اقتباس
لم يحدد الإسلام مقدار المهر ونوعيته ، لتباين الناس واختلاف مستوياتهم وبلدانهم وعاداتهم، ولكن الاتجاه العام في الشريعة الإسلامية يميل نحو التقليل فيه، فذاك أقرب لروح الدين، فيكون حسب القدرة وحسب التفاهم والاتفاق؛ فالواجب على...
رغب الإسلام في الزواج وحث عليه، وبين فضله والحكمة منه، بل وأرشد في القرآن الكريم مكانة سنة الزواج العظيمة، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]، وحث على تخفيف المهور والتيسير فيها.
إلا أن عقبات كثيرة أعاقت الراغبين عن القيام بهذه السنَّة المباركة وجعلتهم يحجمون عن تحقيقها، وكان من أبرز العقبات التي تقف أمام الشباب اللذين ينشدون العفاف وإكمال نصف الدين هي المغالاة في المهور والمفاخرة في ذلك.
حيث بالغ الكثير من أولياء الأمور في مهور بناتهم طمعهم في المال وجمعه وكذا وجهلهم بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد روي عنه أنه قال: "أقلهن بركة أكثرهن مهراً"، وجاء في سنته -صلى الله عليه وسلم- استحباب تخفيض مهر المرأة، وتيسير صداقها، وخير الصداق أيسره، وكثرة الصداق قد يكون سبباً في بُغض الزوج لزوجته، ويحرم إذا بلغ حد الإسراف والمباهاة وأثقل كاهل الزوج بالديون وأحوجه للمسألة.
لم يحدد الإسلام مقدار المهر ونوعيته، لتباين الناس واختلاف مستوياتهم وبلدانهم وعاداتهم، ولكن الاتجاه العام في الشريعة الإسلامية يميل نحو التقليل فيه، فذاك أقرب لروح الدين، فيكون حسب القدرة وحسب التفاهم والاتفاق.
المهر ليس ثمن للمرأة، أو ثمن لجمالها، أو للاستمتاع بها، أو ما يعتقده بعض العامة أنه قيمة لها؛ بل الحق أن المهر عطية من الله للمرأة، وهو حق لها تتصرف فيه كيف شاءت، قال الله: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)[النساء:4].
والناظر إلى فعل النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثني عشرة أوقيه"(صححه الألباني).
كذلك هو الحال عند سلف الأمة وأخيارها من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم كانوا يتبعون هدي النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- في تخفيف المهور ولا يغالون في ذلك، وقد صح عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنه تزوج بوزن نواة من ذهب، كما جاء ذلك من حديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف ردعُ زعفران، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مهيم" أي مالك ؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة. قال: "ما أصدقتها"؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: "أولم ولو بشاة".
إخوة الإيمان: حرص الإسلام على إقامة الحياة الزوجية الهانئة، وبين عوامل الحصول عليها، ولم يذكر منها سوى الدين والخلق، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد" قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دين وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات.
فالواجب على المسلم تيسير الزواج وتسهيله، والرغبة في دين الخاطب وخلقه دون ماله؛ لأن المال عرض زائل وعارية مستردة، والبقاء للدين، فاحرصوا أيها المسلمون -رحمني الله وإياكم- على التيسير في المهور، والبعد عن الإسراف والتبذير، واحرصوا على ما ترضون به ربكم وتسعدون به في حياتكم.
وفي الأخير -أخي الخطيب المبارك- لقد اخترنا لك عددا من الخطب التي تبين رغبة الإسلام في تيسير المهور وتقليلها، وتحث على متابعة سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- والإقتداء بفعله وبصحابته الأعلام -رضوان الله عليهم- لتذكر بها عامة المسلمين.
نسأل الله أن يهدينا سبل السلام، وأن يوفقنا لما فيه صلاحنا في الدارين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم