عناصر الخطبة
1/ركون كثير من المسلمين للدنيا وخطر ذلك 2/المؤمن الموفَّق يغلِّب آخرته على دنياه 3/يجب على المسلم أن يقف مع نفسه وقفة محاسبةاقتباس
مَنْ جعَل همَّه الأكبرَ الآخرةَ والعملَ لها كفاه اللهُ هَمَّ دنياه، ومن استولت عليه الدنيا واستولت على قلبه وجعلها همَّه عاش عبدًا أسيرًا لها مفرقَ الهمّ، مشتتَ البالِ، لا يقنع بكثير ولا يسعد بيسير..
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الْأَعْلَى: 16-17]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء.
أما بعد فيها أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [الْبَقَرَةِ: 197].
أيها المسلمون: المتبصِّر في حال البعض اليومَ يجد منهم ركونًا شديدًا لهذه الدنيا، هواهم في نَيْلِها، وغايةُ مناهم في السعي لها، فلا هَمَّ عندهم إلا هذه الدنيا، لها يوالون وعليها يعادون، ولها يرضون ويسخطون، حتى صدق فيهم:
وَمِنَ الْبَلَاءِ وَلِلْبَلَاءِ عَلَامَةٌ***أَلَّا يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ
وإن المؤمن الموفَّق يغلِّب آخرتَه على دنياه، ويسير في حياته على ضوء ما رسمه له مولاه، قال جل وعلا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [الْقَصَصِ: 77]؛ فالمؤمن يأخذ بالأسباب ويبذل الوسعَ في تحصيل الرزق الحلال، ويعمُر الأرضَ بما يرضي الله -جل وعلا-، يستمتع بدنياه استمتاعا لا يضر بدينه ولا بآخرته، وهذا المعنى هو أحد التفسيرين في قوله -تعالى-: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) يقول ربنا -جل وعلا-: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "فجَمَعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا وصرفت كل شر، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة ورزق واسع، وعلم نافع وعمل صالح ومركب هني وثناء جميل".
إخوة الإسلام: مَنْ جعَل همَّه الأكبرَ الآخرةَ والعملَ لها كفاه اللهُ هَمَّ دنياه، ومن استولت عليه الدنيا واستولت على قلبه وجعلها همَّه عاش عبدًا أسيرًا لها مفرقَ الهمّ، مشتتَ البالِ، لا يقنع بكثير ولا يسعد بيسير، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يُؤْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه)، قال العراقي: "إسناده جيد"، وصححه جَمْعٌ من أهل العلم.
المسلم شعارُه في هذه الدنيا قوله -جل وعلا-: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) [النِّسَاءِ: 77]، فحينئذ يتخذ من حياته مزرعةً لآخرته، لا يغلِّب عليها دنيا ولا يقدِّم عليها شهوة ولا هوى، استجابةً لقوله -جل وعلا-: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النِّسَاءِ: 77]، (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزُّخْرُفِ: 35].
فاحذر -أيها المسلم- من الاغترار بهذه الدنيا، وكن على وقاية من الغفلة والشهوة والهوى، قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فَاطِرٍ: 5]، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الْحَدِيدِ: 20].
عباد الله: من ألهته دنياه عن آخرته واتبع شهوته ولو خالفت شرعَ ربه وقع في الخسارة الكبرى وانتكس في الشقاوة العظمى، قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الْمُنَافِقُونَ: 9]، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [مَرْيَمَ: 59-60].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ" أي: المعنى انتكس؛ أي: خاب وشقي ووقع في الخزي والبلاء.
فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا من كل ما يصرفكم عن مرضاة ربكم -جل وعلا-، قال سبحانه: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الْأَعْلَى: 16-17].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أيها المسلمون: في هذا الزمن تمكَّنت مغريات الدنيا في قلوب كثير من الناس واشرأبت لملذاتها وشهواتها نفوس جمع من المسلمين، فيجب أن يقف المسلمُ وقفةَ محاسَبَة ليتأمل الحقائق ويتبصر في العواقب (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الْكَهْفِ: 46]، وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ -أي: نام- فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صائف ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" (رواه أحمد والترمذي).
واسمعوا لهذه الوصية النبوية سمعَ استجابةٍ وقبولٍ وعملٍ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباحَ؛ أي: بعمل الآخرة، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" (رواه البخاري).
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بالصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا ورسولنا محمدٍ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين وعن الآل ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبنا، وإن رحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، اللهم فاغفر لنا وارحمنا يا غفور يا رحيم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين؛ فإنهم لا يعجزونك؛ اللهم من أرادَ المسلمين أو أراد مقدساتهم بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، اللهم اجعله للعالمين عبرة وآية، اللهم اجعله للعالمين عبرة وآية، اللهم من أراد المسلمين أو مقدساتهم بسوء فعليك به، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم كن لهم عونا ومعينا وناصرا وظهيرا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجمع قلوب المسلمين على التقوى، اللهم اجمع قلوب المسلمين على التقوى، اللهم اجمع قلوب المسلمين على التقوى، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا ونائبه لما تُحبُّه وترضَاه يا رب العالمين، يا حي يا قيوم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان اللهم احفظ المسلمين في كل مكان. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم فرج هموهم، اللهم نفِّس كرباتهم، الله فرِّج هموهم ونفِّس كرباتهم يا حي يا قيوم، واجعل لهم من كل عسير يسرا، اللهم أَغْنِ فقيرَهم وَاهْدِ عاصيَهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وَثَبِّتْ صالحَهم إنك على كل شيء قدير.
اللهم أنت الغنيُّ الحميد، ونحن الفقراء، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا واسق ديار المسلمين، اللهم اسق ديارنا وديار المسلمين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث ديارنا وديار المسلمين، اللهم ارحمنا يا حي يا قيوم، اللهم إنه أصابنا الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم إنه أصابنا الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم إنه أصابنا الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم فاسقنا، اللهم فَعَجِّل يا كريمُ بسقيانا، اللهم عَجِّلْ بسقيا المسلمين، اللهم عَجِّلْ بسقيا المسلمين، يا حي يا قيوم.
عباد الله: اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبِّحوه بكرة وأصيلا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم