وَحدةُ الوطنِ
محمد محمد
وَحدةُ وطنٍ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
حبُّ الوطنِ شيءٌ قد جَبَلَ اللهُ-تعالى-عليهِ كلَّ المخلوقاتِ، فانظروا إلى الطُّيورِ والأسماكِ تقطعُ آلافَ الأميالِ ثُمَّ ترجعُ إلى أوطانِها، وها هي الحيواناتُ تشتاقُ وتدافعُ عن مساكنِها، وها هي الشعوبُ تَفْتَخِرُ وتُنَاضِلُ عن بلدانِها.
الوطنُ هو ماضِينا وذِكرياتُنا، وحاضرُنا وتضحياتُنا، ومستقبلُنا وأُمنياتُنا، فيهِ يُبذلُ الجُودُ والفَيضُ والعَطاءُ، وعلى أرضِه تطيبُ المبادرةُ والتَّضحيةُ والنَّماءُ، وله يحلو التَّعبُ والرِّفعةُ والبناءُ.
فيه الأهلُ والأصدقاءُ والأحبابُ، ومفارقتُه قطعةٌ من العذابِ، قالَ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ".
والوطنُ مَأْلُوفٌ محبوبٌ، ولو لم يكن فيه شيءٌ من الجمالِ.
وقدْ أخبرَ اللهُ-تعالى-أن من أصعبِ الابتلاءاتِ التي قد يُختبرُ فيها العبادُ، هو قتلُ النَّفسِ والخروجُ من البلادِ، وأن هذا الاختبارَ لصعوبتِه على الإنسانِ، لا يفعلُه إلا قليلٌ من أهلِ الإيمانِ، "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا".
فكيفَ إذا كانَ هذا الوطنُ، فيه بقعةٌ قد دعا لها الخليلُ الأولُ إبراهيمُ-عليه السلامُ-: "وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا"، وأحبَّها إلى اللهِ-تعالى-وإلى الخليلِ الثاني محمدٍ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-الذي قالَ فيهِ: "واللهِ، إنَّكِ لأحبُّ بُلادِ اللهِ إلى اللهِ، وأحبُّ بلادِ اللهِ إليَّ، ولولا أنَّ قَومي أَخرجوني مِنكِ ما خَرجتُ".
وطنٌ فيه بقعةٌ يشتاقُ لها الإيمانُ، وسيرجعُ إليها في آخرِ الزَّمانِ، قالَ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "إنَّ الإيمَانَ لَيَأْرِزُ-سيرجعُ-إلى المَدِينَةِ، كما تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا".
فمن يلومُ المسلمينَ في حبِّ هذا الوطنِ، وقد أخَذَتْ مُقدساتُه بقِطعةٍ من فؤادِ كلِّ مسلمٍ على وجهِ الأرضِ، يحبُّها، ويَغارُ لها، ويُدافعُ عنها، ويحزنُ لها، ويرجو أن يراها في أمنٍ واستقرارٍ، عامرةً بالحُجَّاجِ والمعتمرينَ والزُّوَّارِ.
ولكن كما أنَّ لهذا الوطنِ أحبابًا وأصدقاءً، فكذلكَ له خصومٌ وأعداءٌ، في الخارجِ من اليهودِ والنَّصارى وأعداءِ السُّنةِ والتَّوحيدِ، وفي الدَّاخلِ من أتباعِ الشَّرقِ والغربِ الذينَ يُفسدونَ وهم يزعمونَ الصَّلاحَ والتَّجديدِ، لا يُريدونَ له خيرًا ولا فلاحًا، ولا يُحبونَ له رُقيًّا ولا نجاحًا، يتربصونَ بهِ الدَّوائرَ، عليهم دائرةُ السَّوءِ، فواجبٌ على كلِّ مسلمٍ الدِّفاعُ عنه بكلِّ ما يملكُ، وخاصةً أهلُه الذينَ اصطفاهم اللهُ-تعالى-بخدمةِ حرمِه.
فيا أهلَ الحرمِ؟ يا من كفاكم اللهُ النِّقمَ؟ نحتاجُ اليومَ إلى شُكرِ نعمةِ اللهِ-تعالى-شُكرًا حقيقيًا، "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ"، نستيقظُ من نومِنا وقد حفظنا اللهُ-تعالى-من شرورٍ وتهاويلٍ، وسخَّرَ لنا رجالًا صادقينَ لا ينامونَ اللَّيلَ.
إنَّا لنرفعُ دَعوةً لبلادِنا*
مرفوعةً للخَالقِ المَعبودِ
شُلتْ يدٌ تَسعى إلى تمزيقِها*
وتَحطمتْ نَظراتُ كُلِّ حَسودِ
لكِ يا بلادَ الخيرِ رَأسٌ شَامخٌ*
فخُذي زِمامَ المَكرماتِ وَقودي
هلِ الدُّنيا إلا أنَّك آمنٌ في وطنِكَ، معافًى في جسدِكَ، عندكَ قوتُ يومِكَ، قَالَ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ، عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حِيزتْ لَهُ الدُّنيا"، واسألوا الذينَ فقدوا الأوطانَ، وكَثُرتْ عليهم الأحزانُ، يتحسَسونَ الأخبارَ، وطالَ عليهم الانتظارُ، فالصغيرُ مشتاقٌ إلى بيوتِها وشِعابِها، والكبيرُ يدعو أن يُدفنَ في تُرابِها، فالقلوب تتقطعُ، والنَّفوسُ تتطلعُ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فحبُّ الوطنِ الحقيقيُّ ليسَ كلماتٍ بليغةً يتغنى بها الشُّعراءُ والأدباءُ، وليسَ بشعاراتٍ رنَّانةٍ يردُّدها النَّاسُ في كلِّ لِقاءٍ، بل هو صدقٌ وإخلاصٌ وأمانةٌ ووفاءٌ، وحبُّ وقولٌ وعملٌ وولاءٌ، وكما أنَّ اللهُ-تعالى-سخَّرَ لهذهِ البلادِ من الجنودِ المُخلصينَ من يُدافعُ عن أمنِها بالسِّلاحِ، نريدُ أيضًا من يُدافعُ عن أمنِ هذه البلادِ بالطَّاعةِ والصَّلاحِ، "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"، وكما أنَّ هناكَ من يسعى بالنُّهوضِ باقتصادِ هذه البلادِ باستثمارِ الخيراتِ، نريدُ أيضًا من ينهضُ باقتصادِها بالتَّقوى والإيمانِ والطَّاعاتِ، "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، عندها تجتمعُ الأسبابُ السَّماويةُ والأرضيةُ، وتحلُّ البركةُ الواسعةُ الرَّبانيَّةُ.
وهناكَ أيضًا مصدرُ قوَّةٍ لهذهِ الأمَّةِ، قَالَ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ"، فنريدُ دعاءَ الكبيرِ والصَّغيرِ، وَالمسكينِ والفقيرِ، بصلَاحِ العبادِ والبلادِ، وأن يوفِّقَ اللهُ قادتَها للهُدى والرشادِ، ويُصلحَ رجالَها ونساءَها، ويهديَ شبابَها وفتياتِها لكلِّ خيرٍ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1726742822_وحدةُ وطنٍ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1726742823_وحدةُ وطنٍ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf