هذا العلمَ دِيْن ــــــ

عبدالعزيز بن محمد
1443/05/07 - 2021/12/11 20:21PM

أيها المسلمون: العِلْمُ نورٌ وبصيرة. والجهلُ ظلماتٌ وضلال. {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ..} عِلْمٌ يضيءُ الدربَ يهدي للرشاد، يرقى بِه الإنسانُ في دَربِ الفضيلة. وأبوابُ العُلومِ بلا انتهاءٍ.. وكُلُّ علمٍ يُحققُ به المرءُ نفعاً دنيوياً فهو محمود.  وكل علم يحقق به المرءُ نفعا أخروياً فهو رِفعةٌ وكرامة. وكُلُّ حاملِ رايةِ عِلْمٍ فهو بِهِا مَتْبُوْع،  وأزكى العِلمُ ما حَفِظَ الشريعة.   

وأكرمُ الناسِ مَن سَلكَ طريقَ عِلْمٍ نافِعٍ.. فَعَلِمَ مِن العُلوْمِ ما بهِ يَعْلُوْ وَعَلَّمْ. و(مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ)

عالِمٌ عامِلٌ.. يرتقي في معارِج الرِّفعةِ والدرجات ‏‏{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} والعِلْمُ مقاماتٌ ومنازِلُ وُرُتَب {وَفَوقَ كُلِّ ذِی عِلمٍ عَلِیم} كُلُّ عَالِمٍ, فَوْقَهُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ حتى يَنْتَهِي العِلْمُ إلى عَالِمِ الغَيْبِ والشَّهَادَة.  ومهما ارتقى عالمٌ في عِلْمٍ مِن العُلُوم وبَرَعْ..  عُلُوْمِ الدُّنيا أَو عُلُومِ الدِّين، فإنَّ عِلْمَه سيظَلُّ قاصراً ضئيلاً في واسِعِ عِلْم اللهِ العَلِيْم {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا}  وَجَمْعُ العُلومِ وحِفْظُها، وطلَبُ مَعانيها وإِدْرَاكُها، وتحليلُ مسائِلِها وَتَمْحِيْصُها، مَسارٌ من مساراتِ نيلِ العِلْم والتفوقِ فيه.   ولكنَّ العِلْمَ لَنْ يَكْسُوَ صَاحِبَهُ شرفاً، ولَن يُنِيْلَه رُتْبَةَ، ولَن يَمنَحُهُ مقاماً.. حتى يَتَحَلَّى بإِخْلاصٍ لا يُخالِطُهُ رِيَاءٌ، وَنُصْحٍ لا يُخالِطُه غِشٌّ، وبذلٍ لا يُخالِطُهُ مَنٌّ، وتقوى تَقِيْ مِن مزالِقِ الهوى، وورعٍ يحمي عَنْ حِمى الحرام.  

عِلْمٌ تَجَرَّدَ صاحِبُه من معاني الفضيلةِ.. عِلْمٌ منزوعُ النفعِ مَعْتوْه {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} مَثَلُ الذين تَعَلَّموا العِلْمَ فَلَمْ يقوموا بَحَقِّهِ ولَمْ يَعْمَلوا بِمُقتضاه..  كَمَثَلِ الحمارِ يحملُ أسفار الكُتُبِ على ظَهْرِه. لَيْسَ لَهْ مِنْ حِمْلِها حَظٌّ سِوى الإرهاقُ والكُلْفَةُ والتَّعَب.  وهَلْ فَتَحَتْ كُنوزُ العِلْمِ فَهْمَاً للحمارِ. إِنَّ العالِمَ العاليِ الذُّرَى.. تَقِيٌّ للهِ بِعِلْمِه، يحفظُ أَمانةَ العِلْمِ.. فلا يَكْتُمُ ولا يُحَرِّفُ، ولا يَنْحَرِفُ ولا يَمْتَطِيْ ظَهْراً للهوى.  نُطْقُهُ (للهِ) إِنْ نَطَقَ. وَصَمْتُهُ (لله) إِنْ صَمَتَ. يُبَيِّنُ للناسِ أَمْرَ دِيْنِهِم، بالكتابِ والسنةِ يهتدي.  يَحْمِلُ على عاتِقِه مِيثاقَ رَبِّ العالمين.  يُبَلِّغُ دينَ اللهِ بأمانةٍ.. يخشى أَن ينزَلِقَ مُنْزَلَقاً هَلكَ فيه عُلماءُ أهلِ الكتاب {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}

عباد الله: ومقامُ العالِمِ بِدِيْنِ اللهِ.. مقامٌ رفيعٌ. فَالناسُ فيما جهلوا من أمرِ الدِّينِ عَنْ فُتْيا العُلماءِ يَصدرون. كذا أَمرَهم اللهُ في كتابِه {فَسْـألُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وإِنَّ دِيناً يدينُ المرءُ بِه لله.. يجِبُ أَن يُحْمَى.. فَلا يُسْتَفْتَى فِيْ مَسَائِلِ الدِّيْنِ جاَهِلٌ ولا مُتعالِمٌ ولا صاحِبُ هوى.  قال ابن سيرينٍ رحمه الله :(إِنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم) وما اتقى عبدٌ رَبَّهُ.. إلا صانَ دِينَهُ، ونأى بِه عن مصادِرِ الجهلِ والهوى والضلال.  وتحرى بُلُوغَ أصْوَبِ أبوابِ الحقِّ في كُلِّ مسألةٍ لله فيها أمرٌ أو نهي.  ولئِنْ كانَ مِن تمامِ العقلِ في حفظِ مصالحِ الدُّنيا {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فإِنَّ من تمامِ العقلِ في حفظ مصالح الدين.. إِن أَحَقَّ من اسْتَفْتَيْتَ العالِمَ الوَرِعَ التقيَّ الأمين.   وأَعظَمُ جُرْمٍ يرتكِبُهُ العبدُ.. أَنْ يَجْتَرِئَ بالقولِ على الله بغير عِلْم {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}

يُسألُ مُتعالِمٌ عَن مسأَلةٍ من مسائل الدين.. فَيُقْحِمُ نفسَه في الإجابةِ عنها مِنْ غير عِلْمٍ مُسْتَمَدٍّ مِن دليلٍ.  زادُهُ في فتواهُ فلسفةٌ أو تَخْمِيْنٌ أو تعليلٌ. قال ابْنِ حُصَيْنٍ  رحمه الله : «إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ بن الخطابِ رضي الله عنه لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ» 

زَمَنٌ.. شاعَتْ فِيْهِ جُرأةُ المُتعالِمِ وللفتوى تَصَدَّر. زَيَّنَ لَهُ الشيطانُ وسَوَّلَ {..وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وَمَنْ عَالَجَ جَهْلَهُ.. بِفَتْوى مِمن لَم يُعْرَفْ بعِلْمٍ ووَرَعٍ وخشيةٍ وتقوى.. فكأنما عالَجَ السُّقمَ بالسُّمِّ.   ومَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ العُلماءِ.. وانتقى من فتاواهُم ما يوافِقُ هواهُ، لا ما يرى أَنَّه يوافِق الحَقَّ والصوابُ الذي شَرَعَهُ الله.. فقد زَهِدَ بِدِيْنِه وهانَ عليه إيمانُه. وما رَقَّ إيمانُ عبدٍ.. بِمِثلِ تتبعِ الرُّخَصِ. قال سليمانُ التيميُّ رحمه الله : (لَوْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشرَّ كُلَّه) وقال النوويُ رحمهُ الله: (يًحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِيْ الفَتْوَى و مَنْ عُرِفَ بِهِ حَرُمَ اسْتِفُتَاؤُه)ا.هـ {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}

بارك الله لي ولكم بالقرآن ..


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

أيها المسلمون: وإنَّ مما يجبُ على المسلمِ أن يُدْرِكَهُ.. أَنَّ كتابَ اللهِ وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم هُما أساسُ الدينِ ومُرْتَكَزُه. ومنهما مُنْطَلَقُ كُلِّ دعوةٍ صحيحةٍ.. فَمَن استمسكَ بهما بِحَقٍّ أدْرَكَ الفوزَ ونال الفلاح.  وتبليغُ دِينِ الله لا يَرْتَبِطُ بِحِزْبٍ ولا طائفةٍ ولا جماعة.  بَلْ سَيْرٌ على نهج القرآنِ واقتفاءٌ لصحيحِ السنةِ على فهم أَهْلِ السنةِ والجماعة.  ولئن كانَ العِلْمُ دينٌ.. والجرأةُ على الله بغير علمٍ كبيرةٌ من الكبائر. فإنَّ نَشْرَ العِلْمِ الصحيحِ وتَبْلِيْغِهِ للناسِ من أفضلِ الأعمالِ وأعظمها ثواباً. مُسْتَنَدُ ذلك من قولِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري.

حَدِيْثٌ.. بالعَمَلِ بِهِ يستقيمُ أَمرُ الدينِ، وينتَشِرُ العِلْمُ، ويشيعُ الخيرُ، ويُحمى جنابُ المِلَّة.  (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً) أَلا لا يَعْجَزَنَّ مُسْلِمٌ أَنْ يُبَلِّغَ عَنِ اللهِ وَرَسُوْلِه صلى الله عليه وسلم آيةً حفظها، أو حديثاً صحيحاً وعاه.  يُعَلِّمُ جاهلاً، أو يُذَكِّرُ غَافِلاً، أَوْ يَعِظُ مُعْرِضاً، أَوْ يُرْشِدُ تَائهاً.  وَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ عَابِرَةٍ خَرَجَتْ مِنُ قَلْبٍ صَادِقٍ.. كَتَبَ اللهُ بها نفعاً. وأدركَ بها قائلَها مَنَ اللهِ مَغفِرَةً وأجراً.  عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ) رواه البخاري

وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً) فيهِ استنفارٌ وتحفيزٌ على بذل العلمِ ونشر الخير والدعوةِ إلى الله. فإِنَّ تمام هذا الحديثَ يُهَذِّبُ سبيل الدعوةِ ويحميها من الانحراف (وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) تهديدٌ لِمَنْ لا يتورعُ عَن الافتراءِ على الله ورسولِه. أو القولِ عليهما بغير علمٍ .

ووسائلُ التواصُلِ.. كَمْ فيها من أسبابٍ النَّفُعِ.  وكَم فيها مِنَ المَخَاطِرِ لِمَن لَم يَتَوَقَّ مزالِقها.   حِيْنَ يُنشرُ المُسْلِمُ حديثاً لا يثبتُ عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وإنما وردَهُ فَصَدَّرَه، وسَمِعَهُ فَنَشَرَه. دونَ أَن يتحققَ من صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أو ينشرُ قولاً أو رسالةً استحسَنَ بِعَقْلِهِ ما فيهما مِن معنى. ولَمْ يُدْرِكْ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ.. ما فيهما مِن مُغالطاتٍ أو مُخالفاتٍ أو بِدَعٍ لَمْ يَعْضُدها دليلٌ صحيح.  فَرَحِمَ اللهُ عبداً.. نَصَحَ للهِ ولكتابِهِ ولِرَسُوْلِهِ وَلأَئِمَّةِ المسلمين وعامَّتِهِمْ.  

والتزَمَ دعوةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجاهدَ نفسَه على أَن يُحققَ ما فيها (اللهم إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَو أُظْلَمْ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)

اللهم طهر قلوبنا أصلح سرائرنا وتولَّ أمرنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

المرفقات

1639254072_هذا العلم دين ـــــ.doc

المشاهدات 577 | التعليقات 0