(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)-5-10-1443-مستفادة من خطبة أحد الشيوخ الكرام
محمد بن سامر
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) -5-10-1443-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخِ الكرامِ
الحمدُ للهِ ذي العزةِ والجلالِ، غافرِ الذنبِ وقابلِ التوبِ شديدِ المِحال، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آلهِ إلى يومِ الدينِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أما بعدُ:
فـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ).
لقدْ أكملَ اللهُ لنا الدينَ، وأتمَّ علينا النعمةَ، (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا).
رمضانُ رَسَّخَ في أذهانِنا أنَّ الإسلامَ ليس مقصورًا على المسجدِ والصلاةِ، بل هو مهيمنٌ على العملِ والسوقِ والسياحةِ.
ما أجملَ تَوَرُّعَ المسلمِ وهو يسألُ عن قطرةِ العينِ في الصيامِ، لكنَّ الأجملَ أنْ تـُحفظَ هذهِ العينُ عنِ النظرِ إلى الحرامِ، وما أبهى وجهَ المرأةِ وهو ينهمرُ بكاءً في صلاةِ التراويحِ والقنوتِ، لكنَّ الأبهى أنْ يكسوَه الحياءُ فيحفظَ ويسترَ خارجَ البيوتِ.
لا يصحُ من مسلمٍ أو مسلمةٍ أنْ يكونَ في المسجدِ عبدًا للهِ، وفي خارجِه عبدًا لشهواتِه وهواه، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَـحْيَايَ وَمَـمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
اللهُ-سبحانه-الذي شرعَ الإسلامَ لكَ قالَ: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ورسولُه-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-قالَ لكَ أيضًا: "منْ غشَّ فليسَ مِنَّا"، وقالَ لمريمَ-عليها السلامُ-وللنساءِ: (اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي) وقالَ للنساءِ أيضًا: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
إنَّ الفصلَ بين العبادةِ وبينَ شؤونِ الحياةِ هو هدفُ أعداءِ الدينِ، فهم يريدونَ جيلًا يصلي في المسجدِ، ولا يجدُ حرجًا في ارتكابِ الفواحشِ، جيلًا يصومُ عنِ الحلالِ: عن جماعِ الزوجةِ والشرابِ والطعامِ، لكنه لا يَتَوَرَّعُ عنِ الحرامِ: الفسوقِ والعصيانِ، جيلًا يصلي ويصومُ ويقبلُ ويمارسُ الربا والتبرجَ والاختلاطَ.
إنها سياسةٌ سَنَّها قومُ شعيبٍ-عليه السلامُ-حينما قالوا له: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)، فهم يستنكرونَ أثرَ الصلاةِ في سلوكِهم واقتصادِهم ومعاملاتِهم، وهو منطقُ دعاةِ الشهواتِ-اليومَ-الذينَ يتساءلونَ في استنكارٍ: أيشٍ دَخَّلَ الإسلامَ في حياتِنا وسلوكِنا الشخصيِ؟ ما للإسلامِ والعُرْيِ؟ ما للإسلامِ ولباسِ المرأةِ خارجَ البيتِ؟ ما للإسلام ِوتناولِ كأسِ الخمرِ لإصلاحِ المزاجِ؟ ما للإسلامِ والقوامةِ؟ ما للدينِ وشؤونِ الأسرةِ؟
نتيجةُ ذلك أنْ ترى منْ يتحرجُ من الغرغرةِ في صيامِه، ولا يبالي أنْ يلوكَ أعراضَ المسلمينَ ويغتابَهم بلسانِه.
نتيجةُ ذلك أنْ ترى المرأةَ قانتةً في مسجدِها، خاشعةً في صلاتِها، فإذا خرجتْ تبرجتْ، واختلطتْ بالرجالِ.
نتيجةُ ذلك أنْ ترى الشابَ يحرصُ على صلاةِ النافلةِ كالتراويحِ ويُضيِّعُ صلاةَ الفريضةِ والجُمعةِ.
نتيجةُ ذلك أنْ ترى الشابَ مُقَرِبًا صديقَه، محبًا وموافقًا له، ومبعدًا والديه، وكارهًا ومخالفًا لهما.
نتيجةُ ذلك أنْ ترى الشابَ قد يصلي في المسجدِ، ومظهرُه لا يدلُ على التزامه بدينه، فتجده حالقًا لحيتَه، مسبلًا لباسَه، قازِعًا لشعرِ رأسِهِ، رائحةُ الدخانِ والخبائثِ تفوحُ من جسدِهِ، كلماتُ الفحشِ والشرِ تنهمرُ من فمِه.
قوةُ الإيمانِ وصلاحُ الدينِ حصنٌ من المزالقِ، وأمانٌ من النكباتِ، وحرزٌ من المهالِكِ، وقوةٌ في النائباتِ.
يُفترى على الشريعةِ الغراءِ، ويُتهمُ حملتُها، ويُتقولُ على اللهِ بلا عِلمٍ؛ لأن متقولَها لم يقتطعْ من وقتهِ لسماعِ الحقِ الناصعِ بلا تشويشٍ، ولم يدركْ سرَ التشريعِ برضى وتسليمٍ.
إنْ لم يكنْ للعلمِ دينٌ يقودُه*
تـَحَرَّفَ عن نهجِ الهُدى وتَنَكبا
(وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ).
(يَا يحيى خُذِ الكتابَ بقوةٍ)، أخذَ الدينِ بقوةٍ هو قبولُ لكُلِّ أوامِرِهِ ونواهيه، وأحكامِهِ وتشريعاتِهِ بانقيادٍ تامٍ واستسلامٍ كاملٍ، من غيرِ تَرَدُدٍ ولا تَوَقُّفٍ، ولا تـخبطٍ ولا انتقاءٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً-الإسلامِ كلِّه-وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، فمن لَزَمَ هذا الصراطَ ألبسَه اللهُ تاجَ العِزِّ، وأقامَه مقامَ القوةِ، وأمدَّه بالعونِ والتمكينِ.
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
دعا النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-الأنصارَ فقال لهم: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ".
الحقُ أبلجُ والمنجاةُ عن كثبٍ*
والأمرُ للهِ والعقبى لمن صلَحا
يا ويحَ نفسٍ توانتْ عن مراشدِها*
وطرفُها في عِنانِ الغَيِّ قدْ جَمَحا
ترجو الخلاصَ ولم تنهجْ مسالَكها*
منْ باعَ رُشْدًا بِغَيٍ قلَّما ربـِحا
منْ أرادَ محبةَ اللهِ فليلزمْ فرائضَه، ومنْ أرادَ قربَه فَلْيَلُذْ بجنابِه، ولا يضعفْ عن دعائِه، منافذُ القرباتِ عديدةٌ "فاسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"، "الصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
هذهِ مقوماتُ النجاحِ لمن أرادها، وبراهينُ الفوزِ لمن تمسَّك بها، "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ".
بلَّغنا اللهُ وإياكم والمسلمينَ منازلَ الأبرارِ، في جوارِ اللهِ وحزبِه الأخيارِ.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم إني أسألُك لي وللمسلمينَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ عَلى الرُّشدِ، وشُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عبادتِكَ، ولِسانًا صَادقًا، وقَلبًا سليمًا، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، يا مصرفَ القلوبِ ومقلِبَها ثبتْ قلوبنا على دينِك وطاعتِك.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1651815359_(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) -5-10-1443-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخِ الكرامِ.docx
1651815361_(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) -5-10-1443-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخِ الكرامِ.pdf
m93 m93
جزاك الله خيرا
تعديل التعليق