من فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله

عايد القزلان التميمي
1445/02/12 - 2023/08/28 09:54AM
الحمد لله بديع السماوات ذى الطول والحول والقوة الملك العزيز الوهاب القائِلِ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، أخبر أنَّ ذِكْرَ الله تعالى أفضَل ما يعمَل العامِلون، اللهمّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبِه ما ذكره الذّاكرون وغفَل عنه الغافلون.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى: (( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
عباد الله وإنَّ مِنَ الأذكارِ النبويَّةِ العظيمةِ التي كان يُكثرُ من قولِها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويَحُثُّ على الإكثارِ منها والعنايةِ بها ولها فضل عظيم قولَ: لا حول ولا قوة إلَّا بالله،
وقيل معتى “لا حول ولا قوة إلا بالله”: “أي لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله،
ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله
واعلموا أن لهذه الكلمة العظيمة من الفضائلِ والفوائدِ ما لا يُحصيه إلَّا الله، ومن ذلك

أنها وردت في عدة أحاديث مضمومة إلى الكلمات الأربع الموصفة بأنها أحب الكلام إلى الله، فقد جاء في الحديث قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ (( ما على الأرضِ رَجُلٌ يقولُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، وسُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، إلَّا كُفِّرَتْ عنهُ ذُنُوبُهُ، ولَوْ كَانتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ ((
رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر

ومن فضائل الحوقلة أنها وردت معدودة في الباقيات الصالحات التي قال الله تعالى عنها: { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}
ولعل من أشهر فضائل الحوقلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنها كنز من كنوز الجنة،
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال ((  لَمَّا غَزَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبَرَ -أوْ قالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أشْرَفَ النَّاسُ علَى وادٍ، فَرَفَعُوا أصْوَاتَهُمْ بالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ؛ إنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا؛ إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهو معكُمْ. وأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَمِعَنِي وأَنَا أقُولُ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فَقالَ لِي: يا عَبْدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ. قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ألَا أدُلُّكَ علَى كَلِمَةٍ مِن كَنْزٍ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أبِي وأُمِّي، قالَ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ. ((

عباد الله في هذا الحديث يذكر أبو مُوسَى رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان سائرًا خَلفَ دابَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَمِعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَقولُ: «لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ»، ومعناها: لا حَرَكةَ ولا حِيلةَ، ولا اسْتِطاعةَ إلَّا بمَشيئةِ اللهِ تعالَى، وإرادَتِه، وقُدرَتِه، وقيلَ: مَعْناه: لا حَولَ في دَفعِ شرٍّ، ولا قوَّةَ في تَحْصيلِ خَيرٍ إلَّا باللهِ،  وقيلَ: لا حَولَ عن مَعْصيةِ اللهِ إلَّا بعِصمَتِه، ولا قوَّةَ على طاعَتِه إلَّا بمَعونَتِه؛
فهي كَلمةُ اسْتِسلامٍ وتَفْويضٍ إلى اللهِ تعالَى، واعْتِرافٍ له بأنَّه لا خالِقَ غيرُه، ولا ربَّ سِواه، ولا رادَّ لأمْرِه، ولا مُعقِّبَ لحُكمِه، وأنَّ العبدَ لا يَملِكُ شَيئًا، وأنَّ اللهَ مالِكُ عِبادِه، يَفعَلُ فيهم كلَّ ما أرادَه.
فبيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي مُوسى الأشْعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه فَضلَ هذه الكَلمةِ فقال له: «ألَا أدُلُّكَ على كَلمةٍ مِن كَنزٍ مِن كُنوزِ الجنَّةِ؟»؛ أي: كالكَنزِ في كَونِه غال ونفيس ، ويُنتفع منه، فقال أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه: «بَلى يا رَسولَ اللهِ، فِداكَ أبي وأُمِّي! فقال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ».
فهي كَنزٌ مِن كُنوزِ الجنَّةِ؛ لِمَا فيها منَ التَّبرُّؤِ مِن القُوَّةِ والحِيلةِ، والإقْرارِ بأنَّه لا يُوصَلُ إلى تَدْبيرِ أمرٍ، وتَغْييرِ حالٍ؛ إلَّا بمَشيئةِ اللهِ وعَوْنِه.
عباد الله ومن فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله  أنه إذا قال العبدُ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فهذه استعانة منه بربِّه وخالقه -جلَّ جلاله-؛ ولهذا سنَّها النبيُّ ﷺ حينما يقول المؤذنُ: "حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح" أن يقول السامعُ مجيبًا: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فمعنى ذلك: أنَّه لا تحول من حالٍ إلى حالٍ، ولا يستطيع العبدُ أن يُجيب المؤذن، وأن يذهب فيُجيب داعي الله -تبارك وتعالى- ويُصلِّي إلا بإعانة الله وتوفيقه.
ومن فضائل الحوقلة أنها تتضمن الإقرار بربوبية الله وأنه وحده الخالق لهذا العالم،  والإقرار بأسماء الله وصفاته، والإقرار بألوهية الله، والإيمان بقضاء الله وقدره،
وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في أكثر من آية قرآنية، منها قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}.
ومن فضائلها: أنها كفاية للعبد وحرزًا له من الشيطان، فقد روى أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  (( إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: حَسْبُكَ، قَدْ كُفِيتَ وَهُدِيتَ وَوُقِيتَ، فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ” ))،
 ومن فضائلها: أنها سبب لإجابة الدعاء، وقبول العبادة، روى البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُم اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ”،
ومن فضائلها: أن من داوم عليها وجد قوة في بدنه، قال ابن القيم (( وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، ومما يُخاف منه)).
قال الشيخُ ابنُ بازٍ: ( فينبغي الإكثار منها كُلَّ وقتٍ في الصباح والمساء وغيرهما
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله الملك الحق المبين، القوي المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد فيا عباد الله : ومِن الخطأ أن بعض الناس يستعملها في الاسترجاع وعند المصائب، قال الإمامُ ابنُ تيمية: (إنَّ هذهِ الكَلِمَةَ كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ؛ لا كَلِمَةُ اسْتِرْجَاعٍ، وكَثيرٌ مِن النَّاسِ يَقُولُهَا عندَ الْمَصَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الاسْتِرْجَاعِ، ويَقُولُهَا جَزَعًا لا صَبْرًا) انتهى.
والصحيح أن تقول عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون
ومن الخطأ أيضًا: اختصار بعض الناس لها، فيقولون: لا حول، وبعضهم يقول: لا حول الله، وهذا اختصارٌ مُخلٌّ،
 فينبغي للمسلم أن يأتي بهذا الذكر بلفظه الشرعي تامًّا غير منقوص، فينبغي التنبيه والتصحيح. فأكثروا عباد الله من قولِها، ورَبُّوا أهليكُمْ وأولادِكم على الإكثارِ منهَا، فهي من أعظمِ أسبابِ مواجهةِ الصعابِ وتخفيفِ والأحزانِ والهُمومِ والغمومِ،
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى  فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].  
المرفقات

1693205637_من فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله.docx

المشاهدات 467 | التعليقات 0