من وصايا المصطفى ﷺ

أيها المسلمون:
عن أبي هريرة ﭬ قال: قال رسول الله ﷺ: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه البخاري ومسلم. هذا الحديث وصية نافعة تدل على الحث على شكر الله بالاعتراف بنعمه والتحدث بها والاستعانة بها على طاعة المنعم وشكره فإن شكر الله هو رأس العبادة فإن ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة خاصة أو عامة إلا من الله وهو الــذي يأتي بالخيـــر والحسنات ويدفع السوء والسيئات قال الله -تعالى-: ﴿وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ﴾ [النحل: ٥٣] وقد أرشد النبي ﷺ إلى دواء عجيب وهو أن يلحظ الإنسان في كل وقت من هو دونه في العقل، والنسب والمال والصحة وأصناف النعم فمتى داوم على ذلك دعاه إلى شكر ربه والثناء عليه فإنه لا يزال يرى خلقًا كثيرًا دونه بدرجات ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أعطيه من عافية، ومال، وخلق فيحمد الله على ذلك حمدًا كثيرًا ويقول: الحمد الذي أنعم علي وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا. ينظر إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم فيحمد ربه على كمال العقل ويشاهد عالمًا كثيرًا ليس لهم قوت يدخرونه ولا مساكن يؤون إليها وهو مطمئن في سكنه موسع عليه في رزقه، ويرى خلقًا كثيرًا قد ابتلوا بأنواع الأمراض وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك يرفل في ثياب الصحة. وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه البخاري ومعنى آمنا في سربه: يعني بين أهله، وفي الحديث الآخر قال النبي ﷺ : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)رواه البخاري.
كما يلحظ أناسًا كثيرين قد استولى عليهم الهم وملكهم الحزن والوسواس وضيق الصدر ثم ينظر إلى عافيته من هذا الداء وراحة قلبه حتى ربما كان فقيرًا يفوق بهذه النعمة  كثيرًا من الأغنياء، ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالمًا كثيرًا أعظم منه وأشد مصيبة فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه.
أيها المسلمون:
إن المسلم ليشاهد خلقًا كثيرًا قد ابتلوا ببلاء أفظع من الفقر والمرض وأشد ألا وهو الوقوع في أوحال المعاصي والله سبحانه قد حفظه منها أو من كثير منها وما أحسن ما قيل:
وكل كسر فإن الدين جابره 
وما لكسر قناة الدين جبران

قال عمر بن الخطاب ﭬ: (ما ابتليت ببلاء إلا كان لله فيه أربع نعم: إذا لم يكن في ديني، وإذا لم يكن أعظم؛ وإذا لم أحرم الرضا به، وإذا أرجو الثواب عليه).
أيها المسلمون:
إن من ينظر إلى من دونه يبتعد عن احتقار الناس وازدرائهم ولا يكلف نفسه عيشة الأغنياء والمترفين بل يقنع بما قسم الله له ويرضى بقدره.                                   
وكان عمر بن عبدالعزيز ‘ كثيرًا ما يقول: (اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت). إن من ينظر إلى من دونه يجد ويجتهد في طلب الرزق واكتساب المعالي فإذا أدرك مراده قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا فاته الطلب ولم يبلغ مقصوده التفت إلى من وراءه فشكر الله ۵ وقال: ﴿ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ﴾ [الجمعة: ٤]قال بعض الحكماء: صحبت الأغنياء فلم أجد فيهم أحدًا أكثر مني همًّا لأني أرى ثيابًا أحسن من ثيابي ودابةً أحسن من دابتي ثم صحبت الفقراء بعد ذلك فاسترحت وما أحسن ما قيل:
ومن يطلب الأعلى من العيش لم يزل
إذا شئت أن تحيا سعيدًا فلا تكن 
حزينًا على الدنيا رهين غبونها
على حالة إلا رضيت بدونها

إن من وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي ﷺ لم يزل يشكره في قوة ونمو وزيادة ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى ومن عكس القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال وما يتبع ذلك فإنه لابد أن يزدري نعمة الله ويحتقرها ويفقد شكر الله ومتى فقد الشكر ترحلت عنه النعم، وتسابقت إليه النقم، وامتحن بالغم الملازم، والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير، وعدم الرضا بالله ربّا ومدبرًا، وذلك ضرر في الدين والدنيا، وخسران مبين.
أيها المسلمون: إن نعمة واحدة من نعم الله ۵ لا يستطيع الإنسان أن يحصي ما فيها من المنافع والفوائد فكيف بالنعم الكثيرة الظاهرة والباطنة. والشكر مدار الخير وعنوانه.               
قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل ﭬ: (والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: ربَ اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا) رواه النسائي والترمذي. وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعم الله فقال النبي ﷺ: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه مسلم. يذكر عن بعضهم أنه شكا فقره إلى بعض العلماء وأظهر شدة اغتمامه بذلك فقال له: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا؛ قال أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا؟ قال: لا؛ قال أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف؟ قال: لا؛ قال: أما أن تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفًا.
أيها المسلمون:
رسول الله ﷺ في هذه الوصية العظيمة يرشدنا إلى أن ننظر إلى من هو أسفل منا في شؤون الدنيا والعافية، وما شاكل ذلك. وأما في شؤون الآخرة، وطاعة الله ۵ فإن المسلم مأمور أن ينظر إلى من هو فوقه ولا يقنع بالدون بل ينافس في طاعة الله ۵ كما قال -عز من قائل-: ﴿خِتامُهُ مِسكٌ وَفي ذلِكَ فَليَتَنافَسِ المُتَنافِسونَ﴾ [المطففين: ٢٦] وقال -تعالى-: ﴿لِمِثلِ هذا فَليَعمَلِ العامِلونَ﴾ [الصافات: ٦١] .

المرفقات

1722525131_‎⁨من وصايا المصطفى⁩.docx

المشاهدات 968 | التعليقات 0