{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
سامي بن محمد العمر
1443/10/25 - 2022/05/26 19:14PM
{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}
صرخة نبوية من لوط عليه السلام في آذان أول أمة سمحت بالشذوذ في تاريخ البشرية.
نعم: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} يفهم خطورة الأمر ويتفهم أبعاد القضية؟
شواذ العالم اليوم خرجوا من جحورهم في بلدانٍ تُقدس الحرية فركبوا موجتها، وتُمهد لطرق الانفلات والتحرر فسلكوا جادّتها، وشيئاً فشيئاً حققوا ما أرادوا من أطماعهم، وتوصلوا لما ادّعوه من حقوقهم.
ثم التفتوا إلينا:
يخططون بعمق ودهاء ونحن غافلون، وينفذون بقوة وذكاء ونحن ساهون، ويهجمون بخبث وعِداء ونحن لاهون لاعبون.
شواذ العالم اليوم يسيرون سيرة أسلافهم بأساليبَ مُحدّثة وطرقٍ مجددة؛ فهم كما قال لوط عليه السلام {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 28، 29]
فالأمر إذن فاحشة: قد بلغ في الفحش غايته، وفي القبح نهايته، فأجمعت الملل كلها على تجريمه، واتفقت كلها على تحريمه، وأكّد الإسلام ذلك أيّما تأكيد، وحذّر منه أيّما تحذير.
فلا هو من الحرية في قبيل ولا دبير، ولا قليل ولا كثير؛ والإسلام لا يقبل الضرر على النفس التي هي ملك الله تعالى ولا الإضرار بالآخرين، بل يضبط أمر الغريزة والشهوة ويحده من الإسراف والتخبط، ويصرفه في مصارفه النافعة.
وإذا كان قوم لوط في زمانهم (يقطعون السبيل) فشواذ العالم اليوم يقطعون على الناس سبل الهدى والكرامة، والعفة والطهارة، ويترصدون لهم في كل زاوية، ويخلون بهم في كل ناحية، فتراهم يستعطفون ويتعلقون بالمظلومية والتعنيف وسلب الحقوق، ويسوقون لشذوذهم باسم المثلية، ويزينون لباطلهم بنشر أعلامهم وشعاراتهم في لُعب الأطفال الصغيرة والألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل؛ حتى يجذب العينَ منظرُها ويعجب النفسَ زخرُفها فتعتاد عليه في صغرها، وتتقبل فكره في كبرها.
وهم كأسلافهم (يأتون في ناديهم المنكر) ويروجون له بفرق الرقص الماجنة، والحفلات المشبوهة، وقنوات الأفلام الفاضحة، وتلميعِ المائعين المتأنثين ليصبحوا قدواتٍ تطمح النفس لما وصلوا إليه، وتتمنى ما حصلوا عليه.
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد:
فهذه صيحة نذير قبل أن يستنوقَ الجمل، ويتأنثَ الرجل، ويستأسدَ الحَمَل، وتميلَ المرأة إلى المرأة والرجل إلى الرجل، وتنتكسَ الفطر، ويموتَ العفاف والطهر، ويتسلطَ الهدم على البناء، والكدر على الصفاء، ويأتي أمر الله الأكيد: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83].
فلا تتركوا الميدان لجنود الشيطان، ولا تركنوا إلى الخمول والدعة في زمن البلاء، والتفتوا لأبنائكم حباً ونصيحة، وحناناً وعاطفة، وعظموا شرع الله في نفوسهم، وادفعوا شبهات القوم من قلوبهم، فالحجج الباطلة تدحضها دلائل ثابتة، والأفكار الهدامة يمزقها فكر بنّاء.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
ومن رضي بالمهادنة في زمن المجالدة، وتدرع بالصمت والغفلة أمام التقلبات الفاسدة فقد خان أمانته، وضيّع رعيته:
ومن يَثـني الأصاغرَ عن مرادٍ *** إذا جلس الأكابرُ في الزوايا
وإنَّ ترفُّـعَ الوضـعـاءِ يومـاً *** على الرُّفعاء من إحدى البلايا
إذا اسـتوتِ الأسـافلُ والأعالي*** فـقـد طابت مُنادَمةُ المنايا
اللهم اهدنا فيمن هديت....
المرفقات
1653592451_{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.docx
1653592464_{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.pdf