وقفة مع العمرين في المال العام-24-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ بلال الفارس

محمد بن سامر
1445/05/23 - 2023/12/07 13:44PM

وقفة مع العمرين في المال العام-24-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ بلال الفارس

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

إنه إذا وقعَ بالناسِ بلاءٌ، يكونُ المسؤولُ العادلُ أولَ المتأثرينَ، وآخرَ المنتفعينَ، وهكذا كان عمرُ-رضي اللهُ عنهُ-.

لما أصابَ الناسَ هولُ المجاعةِ والقَحطِ في عهدِ عمرَ، كان لا ينامُ إلا قليلًا من الليلِ، وما زال به الهمُّ حتى تغيّرَ لونُه، وضَعُفَ جسمُه، وقالَ من رآه: "لو استمرّتِ المجاعةُ شُهورًا أخرى لماتَ عمرُ من الهمِّ والأسى".

جاءته يومًا قافلةٌ من مصرَ، تحملُ اللحمَ والسّمنَ، والطعامَ واللباسَ، فوزّعها على الناسِ بنفسِه، وأبى أنْ يأكلَ شيئًا، وقالَ لقائدِ القافلةِ: ستأكلُ معي في البيتِ، فذهبا إلى البيت فأمرَ عمرُ بإحضارِ الطعامِ، فإذا هو خبزٌ مكسّرٌ يابسٌ والإدامُ زيتُ، فدُهِشَ الرجلُ وتعجّبَ! وقال: لِمَ منعتني منْ أنْ آكلَ مع الناسِ لحمًا وسمنًا؟! فقالَ عمرُ: ما أُطْعِمُك إلا ما أُطْعِمُ نفسي، فقال الرجلُ: وما يمنعُك أنْ تأكلَ كما يأكلُ الناسُ، وقد وزّعتَ اللحمَ والطعامَ عليهم؟! قالَ عمرُ: لقد حلفتُ ألا أذوقَ السمنَ واللحمَ حتى يشبعَ منهما جميعُ المسلمينَ.

فللهِ أنتَ يا عمرُ! وللهِ قلبٌ تحملُه! ذلك عمرُ بنُ الخطابُ، ثم جاء حفيدُه عمرُ بنُ عبدِالعزيزِ، صالحُ الأمراءِ، الذي ضربَ في العدلِ مثلًا لا يكادُ يُجارى، حيثَ بدأَ بنفسِه وخاصةِ قومِهِ.

وليَ عمرُ بنُ عبدِالعزيزِ الخلافةَ فنظرَ في بيتِ مالِ المسلمينَ، ثم نظرَ إلى ما في يدِه، ثم نظرَ إلى ما في يدِ أُمراءِ بني أميةَ، فبدأَ بنفسِه وأهلِه، فدعا زوجه فاطمةَ، ابنةَ الخليفةِ، وزوجةَ الخليفةِ، وأختَ الخلفاءِ، فقالَ: يا فاطمةُ، هذه حُلِيُّكِ، تعلمينَ من أينَ أتى بها أبوك؟ فإن رأيتِ أنْ أردَّها إلى بيتِ مالِ المسلمينَ فعلتُ، وإلا خذيها وفارقيني، فواللهِ لا أجتمعُ أنا وهي في دارٍ أبدًا، فقالتْ: واللهِ لا أريدُها يا أميرَ المؤمنينَ، بل أُريدُ صُحْبَتَك، فردّتْ حُلِيَّها إلى بيتِ مالِ المسلمينَ. فلما ماتَ عمرُ قالَ لها أخوها: يا فاطمةُ، إنْ شئتِ رددْتهُا إليكِ، قالتْ: لا واللهِ! لا آخذُها وقد ردَّها عمرُ.

ثم ثنى بأمراءِ بني أُميةَ، فقطعَ عنهم كلَّ الأموالِ والأعطياتِ التي كانوا يأخذونها، واستردَ منهم العقاراتِ والأراضي التي نهبوها أو امتلكوها بالظلمِ؛ فاستشاطوا غضبًا، فأرسلوا إلى ابنِه عبدِ الملكِ، فقالوا: يا عبدَالملكِ، إِما أنْ تستأذنَ لنا على أبيك، وإِما أنْ تُبَلِّغَه عنا، قال: قولوا، فقالوا: أخبِره أنَّ منْ كان قبلَه من الأُمراءِ يُعطوننَا أُعطياتٍ، ويصلوننا بصلاتٍ، فقطعَها عنَّا، ونريدُ أن يعيدَها إلينا، فأبلغَ عبدُالملكِ أباه قولَهم، فقالَ: ارجعْ إليهمُ فقلْ لهم: إنَّ أبي يقولُ: (إني أخافُ إنْ عصيتُ ربي عذابَ يومٍ عظيمٍ)، لجامٌ ألجمَ عمرُ به نفسَه.

لقد كانت حاجاتُ المسلمينَ حاجتَه، وهمومُهم همَه، مهما صغرت كتبتْ إليه خادمٌ سوداءُ تقول: "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، من فلانةَ السوداءِ، إلى أميرِ المؤمنينِ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ، أما بعدُ: فإنَّ لي جدارًا حولَ بيتي انهدمَ بعضُه، فأصبحَ الغلمانُ يدخلونَ فيَسرِقُون بيتي، فأْمُرْ واليَك على مصرَ فَلْيُقِمِ الجدارَ".

فكتبَ إليها: "من عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ إلى فلانةَ، أما بعدُ: فإني قدْ أمرتُ أميري على مصرَ أنْ يُقيمَ لكِ الجدارَ، والسلام".

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيا كلَ مسؤولٍ! أنتَ مؤتمنٌ، فكنْ مثلَ عمرَ، أو بعضَ عمرَ، تفزْ في الدنيا بحبِ الناسِ وثنائِهم، وتوفيقِ اللهِ لك؛ وفي الآخرةِ بالأكبرِ: رضوانِ اللهِ وجنتِه.

هذا هو العدلُ، وتلك نتائجُه، ومن كابَر وظلمَ فليحذرْ كلَّ الحذرِ، "سألَ الرسولُ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ- أصحابَه، فقال: أتدرونَ منِ المفلسُ؟، قالوا: الْمُفْلِسُ فينا من لا دِرْهمَ له ولا متاعَ، فقال: إنَّ المفلسَ من أمتي منْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقدْ شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يُقْضِى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار".

إنَّ أمامَنا يومًا يجتمعُ فيه الخصومُ عندَ اللهِ فيقضي بينهم بحكمِه، وحكمُه العدلُ-جل وعز-، يقضي اللهُ بالعدلِ، حتى فيما يكونُ بين الحيوانِ، فكيف بظلمِ الإنسانِ لأخيه الإنسانِ؟ قال-عليهِ وآلِه الصلاةُ والسلامُ-: "لَتُؤَدَنَّ الحقوقُ إلى أهلِها يومَ القيامةَ، حتى يُقَادَ للشاةِ الجلحاءِ-التي ليس لها قرونٌ-من الشاة القرناء"، وقالَ: "منْ ظلمَ قِيدَ شِبرٍ منْ الأرضِ، طُوِّقَهُ من سبعِ أرضينَ"، ولا يغترَ ظالمٌ بظلِمه، فربُنا يـُمْهلُ ولا يُهملُ، قال-عليهِ وآلِه الصلاةُ والسلامُ-: "إنَّ اللهَ لَيمْلِي للظالمِ-يُؤَخِرُ عقابَه-حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْه، ثم قرأ: (وكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)".

ومن غشَّ المسلمينَ أو أكلَ المالَ العامَ ظلمًا فليتذكرْ أنه صائرٌ إلى اللهِ، وأنَّ للمظلومينَ دعواتٍ في ظلامِ الليلِ لا تُرَدُّ، ولئن ْكان الظلمُ في المالِ الخاصِ ممقوتًا، فإنه في المالِ العامِ أكبرُ مقتًا، وأشدُ خطرًا، وأبعدُ ضررًا.

إنَّ أكثرَ نُزولِ البلاءِ بالذنوبِ، وإنَّ رفعَه بالتوبةِ، وإنَّ ما يصيبُ بعضَ الناسِ من شدةٍ وكربٍ، أو ضائقةٍ وخطبٍ تخويفٌ من اللهٍ، لعلهم يرجعون.

ولعلَّ باغيَ الشرِ أنْ يَكُفَّ، ومُروِّجَ الفتنةِ أنْ ينتهيَ، فاللهُ يغارُ، وبطشُه شديدٌ، وإذا أرادَ اللهُ بقومٍ سوءًا فلا مردَّ له، فما أحسنَ أنْ نتوبَ إلى الله دائمًا لننجوَ بها في الدنيا، ونفوزَ بها في الأُخرى.

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بهم على كلِ حالٍ، وبلغهم من الفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ كن لهم ناصرًا ومعينًا يا ربَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.

اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللَّهُمَّ إِنَّا والمسلمينَ مَغْلُوبُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1701945970_وقفة مع العمرين في المال العام-24-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ بلال الفارس.docx

1701945971_وقفة مع العمرين في المال العام-24-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ بلال الفارس.pdf

المشاهدات 789 | التعليقات 0