وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر

الحمد لله رب العالمين ... إخوة الإيمان والعقيدة... إن ولايةَ أمورِ المسلمين من أهمِّ واجباتِ الدِّينِ، بها تقومُ مصالحُ الدنيا والدِّينِ، فإن بني آدمَ على اختلافِ ألوانِهم وألسنتِهم، لا تقوم مصالحُهم إلا بالاجتماعِ؛ لحاجةِ بعضِهم إلى بعضٍ، وهم في اجتماعِهم هذا لابدَّ لهم من سراةٍ وولاةٍ، تساسُ بهم الرعيةُ، ويحفظُ الأمنُ، وتصانُ الحقوقُ، وتحقن الدماءُ، وتوفى العهودُ والمواثيقُ، ولما كانت ولايةُ الأمر بهذه المنزلةِ العظيمةِ، والناسُ إليها في ضرورةٍ شديدةٍ، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوجبَ على المؤمنين إذا كانوا ثلاثةً في سفرٍ أن يؤمِّروا أحدَهم؛ وذلك أنه لا يصلحُ أن يكونَ الناسُ فوضى، لا سراةَ لهم ولا ولاةَ، بل لو تُرِك الناسُ فوضى لا يجمعُهم على الحقِّ جامعٌ، ولا يزعُهم عن الباطلِ وازعٌ، ولا يردعُهم عن الغيِّ رادعٌ، لخرِبتْ الديارُ، وتشتَّتتْ المجامعُ، وتعطَّلَت الجوامعُ، ولفَشَتْ في الناسِ الخصوماتُ، وراجَتْ الفتنُ، وانتشرَتْ البليِّاتُ، فالحمدُ للهِ الذي جعلَ ولايةَ أمرِ الناسِ من أعظمِ واجباتِ الدِّينِ. أيها المؤمنون.. إن اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم قد فرضا لولاةِ الأمرِ حقوقاً لازمةً واجبةً، بها يحصلُ صلاحُ دينِ الخلقِ، واستقامةُ معاشِهِم. وإن من آكَدِ حقوقِ ولاةِ الأمرِ السمعَ والطاعةَ لهم في المعروفِ، فطاعتُهم أصلٌ عظيمٌ، أمرَ اللهُ به في محكمِ التنزيلِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمرِ مِنْكُمْ). ولشرفُ الأمرِ وأهميتِه بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابَه على ذلك، يقول عبادةُ بن الصامتِ  رضي الله عنه: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايَعْناه، فكان فيما أخذَ علينا أن بايَعْنا على السمعِ والطاعةِ، في منشَطِنا ومكرهِنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأثرةٍ علينا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أُمِّر عليكم عبْدٌ مجدَّعٌ، يَقُودُكم بكتابِ اللهِ فاسمعوا له وأطيعوا). إن طاعةَ ولاةِ الأمرِ واجبةٌ في كلِّ ما يأمُرون به من المعروفِ، قال صلى الله عليه وسلم (على المرْءِ المسلمِ السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكرِهَ، إلا أن يُؤمرَ بمعصيةٍ، فإنْ أُمرَ بمعصيةٍ، فلا سمعَ ولا طاعةَ). إن مما تجبُ فيه طاعةُ ولاةِ الأمرِ ما ينظمونه من تنظيماتٍ لإقامة مصالح الرعيةِ، وضبطِ أمورهم وحفظِ أمْنِهم، مما لا يخالف الشرع المطهر، فإن هذه التنظيماتِ داخلةٌ في عمومِ قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). فاتقوا الله عبادَ اللهِ، وأطيعوا من ولَّاه اللهُ أمرَكم، فيما ينظِّمُه من تنظيماتٍ، واحتسبوا الأجرَ في ذلك عند اللهِ تعالى، فإنه من يعملْ مثقال ذرةٍ خيراً يرهْ، ومن يعملْ مثقالَ ذرةٍ شرًّا يره.  أيها المؤمنون .. إن وجوبَ طاعة ولاة الأمر ليس مرتبطاً بقيامِهم بجميع ما يجب عليهم من الحقوقِ والواجباتِ للرعية، بل تجب طاعتُهم، ولو فرطوا فيما يجبُ عليهم من الحقوقِ، فعلى كلِّ مؤمنٍ أن يقومَ بما فرَضَ اللهُ عليه من الحقوقِ والواجباتِ لولاةِ الأمرِ، على كلِّ حالٍ، ما لم يُؤمروا بمعصيةٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم سترَوْنَ بعدِي أثرةً وأموراً تنكرونها) قالوا :فما تأمُرُنا يا رسولَ اللهِ؟ قال (أدُّوا إليهم حقَّهم، واسألوا اللهَ حقَّكم) وفي حديث آخر قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (تسمعُ وتطيعُ للأميرِ، وإنْ ضرَبَ ظَهْرَك وأخذَ مالَك وما ذاك إلا لأنَّ في الطاعةِ لولاةِ الأمرِ سعادةَ الدنيا، واستقامةَ مصالحِ العبادِ في معاشِهم. أيها المؤمنون .. إن من حقوقِ ولاةِ الأمرِ على رعيتِهم النصيحةَ لهم، فإن الدينَ النصيحةُ للهِ ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامتِهم. وإن النصيحةَ لولاةِ الأمرِ تكونُ بحبِّ صلاحِهم ورشدِهم وعدلهِم، وحبِّ اجتماعِ الأمةِ عليهم، وكراهيةِ افتراقِ الأمةِ عليهم، وتكونُ النصيحةُ لولاةِ الأمرِ بمعاونتِهم على الحقِّ والهدى، وتذكيرِهم بالبرِّ والتقوى، وتنبيهِهم إلى ذلك في رفقٍ ولطفٍ، من غيرِ عنفٍ ولا تشهيرٍ ولا منابذةٍ، فما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا نُزعَ من شيءٍ إلا شانَه؛ وذلك أن ما يكرَهُه الناسُ في الجماعة خيرٌ مما يحبُّونَه في الفُرْقَةِ. اللهمَّ ألِّفْ بينَ قلوبِ المؤمِنين، وأَصلحَ ذاتَ بينِهم. أقول ما تسمعون ....   الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... اتقوا اللهَ تعالى يُصلحْ لكم أعمالَكم، ويغفِرْ لكم ذنوبَكم، ويوسِّعْ لكم رزقَكم. واعلموا ... أنها لا تستقيمُ أمورُ الناسِ، ولاةً ورعيةً، إلا بتقوى اللهِ تعالى، فإذا اتَّقى اللهَ الولاةُ فيما أوجبَ اللهُ عليهم من حفظِ المِلَّة وحسنِ سياسةِ الأمةِ، واتقى اللهَ الرعيةُ فيما يجبُ عليهم من حقوقِ الله تعالى، وحقوقِ الولاة، وحقوقِ بعضِهم على بعضٍ، حصل الخيرُ الكثير، واندفعَ عن الأمة شرٌّ عظيمٌ، قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). فاتقوا الله أيها المؤمنون جميعاً لعلكم تفلحون، فإنكم على اللهِ تعالى قادمون، وعلى أعمالِكم محاسبون، وبها مجزيُّون. وصلى الله على نبينا محمد ...
المرفقات

1636688460_وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر.docx

1636688472_وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر.pdf

المشاهدات 463 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا