من إعجاز الصيدلية النفسية النبوية ج 1

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/06/11 - 2013/04/21 08:35AM
من إعجاز الصيدلية النفسية الإسلامية : دعاء دفع الهم والحزن / ج 1 .

الاستفتاح بخطبة الحاجة ، ثم أما بعد :
أيها الإخوةُ في الله : نقفُ اليومَ مع دعاءٍ عظيمٍ مشهور ، حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه ويعمَل به : فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا"، قال الراوي : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟، فَقَالَ:" بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" B]رواه الإمام أحمد في المسند 1/391 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 198[/B][B. [/B]
معشر المؤمنين : هذه وصفةٌ علاجيَّةٌ من المؤيَّدِ بالوحيِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ،يعالجُ بها أمراضًا من أشدّ الأمراضِ فتكًا بالقلوب ، إنَّها أمراضُ الهمّ والغمّ والقلق والحسرة والحُزن ؛ فتكَت ولا تزال تفتكُ بالملايين من البشر . . نقف - حسبما يسمحُ به الوقت - مع كلمات هذا الحديث العظيم،متدبّرين مطبّقين لقوله صلى الله عليه وسلم :" بَلَى؛ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" . .
فأما عن الوقفة الأولى فهي معرفةُ كيفَ يعملُ الذكرُ والدُّعاءُ في العلاج ؟،وذلك حتى نفهمَ هذه الوصفةَ العلاجية فهمًا صحيحًا ونستفيدَ منها في علاج أدوائنا وأمراضنا . .
يظُنُّ عددٌ كبيرٌ من الناس أنَّ الأذكارَ والأدعيةَ تعملُ في حياةِ المسلمِ بطريقة خارقةٍ خفيَّة أو "ميكانيكية " ، متى ما نطق بها اللسانُ تحققَ أثرُها وترتَّبَ موعودُها ولا بُد، وهذا خطأٌ ناتجٌ عن سوء الفهم لمقاصدِ الأدعيةِ والأذكار في الإسلام .فلنصَحّحِ المفاهيم قبل الشروع في الحديث؛ الأذكارُ والأدعيةُ الشرعية- معشر المؤمنين- ليست همهَمَةً ولا طقوسًا مُبهمة ؛إنَّما هيَ تربيةٌ شاملةٌ ومنهجٌ متكامل،كلامٌ ينطقُ به اللسان ويعتقدُهُ الجَنان، يتواطأُ فيهِ القلبُ واللسانُ جميعًا،القلبُ بالاعتقاد الراسخ والانكسار الصادق،واللسانُ بالإعلان والطلب والسؤال..متى ما اجتمع في العبد هذا وهذا ؛حصلت الاستجابةُ، وحصل التغيير بإذن الله،قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :" اعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافِلٍ لاه "(صحيح الجامع:245) . فينبغي استحضارُ هذه القاعدة عند كل دُعاء،وفي حديث هذه الجمعة حتى نُحسنَ فهمَ العلاج ونصيبَ في تشخيص الدواء . .
ثمَّ نقولُ - معشر المؤمنين - : أجمعَ أطباءُ القلوبِ والعقول والنفوس أنَّ سبَبَ مرضِ الهمّ والغمّ
والقلق والحُزْن راجعٌ بالأساس إلى المريض نفسه،نابعٌ من خواطره وأفكاره،منبعثٌ من أعماقه ودواخله وشخصيته،فالإنسان هو المسؤولُ الأول عن صناعة الهمَ والغمَ والقلق والحُزن،وأيُّ علاجٍ لا ينبعثُ من الداخل،ولا ينبُعُ من الذات فإنَّهُ لا يمكنُ أن يجتثَّ المرضَ النفسيَّ أو يقضي عليه مهما تناولَ العبدُ من أدوية . . و لكَ أن تتأمل قول الله تعالى : [FONT="])إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ[FONT="][[/FONT] (الرعد:11). فالتغيير في الخارج لا بدَّ وأن يسبقهُ تغييرٌ من الداخل وإلا فلا تغيير . . نعودُ إلى الحديث فنقول :هنا يكمُنُ الإعجازُ والإبداعُ والتأييد ،فكلُّ الأدوية التي أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث والتي تقضي على أمراض الهمّ والغمّ والاكتئابِ والقلق والحسرة والحُزن كلُّها داخليَّةٌ تنبعثُ من الأعماق والداخل .. وهذا من أكبر البراهين على صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ما معه من الوحي مُطابقٌ للعلم الصريحِ الصحيح ، بل زائدٌ عليه بما لا قِبَلَ للبَشَر به. .[/FONT]
تأمَّل هذه الوصفةَ التي حوت خمسةَ أدوية . . ما أجلَّها و ما أقواها في تحقيق السكينة والراحة والاطمئنان والأمل لنفوس الناس ! :
أما الدواء الأول : فهو الإسلام لله رب العالمين و تحريرُ النفس من عبوديةِ ما سوى الله كائنًا من كان في الحياة . . عبَّر عن ذلك بقوله:" اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِك ". .
وأما الدواء الثاني : فهو انقيادٌ واعتمادٌ على اللهِ في تصريفِ الخواطر والأفكار فيما يعودُ نفعُهُ ويُرتجَى خيرُه،عبَّر عن ذلك بقوله:" نَاصِيَتِي بِيَدِك ".. /// وأما الدواء الثالث : فهو سكونُ القلب لقضاء الله،و الاعتراف بأنَّ ما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يَكُن..عبَّر عن ذلك بقوله:" مَاضٍ فِيَّ حُكْمُك " //// وأما الدواء الرابع : فهو الاعتراف بأنَّ قضاءَ اللهِ فيكَ عدلٌ كلُّهُ لا ظُلمَ فيه ولا حَيف . . عبَّر عن ذلك بقوله :" عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُك ". .///وأما الدواء الخامس : فهو طردُ الفراغِ ووَساوسِ الشيطان من الصدر، وعمارتُهُ بقرآن الرحمنِ الذي حوى كلَّ أنواعِ الأدوية . .!
تأمَّل- أخي في الله- هذهِ الأدوية،انظُر كيف قدَّمت حلولاً جذريَّةً لأفتك أمراض العصر،حلولاً منبعثةً من الأعماق والداخل، واجتماعُها في حياة العبد؛ كفيلٌ بنقل الحياة من الهم والغم والقلق والاضطراب إلى الرضا والسكينة والراحة والطمأنينة ..
نسألُ اللهَ التوفيقَ إلى ما يحبُّ ويرضَى،أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :

أيها الإخوةُ في الله : ما من دواءٍ من هذه الأدوية إلا ويحتاجُ جُمُعةً بأكملها بل جُمُعات،ولعلَّ في الإشارة والتنبيه على بعضها ما يفتحُ باب التفكُّر في الأدويةِ الأخرى . .
تأمَّل قوله صبى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِك " :
إنَّهُ إعلانُ الإسلامِ والعبوديةِ للهِ اختيارًا،وتخليصُ النفسِ من عبوديَّةِ من سواهُ وما سواهُ كائنًا ما كان في الحياة . .
وما أجلَّ هذا الدَّواءَ –أحبَّتي في الله-!! ،فإنَّ من صدقَ في إسلامه وعبوديته لله لا يعرفُ الهمَّ والغمَّ والاضطرابَ والقلق، ومن جعلَ نفسهُ عبدًا للمال عرفَ القلقَ والاضطراب،ومن جعل نفسهُ عبدًا للجمال عرفَ القلق والاضطراب،ومن جعل نفسه عبدًا للشهوة أو الشُّهرَة وجدَ نفسَ الألمِ ولو بعد حين. . وتأمَّل كيف تكثُرُ أمراضُ النفوس في غير المسلمين ،بل تجدُ أغنى الناس وأجملَ الناس وأشهرَ الناس تنتهي حياتُهُ عندهم بالفشل والاكتئاب والانتحار . . والسرُّ أنَّ في النفسِ جَوعةٌ لعبوديَّة الله وحدَهُ لا تُشبعها أيُّ عبوديَّة . .!
ثمَّ تأمَّل -أخي في الله- قوله صلى الله عليه وسلم :" عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُك " : تُرَى ما علاقةُ هذا الكلامِ بعلاج الهمّ والغمّ والقلقِ والاضطراب...؟! أقولُ : هيَ نِعْمَ العلاجُ لمَن فهمَ الكَلامَ وحرِصَ على الدَّواء !
انظُر في نفسكَ وفي مَن حولَكَ وتدبّر معي : كم من إنسانٍ يشكُو الفقرَ و ضيقَ الرّزقِ وقِلَّةِ ذاتِ اليَد،يكثُرُ لذلك همُّهُ،و يقلَقُ ضميرُهُ ويتكدَّرُ خاطِرُه،وربَّما أسلمَ نفسهُ إلى الاكتئاب أو الانتحار،لو كان يعلمُ أنَّ قضاءَ الله عدلٌ كلُّه،وأنَّ اللهَ لا يظلمُ العباد،لأحسنَ الظنَّ بالله ،فيبحثُ عن الأسباب الحقيقيةِ لما هو فيه، فإذا هي فيهِ وفي أعماله وهو لا يدري ولم ينتبِه . . قال أحدُ الصالحين :" إنّي لأُحْرَمُ الرزقَ بالذنبِ أصيبُه ! ".
-وكم من إنسانٍ يشكُو كثرةَ الدُّيونِ وتراكُمَ الحقوقِ، فيكثُرُ لذلك همُّه،و يقلَقُ ضميرُه ويتكدَّرُ خاطرُه ،وربَّما أسلمَ نفسهُ إلى الاكتئاب أو الانتحار، تبحثُ عن الأسباب الحقيقيةِ فإذا هي فيه وفي تخطيطِهِ وفي منهجهِ في الحياةِ وهو لا يدري ولم ينتبِه . . ولو علمَ أنَّ قضاءَ اللهِ عدلٌ بلا ريبٍ وأنَّ اللهَ لا يظلمُ الناسَ شيئًا لتفتَّحت أمام عينه الأبوابُ والوسائلُ والسُّبُل ..!
- وكم من فتاةٍ تشكُو تأخُّرَ الزَّواجِ وانصرَافَ الخُطَّابِ، فيكثُرُ همُّها،و يقلَقُ ضميرُها و رُبَّما أسلمت نفسَها إلى الانعزال أو الاكتئاب ، تبحثُ عن الأسباب الحقيقيةِ فإذا هي فيها وفي قلبها وأعمالها وهي لا تدري ولم تنتبِه . . ولو سلَّمت بأنَّ قضاءَ اللهِ فيها عدلٌ بلا ريبٍ وأنَّ اللهَ لا يظلمُ الناسَ شيئًا لتفتَّحت أمامها الأبوابُ والوسائلُ ولرُزِقت من حيثُ لا تحتسب ..! قال أحدُ الصالحين:" إنّي أعصي اللهَ عز وجل فأجدُ ذلكَ في خُلُقِ دابَّتي وامرأتي "!.
- وكم من إنسانٍ يشكُو انسدَادَ الأبواب ، وضياعَ الفُرَص في الحياة، وانتقال حياتِهِ من سيّءٍ إلى أسوأ، فيكثُرُ همُّه،و يقلَقُ ضميرُه ويتكدَّرُ خاطرُه، وربَّما أسلمَ نفسهُ إلى الانعزالِ أو الاكتئاب أو الانتحار.. ، تبحثُ عن الأسباب الحقيقيةِ فإذا هي فيه وفي تقصيره وتضييعه وهو لا يدري ولم ينتبِه . . ولو سلَّمَ أنَّ قضاءَ اللهِ فيهِ عدلٌ بلا ريبٍ ،فغيَّرَ لغيَّرَ اللهُ عليه ،ولتفتَّحت أمام عينه الأبوابُ والسُّبُل ..!
معشر المؤمنين : العلمُ بأنَّ قضاءَ اللهِ عدلٌ لا ريبَ فيهِ يورثُ النفسَ سكينةً وطمأنينةً لا يذوقُ حلاوتها إلا من رضيَ عنِ اللهِ عز وجل فيما يُحبُّ وفيما يكرَه . .! وعلى مثل هذا التفصيلِ ينبغي أن تُفهَمَ بقيَّةُ الأدويةِ المذكورةِ في علاجِ الهمّ والغمّ والقلق والاضطراب . .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ..

رابط الخطبة الثانية من سلسلة (من إعجاز الصيدلية النفسية الإسلامية: دعاء دفع الهم والحزن )
https://khutabaa.com/forums/موضوع/140275
المشاهدات 3229 | التعليقات 2

أحسن الله إليك أستاذ زياد لإضافتكم الرابط، طول شرح الحديث هو الذي دفع إلى تقسيم الموضوع إلى خطبتين خشية الإطالة على الجمهور وذهاب تركيزهم فتذهب الثمرة . جزاكم الله خيرا .


بارك الله جهودك المباركة