هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُم!

تركي بن عبدالله الميمان
1445/02/07 - 2023/08/23 16:12PM

 
هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُم!

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ جَالِبَةُ الخَيْرِ والبَرَكَةِ، وَدَافِعَةُ البَلَاءِ وَالهَلَكَةِ! ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّهَا مَوْطِنُ الرَّحَمَاتِ، وَمَوْقِعُ البَرَكَاتِ، وَالمَكَانُ الَّذِي يَذْكُرُهُ اللهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ؛ إِنَّهَا مَجَالِسُ الذِّكْرِ!

وَمَجْالِسُ الذِّكْرِ: هِيَ مَلْجَأُ الصَّالحِين، وَمَطْلَبُ المَلَائِكَةِالمُكْرَمِين! قال ﷺ: (إِنَّ لِلهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَتَنَادَوْا: "هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ!"، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) . وفي روايةٍ: (عَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ حَتَّى يَبْلُغُوا الْعَرْشَ!).

وَفِي هَذَا: شَرَفٌ عَظِيمٌ لِمَجَالِسِ الذِّكْرِ؛ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَبْحَثُ عَنْهَا وَتَلْتَمِسُهَا، فَإِذَا وَجَدُوْهَا وَعَثَرُوا عَلَيْهَا؛ فَرِحُوا بِهَذِهِ الغَنِيْمَةِ،وَتَنَادَوُا بَيْنَهُمْ: أَنْ تَعَالَوا إلى بُغْيَتِكُمْ! ثُمَّ حَضَرُوا ذَلِكَ المَجْلِسَ، وَشَارَكُوا أَهْلَهُ، وَحَفُّوا هَؤُلَاءِ الجَالِسِيْنَ بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْتَلِأَ المَجْلِسُ بِحُضُوْرِهِمْ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَرَفًا وَتَبْجِيْلًا!

قال ﷺ: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ U إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ!).

وَمَجَالِسُ الذِّكْرِ؛ يُحِبُّهَا الرَّحْمَنُ، لِأَنَّ اللهَ ﷻ يُحِبُّ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ!وَلِهَذَا جَاءَ في الحَدِيْثِ:"فَيَسْأَلُهمْ رَبُّهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ-: (مَا يَقُولُ عِبَادِي؟) قَالُوا: (يُسَبِّحُونَكَ،وَيُكَبِّرُونَكَ،وَيَحْمَدُونَكَ،وَيُمَجِّدُونَكَ)".

قال ابنُ القَيِّم: (إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِالذَّاكِرِيْنَ مَلَائِكَتَهُ، وَهَذَا دَلِيْلٌ على شَرَفِ الذِّكْرِ عِنْدَهُ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ على غَيْرِهِ مِنَالأَعْمَالِ!).

ثُمَّ يَقُولُ اللهُ لِمَلائِكَتِهِ: (هَلْ رَأَوْنِي؟) فَيَقُولُونَ: (لاَ وَاللهِ مَا رَأَوْكَ؟) فَيَقُولُ: (وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟!) فيَقُولُونَ: (لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا!).

وَفِي الحَدِيْث: فَضِيْلَةُ الإِيْمَانِ بِالغَيْبِ، وَأَنَّ الاِجْتِهَادَ في الذِّكْرِ؛ عَلى قَدْرِ قُوَّةِ الإِيْمَانِ، وَمَعْرِفَةِالرَّحْمَن؛ فَإِنَّ مَنْ كانَ بِاللهِ أَعْرَف؛ كانَ مِنْهُ أَخْوَف! وَمَنْ أَحَبَّ اللهَ:أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ!

قالَ العُلَمَاءُ: (أَهْل الذِّكْرِ: يَتَنَاوَلُالصَّلَاةَ، والدُّعَاءَ،وَقِرَاءَةَ القُرْآنِوَالحَدِيثِ، ودِرَاسَةَ العِلْمِ، وَالاِجْتِمَاع في الصَّلَوَاتِ في المَسَاجِدِ).

وَمَجَالِسُ الذِّكْرِ: بَابٌ عَظِيمٌ لِلْغُفْرَانِ، وَدُخُوْلِ الجِنَانِ، وَالنَّجَاةِمِنَ النِيْرَان! فَإِنَّ اللهَﷻ يَقُولُ لِمَلائِكَتِهِ: "(فَمَا يَسْأَلُونِي؟) قَالَ: (يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ) يَقُولُ: (وَهَلْ رَأَوْهَا؟)فيَقُولُونَ: (لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا!) فَيَقُولُ: (فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟!) فيَقُولُونَ: (لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؛ كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً) قال: (فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟) فَيَقُولُونَ: (مِنَ النَّارِ) فَيَقُولُ: (وَهَلْ رَأَوْهَا؟) فَيَقُولُونَ: (لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا!) فَيَقُولُ: (فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟) فَيَقُولُونَ: (لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً!) فَيَقُولُ: (فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ!)" .

وَمَنْ طَلَبَ الرَّاحَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَالنَّجَاةَ مِنَ الهَمِّ وَالكَآبَةِ؛ فَلْيَبْتَعِدْ عَنْ مَجَالِسِ الغَفْلَةِ، وَلْيَقْتَرِبْ مِنْ مَجَالِسِ العِلْمِ وَالخَشْيَةِ؛ فَفِي الحَدِيْثَ: أَنَّهُ "يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: (فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ) فقال U:(هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ!)".

قال ابْنُ حَجَر: (فِي هَذِهِ العِبَارَةِ، مُبَالَغَةٌ فِي نَفْيِ الشَّقَاءِ عَنْ جَلِيسِ الذَّاكِرِينَ! وَأَنَّ جَلِيسَهُمْ يَنْدَرِجُ مَعَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَتَفَضَّلُ اللهُ بِهِ عَلَيْهِمْ؛ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي أَصْلِ الذِّكْرِ!).

وَمَا تَلَذَّذَ المُتَلَذِّذُوْنَ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللهِ! ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ثَوَابِ الذِّكْرِ إِلَّا اللَّذَةُ الحَاصِلَةُ لِلْذَّاكِرِ، وَالنَّعِيْمُ الَّذِي يَحْصُلُ لِقَلْبِهِ؛ لَكَفَى بِهِ! فَالذِّكْرُ لِلْصَّالِحِينَ: هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيا قَبْلَ جَنَّةِ الآخِرَةِ! وَلِهَذَا سُمِّيَّتْ مَجَالِسُ الذِّكْرِ بِـ"رِيَاضِ الجَنَّةِ"؛ فَفِي الحَدِيْثِ: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ؛فَارْتَعُوا!) قالوا: (وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟) قال: (حِلَقُ الذِّكْرِ).

وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْثِ:الحَثُّ عَلَى صُحْبَةِ الصَّالِحِيْنَ، وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ مَجَالِسَ الغَفْلَةِ وَالعِصْيَانِ، إِلَى مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالإِيْمَانِ؛ عَوَّضَهُ اللهُ بِسَعَادَةٍ قَلْبِيَّةٍ، وَرَاحَةٍ نَفْسِيَّةٍ! ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

عِبَادَ الله: مَنْ وَجَدَ في نَفْسِهِ غَفْلَةً، وَفِي قَلْبِهِ قَسْوَةً؛فَلْيَحْمِلْهَا إلى مَجَالِسِ الذِّكْرِ؛ فَهِيَ مَحَطَّةُ الإِيْمَانِ، والقُرْب مِنَ الرَّحْمَنِ! فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَحْرِصُونَ على الجُلُوسِ لِلْذِّكْرِ،وَيُسَمُّوْنَهُ (إِيْمَانًا):كَمَا قَالَ مُعَاذٌ t لِرَجُلٍ:(اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً!)، يَعْنِي: نَذْكُرُ الله. قال ابْنُ القَيِّم: (مَجَالِسُ الذِّكْرِ: هِيَ مَجَالِسُ المَلَائِكَة! وَمَجَالِسُ الغَفْلَةِ:هِيَ مَجَالِسُ الشَّيَاطِيْن! فَلْيَتَخَيَّر العَبْدُ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْهِ؛ فَهُوَ مَعَ أَهْلِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة! والذَّاكِرُ يَسْعَدُ بِذِكْرِهِ، وَيَسْعَدُ بِهِ جَلِيْسُه. وَالغَافِلُ: يَشْقَى بِغَفْلَتِهِ، وَيَشْقَى بِهِ جَلِيْسُه!).

*******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

* * * *

d قَنَاةِ الخُطَبِ الوَجِيْزَةa

¨https://t.me/alkhutab©

* * * *

 

 

 

المرفقات

1692796180_هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ! (للطباعة).pdf

1692796181_هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُم! (للهاتف) .pdf

1692796182_هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ! (وورد).doc

المشاهدات 1814 | التعليقات 0