من ثمار الإيمان
سلطان الحصين
اللَّهُمَّ رَبَّناَ لَكَ الحَمْدُ بِمَا خَلَقْتَنَا وَرَزَقْتَنَا وَهَدَيْتَنَا، وَأَنْقَذْتَنَا وَفَرَّجْتَ عَنَّا، لَكَ الحَمْدُ بِالْإِيمَانِ وَلَكَ الحَمْدُ بِالإِسْلَام وَلَكَ الحَمْدُ بِالأَهْلِ وَالمَالِ وَالمُعَافَاة بَسَطْتَ رِزْقَنَا وَأَظْهَرْتَ أَمْنَنَا وَمِنْ كُلِّ مَا سَأَلْنَاكَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ حَمْداً كَثِيراً، لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَلَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ وَالنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ وَإِمَامِ الدُّعَاةِ، مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب:70-71]
إِخْوَةَ الإِسْلَام: لأَهْلِ الإِيمَانِ صِفَاتٌ يَتَّصِفُونَ بِهَا، يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة الأنفال:2-4]
فَمِنْ أَهَمِّ صِفَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ: أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ ذِكْرَ اللهِ وَيَأْنَسُونَ بِكَلَامِ رَبِّهِمْ، وَتَوْجَلُ قُلُوبُهُمْ مِنْهُ وَهُمْ دَوْماً عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا أَيْدِيْهِمْ سَخِيَّةٌ فِي الإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَتَبَارَكَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَالَ شَهَادَةَ الإِيمَانِ الحَقِيقِي؛ {أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}، وَهُمْ يَوْمَ لِقَاءِ رَبِّهِمْ مِنَ الفَائِزِين؛ {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
أَيُّهَا المُؤْمِنُون: مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ طَابَ عَيْشُهُ وَسَارَ عَلَى بَصِيرَةٍ، يُقْبِلُ عَلَى دُنْيَاهُ مُطْمَئِنّاً هَانِئاً سَعِيداً رَضِيّاً مَهْمَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الظُّرُوفُ وَتَقَلَّبَتْ بِهِ الأَحْوَالُ وَمَنْ حُرِمَ هَذِهِ النِّعْمَةَ فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، وَفَقَدَ لَذَّةَ السَّعَادَةِ وَالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَعَاشَ حَيَاةَ الضَّنْكِ وَالشَّقَاءِ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ} [سورة طه:124-126]
إِخْوَةَ الإِسْلَام: لِلْإِيمَانِ ثِمَارٌ جَلِيلَةٌ وَمِنْ أَهَمِّ ثِمَارِهِ: حُسْنُ الخُلُقِ مَعَ النَّاسِ عَامَةً وَمَعَ الأَهْلِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ» أخرجه أحمد
وَمِنْ ثِمَارِ الإِيمَانِ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أَنَّهُ يَضْبِطُ اللِّسَانَ وَيُبْعِدُ المُؤْمِنَ عَنْ مَوَاطِنِ الزَّلَلِ وَسَقَطَاتِ الكَلَامِ وَفُحْشِ القَوْلِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» أخرجه الترمذي
وَلِلْإِيمَانِ ثِمَارٌ يَانِعَةٌ عَلَى البَيْتِ المُسْلِمِ؛ فَهُوَ يُثَبِّتُ دَعَائِمَ العَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّة، وَيَمْنَحُ المُسْلِمَ المِيزَانَ العَادِلَ فِي الحُكْمِ وَالتَّقْيِيمِ بَيْنَ الإِيجَابِيَّاتِ وَالسَّلْبِيَّاتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرُكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أخرجه مسلم
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: وَمِنْ أَعْظَمِ ثِمَارِ الإِيمَانِ: الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ فِي الدُّنْيَا بِكُلِّ مَعَانِيهَا وَالفَوْزُ العَظِيمُ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ فِي الآخِرَةِ، يَقُولُ رَبُّنَا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة النحل:97]
أَيُّهَا المُؤْمِنُون: الإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَادٌ بِالجِنَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ باِلعِصْيَانِ، فَاسْعَوْا رَحِمَكُمُ اللهُ إِلَى زِيَادَتِهِ وَنَمَائِهِ، فَهُوَ طَرِيقُكُمْ إِلَى الفَوْزِ العَظِيمِ وَبِهِ تَسْعَدُون فِي دُنْيَاكُمْ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ الأحدُ الصمدُ، لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كفواً أحد، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد
إِخْوَةَ الإِسْلَام: لِلْإِيمَانِ رَكَائِزُ يَرْتَكِزُ عَلَيْهَا، يُوَضِّحُهَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ) أخرجه البخاري
جَاءَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِي إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلاً لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً بَعْدَكَ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ» أخرجه أحمد وابن حِبَّان
وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: (لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي القَلْبِ وَصَدَّقَتْهُ الأَعْمَالُ)
ابْنَ آدَمَ: أَحْبِبْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفارِقُهُ واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلَاقِيهِ وَكُنْ كَمَا شِئْتَ فَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْه،ِ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين
___
المرفقات
1624108134_من ثمار الإيمان.docx