(5) لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... حافظوا على أنفسكم الأوقات، وطيِّبوا لها الأقوات، وصحِّحوا المقاصد والنيات، وراقبوا عالم السر والخفيَّات. في هذه الأيام .. تستقبل مكة وفود الحجيج، في موكب ومشهد رهيب، جاؤوا من كل فجٍّ عميق، يلبُّون نداء ربهم، ويجيبون أذان خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ[ جَاءوا لِيوأَدُّوا خامس أركان الإسلام، طامعين في تكفير الخطايا وبلوغ الجنان. لقد جعل الله بيته المعظم مثابةً للناس، يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرًا، كلما رجعوا إلى أهليهم رجعوا إلى بيت الله حبًّا وشوقًا وابتهاجًا، إليه تشتاق الأرواح، وفيه تتعاظم المسرات والأفراح ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ بيت الله أمان الناس وسلامتهم، وروحهم وراحتهم، أمن فيه مجاوره وساكنوه، وتلذذوا بعيشه وبركته، في حين تخطف الناس من حولهم، وحصول البلايا والأذيات لغيرهم. بيت الله هو أول بيت وضع في الأرض لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به، ويصلون ويعتكفون عنده. قد أمر الله نبيه الخليل إبراهيم عليه السلام ببناء البيت، وأن يؤذن في الناس بالحج إليه، قاصدين للطواف والعبادة، في قصة مفيدة عجيبة امتلأت بالإيمان الصادق، والتوكل على الله، والثقة بوعده واللجوء إليه، ومنها البشارة بنبوة نبينا محمد ﷺ. في مشهد خاشع مشبع بالضراعة يتجاوب فيه الدعاء مع الداعي في نغمة رخية موجهة للملك العلام، يمد أبو الأنبياء إبراهيم يديه الكريمتين بعد أن نفذ التوجيه الرباني بوضع فلذة كبده وزوجته بوادي مكة ]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ[. نزل مكة المكرمة، الوادي المُجدِب القفر، الذي قد خلا من الأنيس والزرع، نزله سيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام بأسرته المؤمنة الصغيرة، المكونة من زوجته هاجر رحمها الله وابنه الرضيع إسماعيل عليه السلام. ومن هذا البيت الصغير أشرقت الحياة من جديد، وآذنت بميلاد الرحمة المهداة، التي شع لها الوجود، وانبلج لها فجر الزمان. وقد ذكرنا لكم قصة هاجر مع ابنها الرضيع إسماعيل... ثم ماتت هاجر رحمها الله، وشب إسماعيل وتزوج ... ولبِث عنهم إبراهيم عليه السلام، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلاً له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتًا ها هنا، وأشار إلى أكمَة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ[ فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[. يا الله ... عمل عظيم ويسألون الله القبول. وعن ابن عباس t قال: قال رسول الله ﷺ (نزل الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بنى آدم) وفى رواية (الحجر الأسود من الجنة) وفى رواية (نزل الحجر الأسود من الجنة كان أشد بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك). فكان هذا البيت بعد بنائِه أول بيت بني في الأرضِ للعبادة، وأخبر الله تعالى أنه أبقى فيه آياتٍ بينات، ودلالات ظاهرات، وأن الله عظّمه وشرّفه، فقال تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[ أسأل الله تعالى أن يحفظ هذا البيت بحفظه، ويتقبل من الحاجين حجهم. ـأقول ما تسمعون ...     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... قصة بناء الكعبة تُبيِّن لنا مبدأ هذا البيت، الذي أضحى مثابة للناس وأمنًا لهم، وسعادة يأوون إليها، وموردًا خصيبًا يستحلون هداه، ويعيشون بركته، ويؤثرون سكناه وعمارته. لقد امتنَّ الله على الأمة المسلمة بأن أجرى لها بئر زمزم، الماء المبارك الذي لا يزال يتدفق طيبًا مباركًا، ينتفع منه سائر الناس (يرحم الله أم إسماعيل؛ لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا. هذا البيت الذي يحسدكم عليه العالم أجمع، ويعجبون من ازدحامكم عليه، ويعجبون من إيثاركم له على محابِّكم ولذائذكم، ويحتارون من سفركم إليه وطوافكم به. لقد ذهل العالم الكافر من اجتماع أكثر من مليونين من المسلمين حول هذا البيت، وتعجَّبوا من حنين هذه الأمة إليه متغافلة عن دنياها وشهواتها، وأدركوا أن وراءهم خطرًا زاحفًا من هذا الجمع الغفير؛ لأن هذا التجمع الكبير في الحج طريقٌ لعودة الأمة إلى ربها واعتصامها بدينه، وهذا ما يخيف المجرمين الكفرة، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم. لقد اصطفى الله للعالمين نبيًّا جعله خاتم النبيين، دعا الناس إلى عبادة الله وحده، واتبع ملة إبراهيم حنيفًا، وأحيا مناسك الحج، وجعل الله أمته خير الأمم، شرفها برسوله وكتابه وبطاعته واتباعه، وسماهم المسلمين، وكتب لهم أسباب النصر والبقاء والتمكين. بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الْإِسْلامِ إِنَّ لَنَا  *** مِنَ الْعِنَايَةِ رُكْنًا غَيْرَ مُنْهَدِمِ  لَمَّا دَعَا اللهُ دَاعِينَا لِطَاعَتِهِ  *** بِأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الْأُمَمِ  
المرفقات

1656058150_بناء الكعبة.docx

1656058160_بناء الكعبة.pdf

المشاهدات 303 | التعليقات 0