!
إن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].
وإذا كان الذين يتبعون الشهوات يريدون منا ومن مجتمعنا أن يميل ميلاً عظيمًا؛ فإننا مجتمع له دين يطالب المرأة بالستر ليحفظها، ويصون عرضها؛ فماذا بقي من الستر ومن الحياء إذا خرجت المرأة من بيتها لتلعب في دوري كرة، أو لتحضر مباراة، أو لتخالط الرجال في المحال، أو ليدرّسها رجل في جامعة يكون معها في قاعة واحدة؟!
إن مجتمعنا يرفض مثل هذه الصور، لكن الرفض حين يبقى حبيس الفؤاد قد لا يغير شيئًا، فقافلة الشر تسير، ولن يوقفها إلا الاحتساب ضدها، عبر كل طريقة مشروعة؛ وإن المجتمعات العربية التي جربت الاختلاط قد بدأت تعود للحجاب والاحتشام؛ فهل يليق بنا أن نسلك الطريق الذي سلكوه بعدما لفظوه؟!
وأخيرًا -معاشر الكرام- فلنعلم جميعًا أن لكل واحد منا دورًا في إحياء العفاف في المجتمع، أو في نشر الفاحشة فيه، وحينما تُعِفُّ نفسَك فلا تقارفُ محرمًا، ولا تنشرُ ما فيه إشاعةٌ للفاحشة، ولا تتحدث بالفحش بما يثير الغرائز، وتصونُ أهل بيتك من أبناء وبنات، وتربيهم على العفاف، وتقطع الصلة بكل ما يشيع الفاحشة من أماكن وقنوات وآلات؛ فبهذا يشيع العفاف في المجتمع، وننأى بشبابنا وفتياتنا عن الوقوع في مستنقع الشر.
عصمنا الله وإياكم من كل منكر وبلاء...
المستظلون بظل العرش (1) إمام عادل
المستظلون بظل العرش (2) شاب نشأ في عبادة الله
المستظلون بظل العرش (3) رجل قلبه معلق بالمساجد
المستظلون بظل العرش (4) ورجلان تحابا في الله
المستظلون بظل العرش (6) ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
المستظلون بظل العرش (7) رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم