حكم الإسلام في الطيرة والتشاؤم – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

من معالم الحنيفية والملة المحمدية: تسليم العبد بأقدار الله –تعالى-، والرضا بحكمه، والتوكل عليه وحده، وهجر كل معبود أو مطاع، حجرًا كان أو بشرًا، وقطع تعلق القلب عن كل ما سوى الله –تعالى-، وأن يعلم العبد أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن كل...

من معالم الحنيفية والملة المحمدية: تسليم العبد بأقدار الله –تعالى-، والرضا بحكمه، والتوكل عليه وحده، وهجر كل معبود أو مطاع، حجرًا كان أو بشرًا، وقطع تعلق القلب عن كل ما سوى الله –تعالى-، وأن يعلم العبد أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن كل ما سوى الله مخلوق مربوب لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.  

 

ويقين المسلم بذلك يجعله مطمئن القلب بقضاء الله وقدره، واثق في حكمة الله في تعجيل الأمور وتأخيرها، فلا تطمع نفسه إلى غيب أخفاه الله عنه لحِكَم عديدة، ولا يلجأ لغير الله طالبًا عونًا، بل يكون توكله واعتماده وثقته ورجاؤه كلها في الله رب العالمين.  

 

ومن الأمراض التي تطعن في العقيدة: التشاؤم، وقد جاء الإسلام ليقضي على صور الطيرة والتشاؤم، وليعلم الناس أن الضار النافع هو الله، وأن الأمور كلها بيد الله -سبحانه وتعالى-، فهم لا يتشاءمون بمكان ولا بزمان؛ لأنهم يعلمون أن خالق الزمان والمكان هو الله، وأن الذي يدبر أمر الزمان والمكان هو الله، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ([آل عمران: 154]، فلا يدبر الأمرَ نبي، ولا يدبر الأمورَ وليّ، ولا يدبر الأمور إلا الملك العليّ، -سبحانه- كما في حديث ابن عباس –رضوان الله عليهما-: "يا غلام! إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"(سنن الترمذي 2516، وصححه الألباني).  

 

وقد كثرت صور التشاؤم في عصرنا الحديث، وصار الناس يتشاءمون بأيام معينة أو ساعات محددة، أو أعداد معينة مما لا ينقضي منه العجب. فـ"الرافضة يكرهون التكلم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون عشرة حتى البناء لا يبنون على عشرة أعمدة، ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك؛لكونهم يبغضون خيار الصحابة، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة"(منهاج السنة لا بن تيمية، 1/10).  

 

وكثير من الناس في الغرب يتشاءمون بالرقم 13؛ ولذا حذفته بعض شركات الطيران من ترقيم المقاعد كما حذفوه في ترقيم المصاعد والأدوار في العمائر الكبار. وآخرون يتشاءمون بنعيق البوم والغراب، ورؤية الأعور والأعرج والعليل والمعتوه.  

 

إن التشاؤم بالأزمنة والتشاؤم بالأشهر وببعض الأيام أمر يبطله الإسلام، لأننا يجب علينا أن نعتقد الاعتقاد الصحيح المبَّرأ من كل ما كان عليه أهل الجاهلية، وقد بين ذلك عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة ضرورة تخلص القلب من ظن السوء بربه ومن الاعتقاد السيئ في الأمكنة أو في الأشهر والأزمنة، كما أن بعض الناس يعتقد أن يوم الأربعاء يوم يحصل فيه ما يحصل من السوء، وربما صرفهم ذلك عن أن يمضوا في شئونهم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من تطير ولا تُطير له ولا تَكهن ولا تُكهن له، وأظنه قال: أو سَحر أو سُحر له"(رواه الطبراني في الكبير 18/162، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5435).  

 

ومن وقع في شيء من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ردّته الطيرة من حاجة فقد أشرك"، قالوا: يا رسول الله! ما كفارة ذلك؟ قال: "أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك"(مسند أحمد 2/220، والحديث في السلسلة الصحيحة للألباني 1065).  

والتشاؤم من طبائع النفوس يقل ويكثر وأهم علاج له التوكل على الله -عز وجل- كما في قول ابن مسعود: "وما منا إلا -أي: إلا ويقع في نفسه شيء من ذلك-، ولكن الله يُذهبه بالتوكل"(رواه أبو داود رقم 3910، وهو في السلسلة الصحيحة 430).  

 

وينبغي الحذر من الاسترسال في التشاؤم وقطع ذلك على الفور؛ لأن من اعتاد التشاؤم ضاقت عليه نفسه وحياته، قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في المجموع المفيد (2/32): "والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم؛ فإنها تضيق عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتَرِ -والعياذ بالله- وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: إنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولاسيما في النكاح، وقد نقضت عائشة -رضي الله عنها- هذا التشاؤم بأنه-صلى الله عليه وسلم-عقد عليها في شوال؛ وبنى بها في شوال،فكانت تقول: أيُّكن كانت أحظى عنده مني؟"(صحيح مسلم2/1039).  

 

وإن مما يدعو المسلم كذلك للبعد عن التطير والتشاؤم: قطع وساوس الشيطان، وبعده عما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه وتأمل هذا الوصف الرائع من عالم فقيه، لحال المتطير المتشائم يقول ابن القيم -رحمه الله-: "واعلم أن من كان معتنياً بها- يعني الطيرة- قائلاً بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدره، وتفتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه.. إلى أن يقول: وحال من تطير وتشاءم كحال من غلبته الوساوس في الطهارة فلا يلتفت إلى علم ولا إلى ناصح، وهذه حال من تقطعت به أسباب التوكل وتقلص عنه لباسه، بل تعدى منه، ومن كان هكذا فالبلايا إليه أسرع، والمصائب به أعلق، والمحن له ألزم، ثم ينتهي إلى توصيفه بقوله والمتطير متعب القلب، منكر الصدر، كاسف البال، سيء الخلق يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً وأضيق الناس صدراً وأحزنهم قلباً، كثير الاحتراز والمراعاة لما لا يضره ولا ينفعه، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظ، ومنعها من رزق، وقطع عليها من فائدة"(مفتاح دار السعادة 2/230).  

ومن أعظم ما يدعو المسلم للبعد عن التشاؤم والتطير: خوفه من الشرك؛ إذ هي باب من أبوابه وطريق موصل إليه، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: "الطيرة شرك، الطيرة شرك"(سنن أبي داود 3411، وصححه الألباني).  

 

إن المسلم يمنعه من التشاؤم: رضاه بقضاء الله وقدره وثقته بأن ما يقدره الله له فيه خير فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.   وإن كثرة التفكير السلبي هو الذي يميل بصاحبه إلى التشاؤم، والسوداوية في التفكير، وتغليب الشر، وإساءة الظن، وتغليب المساوئ على المحاسن. وهذا النوع من التفكير يقود صاحبه في الغالب إلى اليأس والإحباط والتشكيك في نوايا الناس ومقاصدهم.  

 

إن التشاؤم والتطير من الصفات الذميمة، والأخلاق اللئيمة، ولا يصدر إلا من النفوس المستكينة، لمنافاة ذلك للتوكل واليقين، فهو من سمات الكسالى والبطالين، ولهذا نهى الإسلام أتباعه عن التشاؤم والتطير، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل لما يبعثه في النفس من الأمل والاطمئنان، ويكره التشاؤم لما يحدثه في النفس من الاستكانة، والضعف، والعجز، والهوان.  

 

كما ينبغي الحذر من ترويج الشائعات والأقاويل والأخبار المرتبكة والتحليلات المغرقة في التشاؤم، فإننا في عصر صارت قوة الدول تبنى على مقدار ما لديها من سعة المعلومات ودقتها، وكم من خبر يروّج ويتم تداوله وتبنى عليه نتائج قريبة وبعيدة، وقرارات واجتهادات، وهو غير مؤكد ولا ثابت.. فكيف تظن بمثل هذه الرؤية المبنية على شائعة أو ظن, أو خبر مكذوب, أو رواية مضطربة, أو معلومة ناقصة, أو مضللة، بل خذ بالأسباب وتوكل على الله واعتمد عليه، وثق أن ربك عادل لا يظلم أحدًا ولا يضيع أجر من أحسن اعتقادًا وعملاً.  

 

ومن أجل بيان تحريم التشاؤم والتطير، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضح أهمية البعد عن الطيرة وضرورة التوكل على الله والاستعانة به، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.    

العنوان

لا عدوى ولا طيرة

2022/09/18 641 342 1

وَالْمُؤْمِنُ قَوِيُّ الإيمان، يُحسنُ الظنَ بربّه، ويتوكلُ عليه وحدهُ، ويُسلِّمُ أمرهُ كلهُ لله، يعلمُ ويُوقِن أن النَّافِع الضَّارَّ هو اللهُ وحدهُ، وأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه، وأنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى الله كَفَاه، ومن اعتصم به حفظه وحماه.

المرفقات

لا عدوى ولا طيرة.pdf

لا عدوى ولا طيرة.doc


العنوان

التشاؤم

2021/09/13 1703 546 2

وَيَخْرُجُ الدَّجَّال مِنْ بِلاد فَارِس، مِنْ خَرَاسَان، مِنْ حارَةٍ مِنْ أَصْبَهَان، يُقَالُ لها: اليَهُوْدِيَّة. والدَّجَّالُ سَرِيعُ الاِنْتِقَالِ في الأَرْض، لا يَتْرُكُ بَلَدًا إِلَّا دَخَلَه؛ إِلَّا مَكَةَ والمَدِيْنَة، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ...

المرفقات

التشاؤم.doc

التشاؤم.pdf


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات