من ليتامى المسلمين؟!

عبد الرحمن بن أحمد علوش مدخلي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ ديننا دين الرحمة والتكافل والتعاضد والتناصر 2/ تقاعس كثير من المسلمين لمصائب وكوارث حلّت بإخوانهم 3/ الدور الفعال للمنظمات التنصيرية تجاه ما حلَّ بإخواننا المسلمين 4/ فضل رعاية الأيتام في الإسلام 5/ نداء للموسرين من المسلمين

اقتباس

وإن من أعظم المصائب -يا عباد الله- التي تكون جراء هذه المصائب أن تخلف أعدادًا كبيرة من أيتام المسلمين الذين فقدوا المعين والناصر، الذين فقدوا الأب الذي يكفلهم والأم التي تحضنهم، فتنقلوا هنا وهناك فلم يجدوا إلا منظمة نصرانية أو مبشرًا يرفع لواء التنصير مع الغذاء والكساء والبيت ..

 

 

 

 

أما بعد:

أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70، 71].

عباد الله: هذا الدين العظيم الذي مَنَّ الله به على المؤمنين، دين الرحمة والتكافل والتعاضد والتناصر، هذا الدين العظيم الذي سعدت به البشرية وما زالت تسعد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، غرس في قلوب المؤمنين مبدأ التراحم والتناصر والإحساس ببنية الجسد الواحد: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاضدهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه مسلم وأحمد.

أيها المؤمنون: إن مصائب الحياة كثيرة، وإن تقلبات الزمان متعددة، وإن الناس قد يُبتلى بعضهم بالأمراض والمصائب والنكبات، ابتلاءً وامتحانًا واختبارًا، بيد أن هذه الابتلاءات والامتحانات في مجتمعات المسلمين لا تكون مؤثرة؛ لأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويقوم بمذمتهم أدناهم، فيقف المسلم مع أخيه المسلم في مصابه، ويقف معه في حاجته، ويقف معه في همه وغمه، فيرفع عنه البلاء، ويواسي اليتيم والمسكين، ولهذا عاش المسلمون ردحًا من الزمن -يوم أن كانوا ملتزمين بمنهج الإسلام- لا يحسون بالآلام ولا بالمصائب، بل وصل الأمر بهم في بعض الأعصار أن ينادى على المساكين والفقراء لتدفع لهم الزكاة فلا يجدون يتيمًا أو مسكينًا، ولا يجدون محتاجًا؛ لأن الجميع قد تكافلوا وتناصروا، وقام كل منهم بواجبه الذي يسأله الله تعالى عنه يوم القيامة.

إن المعاناة والمصائب التي يتجرعها إخوانكم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصى، فما من بلد من بلاد المسلمين -إلا ما ندر- إلا وفيه مأساة، إلا وفيه يتيم، إلا وفيه فقير، إلا وفيه مشرد، إلا وفيه محتاج لإخوانه المسلمين لكي يقفوا معه في مصابه، لكي يقفوا معه في مصيبته، لكي يقفوا معه في شدته.

إنه لمن المحزن -يا عباد الله- أن نرى هنا وهناك في بلاد المسلمين التي ابتليت بالمصائب والنكبات، نجد تقاعس المسلمين عن الوقوف مع مصائب إخوانهم، في الوقت الذي نجد فيه حملات النصارى والمنصرين والمبشرين وأصحاب الأفكار الهدامة يأتون لينقلوا لإخواننا المسلمين الرِّدة، ولينقلوا لهم الكفر البواح، ولينقلوا لهم النصرانية والتنصير والمبادئ الهدامة مع المساعدات.

نصحوا علـى أصوات ألف مبشّر *** عزفوا لنا ألْحانَهم فأجـادوا
جـاؤوا وسيف الجوع يخلع غمده *** فشدوا بألحان الغذاء وشادوا
أمـا دعــاة المسلميـن فهمّهم *** أن تكثر الأمـوال والأولاد

أيها المؤمنون: إن ما يحدث في بعض بلاد المسلمين هنا وهناك من جراء النكبات والمصائب، ومن جراء الحروب والويلات، ومن جراء الغرق والهدم، ومن جراء الزلازل والمصائب، كل هذه المصائب خلفت مآسي عظيمة لا يعرفها إلا من وقف عليها.

وإن من أعظم المصائب -يا عباد الله- التي تكون جراء هذه المصائب أن تخلف أعدادًا كبيرة من أيتام المسلمين الذين فقدوا المعين والناصر، الذين فقدوا الأب الذي يكفلهم والأم التي تحضنهم، فتنقلوا هنا وهناك فلم يجدوا إلا منظمة نصرانية أو مبشرًا يرفع لواء التنصير مع الغذاء والكساء والبيت، لينتقل بعد ذلك هذا الطفل المسلم الذي نشأ بين أبوين مسلمين كتب الله عليهما الوفاة بسبب هذه المصيبة من تدمير أو حرق أو جائحة، لينشأ عبد الله وإبراهيم ويسمى في هذه المنظمة بعد سنوات عدة بولس وميخائيل، فينشر التنصير في مجتمعات المسلمين، إنها مصيبة يا عباد الله، إنها مصيبة أيها المسلمون.

لقد حثّ الإسلام على رعاية الأيتام وعلى الوقوف معهم وعلى مناصرتهم وعلى مد يد العون لهم، ورتّب على ذلك أجرًا عظيمًا جِدّ عظيم، يوم أن يقف المسلم مع يتيم فقد الناصر والمعين، يقوم هذا الرجل المسلم من مشرق الأرض أو مغربها فيكون أبًا لهذا اليتيم، يكون ناصرًا لهذا اليتيم، يكون معينًا لهذا المسكين، فيقف معه في مصيبته وينسيه هذه الجائحة الذي بُلي بها بتقدير الله -سبحانه وتعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة:220]، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) [الإنسان:8، 9].

ويكفي في فضل كفالة اليتيم -يا عباد الله- أن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- خير من وطئت الأرضَ قدماه محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما. رواه البخاري. محمد -صلى الله عليه وسلم- خير خلق الله قاطبة، أعظم الناس منزلة يوم القيامة، يكون كافل اليتيم معه في الجنة، أي أجر أعظم من هذا الأجر؟! وأي منزلة ودرجة يصلها كافل اليتيم أعظم من هذه المنزلة وهذه الدرجة أن يكون رفيقًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- في الجنة!!

وروي في سنن الترمذي وفيه ضعف: "من قبض يتيمًا من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله أوجب الله له الجنة البتة، إلا أن يعمل عملاً لا يغفر له"، وهو الشرك بالله تعالى. وفي معجم الطبراني الكبير بإسناد صححه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتحب أن يلين قلبك وأن تدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح المسكين، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قبلك وتدرك حاجتك". وفي سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأي مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم".

أيها المسلمون: هذه فضائل عظيمة يبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليزرع بين المسلمين مبدأ التراحم والتكافل والتعاضد والإحساس بمآسي المسلمين وجراحهم، وأن يستشعر المسلم ما يعانيه إخوانه المسلمون هنا وهناك بسبب أقدار الله تعالى.

إن الأنانية وحب الذات آفة قاتلة، إذا ابتُلي بها المسلم ذهب عنه الخير وزاد شره، وأصبح إنسانًا لا يفكر إلا بنفسه ولا يفكر بإخوانه المسلمين، بل ينظر إلى الضعفاء والمساكين كأنهم قذى في عينه، لا يحس بمصابهم ولا يحس بآلامهم ولا يحس بجراحهم، ونسي هذا الضعيف، نسي هذا المسكين، نسي هذا المتجبر أن تقلبات الزمان ربما تكون في يوم من الأيام عليه؛ فإن السنن لا تتبدل، وإن دوام الحال من المحال، فكم من غني أصبح فقيرًا، وكم من رجل كان في سعة من العيش أصبح محتاجًا، والتاريخ خير شاهد لنا، في التاريخ أمثلة وأمثلة ولا أظن أحدًا منكم يجهل مثلاً هنا أو هناك لرجل كان ذا مال وكان ذا سعة وكان ذا منزلة عظيمة، ثم تقلب به الزمان فأصبح فقيرًا محتاجًا.

أيها المسلمون: إن أبناءً لكم قد فقدوا حنان الأم وعطف الأب، ينادونكم من داخل كنائس النصارى وبِيَعِ اليهود، ينادونكم ليقدم كل منكم ما يستطيع عبر هيئات الإغاثة وعبر المؤسسات الرسمية، ليقدم خيرًا ولو يسيرًا لإخوانه المسلمين هنا وهناك، وبحمد الله تعالى أننا في هذا البلد المبارك نجد مؤسسات خيرية تقدم لك المعونة وتساعدك وتقف معك، لتدفع مساعدة لإخوانك المسلمين هنا أو هناك، هيئات الإغاثة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الجمعيات الخيرية، جمعيات البر وما أكثرها لمن أراد أن يواسي إخوانه المسلمين هنا أوهناك.

إن إخوانكم يرسلون لكم صيحات وآهات، صيحات استغاثة في هذا الزمان المدلهم، في هذا الزمان الصعب الذي تآمر فيه أعداء المسلمين على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أطفال وأيتام يرسلون الصيحات فيقول أحدهم لإخوانه المسلمين:

أنا الطفل المعذب أنقذونِي *** خذونِي أسعفـونِي أطعمونِي
ألاقي الموت حينًا بعد حين *** وآهـاتي تزيـد مـع الأنين
أنا طفل يتيـم فِي العراء *** فبيتي خيـمتي ثوبِي غطـائي
تنام العيْن فِي وقت المساء *** وحتى الفجر ما تغفو عيـوني
عذائي خبز عيش في قمامة *** رجاء العيش في أرض الكرامة
إلام الضعف يا قومي إلامَ *** سئمنا العيـش في ذل وهون
أبِي قد ذاق ألوان العذاب *** وأختي سبيـة عنـد الكلاب
وأمـي مزقوها بالحـراب *** وباقي الأهل في تلك السجون
أخي في كل مملكة غنيـة *** بدمع العيْن أهديـك التحية
فلا تجعلني في القلب نسيّة *** فأهل الْمال من قومي نسونِي

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [البقرة:215].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". رواه أبو داود وصححه الألباني.

هل تعلمون -يا رعاكم الله- أن عدد يتامى المسلمين قبل عشر سنوات من إحصائية رسمية يزيد عن خمسة ملايين يتيم، وأن الذين تكفلهم الهيئات الإسلامية فقط من هذا العدد الكبير لا يصل إلى عشرة بالمائة فقط، وتسعون بالمائة من أيتام المسلمين تكفلهم المنظمات التنصيرية؟! المنظمات اليهودية تذهب بهم إلى الدول النصرانية ليعودوا منصَّرين يا عباد الله.

في إحصائية رسمية كان عدد النصارى في قارة إفريقيا عام 1900م مليون مسيحي، وبلغ عددهم الآن ما يقارب مائة مليون نصراني، زاد العدد تسعة وتسعين مليونًا بسبب التنصير، بسبب ما تفعله المنظمات التنصيرية، بسبب ما يعانيه المسلمون هناك من جراء تغافل المسلمين. لو أن كل مسلم كفل يتيمًا واحدًا فقط من طعامه وشرابه عن طريق هذه الهيئات الإسلامية، ترسل له الطعام والشراب بمبلغ لا يزيد عن مائة ريال في الشهر في كفالة يتيم واحد، فتبقيه مسلمًا يعبد الله -سبحانه وتعالى- بدل أن يضطر فيبدل دينه، ويكون داعية إلى النصرانية والعياذ بالله تعالى.

أخي الحبيب: لن أذهب بك بعيدًا؛ هل علمت أن عدد اليتامى في هذه المحافظة فقط بإحصائية الجمعية الخيرية أكثر من خمسمائة يتيم؟! في هذه المحافظة لا يجدون معينًا ولا ناصرًا، فمن يكفلهم؟! من يقف معهم؟! أتريدون أن يضطر هؤلاء اليتامى لبيع القات، لبيع المخدرات، للتسول وهم من أبناء جلدتنا ولا يقف أحدنا مع هؤلاء اليتامى؟! إن الوقوف مع هؤلاء اليتامى تحقيق لمبدأ التناصر، لمبدأ التعاضد، لمبدأ التكافل، لمبدأ الإحساس ببنية الجسد الواحد: "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا". لو أن كل أسرة من الأسر كفلت يتيمًا واحدًا لما رأينا أيتامًا يا عباد الله، إنها مأساة الأمة، ينبغي أن نتكاتف وأن نتناصر وأن نتعاضد، وأن نحس بأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويقوم بذمتهم أدناهم، وأن المسلمين بنيان واحد، ونحقق مبدأ التعاون الذي فرضه الله علينا في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].

ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد...
 

 

 

 

 

المرفقات

ليتامى المسلمين؟!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات