من إعجاز الصيدلية النفسية النبوية ج 2

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/06/11 - 2013/04/21 08:39AM
من إعجاز الصيدلية النفسية الإسلامية : دعاء دفع الهم والحزن ج 2 .
الاستفتاح بخطبة الحاجة ، ثم أما بعد : لازلنا – معشر المؤمنين- نتأمل الوصفةَ العلاجيةَ التي قدَّمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمن يعاني الهمَّ والغمَّ والقلق والاضطراب ، وقد رأينا في الجمعة الماضية أنَّ جميع الأدويةِ المذكورةِ في الحديث داخليَّةٌ تنبعثُ من الأعماق والداخل . . وهذا هو المبدأ الأساسي في علاج الأمراض النفسية بمختلف أنواعها . . // نقفُ اليومَ مع بقيَّة الأدويةِ المذكورة في الحديث بعد أن وقفنا مع دوائين من الوصفة : " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ " : والذي عنى به :" إعلانَ الإسلامِ والعبوديةِ للهِ اختيارًا،وتخليصَ النفسِ من عبوديَّةِ من سواهُ وما سواهُ كائنًا ما كان في الحياة "، والدواءِ الثاني : " عدلٌ فيَّ قضاؤُك " والذي عنى به " الاعترافَ والاقتناعَ التام بأنَّ قضاءَ اللهِ فيكَ عدلٌ كلُّهُ لا ظُلمَ فيه ولا حَيف " . .
أيها الإخوةُ في الله : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" نَاصِيَتِي بِيَدِك " : الناصيةُ هي مُقَدَّمُ الرأس ،أو هيَ على التدقيقِ " الجزءُ المتقدّمُ من المُخ في الرأس جهةِ الجَبهة " أي " الفَص الجَبهي من المُخ " ،ومن إعجاز الحديث النبوي الذي لا ينطقُ صاحبُهُ عن الهوى أنَّ العلمَ الحديثَ أثبتَ أنَّ وظيفةَ الناصيةِ في الإنسان والحيوان هي القيادةُ والتوجيهُ للسلوك ، منها ينبعثُ التوجيهُ الحسنُ فترى السلوكَ الحَسن، ومنها ينبعثُ التوجيهُ المنحرفُ فترى السلوكَ المنحرف، وإذا عرفتَ ذلك فهمتَ معنى قوله تعالى:[FONT="])[/FONT] نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَة[FONT="][[/FONT] (العلق 16)،وفهمت قوله صلى الله عليه وسلم :" أعوذُ بك من شرّ كلّ شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته" رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث التي تتكلم عن الناصية .
نعودُ الآن إلى حديث الجُمُعة فنقول : إذا كانت الناصيةُ هيّ مركزَ القيادة والتوجيهِ في الإنسان فمعنى ذلك : أنَّهُ إذا أسلمَ القيادة فيها للخواطِرِ السوداء والأفكار السلبيةِ والأوهامِ والحماقات فإنَّ ذلكَ يجُرُّهُ إلى الهمّ والحُزن ، والقلق والاضطراب ،ثمَّ الانطواء والاكتئاب وهكذا تنشأ الأمراضُ والعُقدُ النفسية . . ! ، والحديثُ يربّي على عكس ذلك ! .
و لكَ أن تتأمَّل كيف أنَّ بدايةَ كثيرٍ من الأمراض المستعصية في حياة الرجال والنساء إنَّما منشأهُ في الحقيقة من الناصية وما كان يدورُ فيها . . وأما من كانَ إيجابيًّا في تفكيره لا يُسلمُ قيادة ناصيته للأوهام والخرافات ، والحماقات والسلبيات فشخصٌ لا يجدُ في طريقه الهمَّ والغمَّ والقلقَ المَرَضي . .
ومعنى ذلك أيضًا أنَّهُ إذا أسلمَ القيادةَ في ناصيته للهِ عز وجل عبوديَّةً واختيارَا،واعتمدَ على الله تعالى وتوكَّلَ عليه حقَّ الاعتمادِ والتوكُّل في طلب التوفيقِ في يومِه ، وتركَ التفكير السّلبيَّ في الماضي الذي لا يدري ما الله قضَى فيه ، وفي المستقبل الذي لا يدري ما الله قاضٍ فيه ، من فعلَ ذلك كانَ إنسانًا موفَّقًا أينما حلَّ واتَّجَه . . ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :" مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَن "فذكَرَ الهمَّ الذي ينشأ من كثرة التفكير في المستقبل ، وذكر الحَزَن الذي ينشأُ من كثرة التفكير في الماضي . .
أيها الإخوةُ في الله : المقصودُ أنَّ الناصيةَ وما يدورُ فيها من خواطرَ وأفكار ، وما ينشأُ عنها من توجيهٍ وقيادةٍ للإنسان لو أسلمتها للهِ عبوديَّةً وتوكُّلاً و اختيارَا ، وجنَّبتها الشيطانَ ووساوسَهُ وأوهامَهُ كنتَ أبعدَ الناسِ عن القلقِ والاكتئابِ والهم . .
ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم في الدواءِ الآخَر : " مَاضٍ فِيَّ حُكْمُك " :
حُكمُ اللهُ – معشر المؤمنين- ماضٍ في خلقِهِ لا يعترضُهُ شيء ، وإنَّما يتمايزُ الناسُ في موقفهم من القضاء والقَدر : فقسمٌ هو أشرفُ الأقسام ، يرضَى بحُكم الله عليهِ ولو كان في الحكم آلامٌ وأوجاع، ولو كان الحُكمُ النازلُ على خلافِ الهوى وما تشتهيهِ النفس، سواءً كان هذا الحكمُ في الصحَّةِ أو المالِ أو الوظيفةِ أو الأولادِ أو في عدمِ الزواجِ أو عَدَمِ الخِلفَةِ أو في غيرها من الآلامِ والمصائب . . فهذا القسمُ الراضي المُسلّمُ المستسلمُ هو أسعدُ الأقسام في الآخرة مع ما يجدُهُ في الدنيا من الراحةِ والطمأنينةِ وسَعَةِ الصَّدر والسلامة من الأمراض النفسية والعصبية . .
وأمَّا القسمُ الآخرُ الذي يعتبرُ بيئةً تُعشّشُ فيها العُقدُ و الأمراضُ النفسيةُ والعصبية، فهو من لا يتلقَّى حُكمَ اللهِ فيهِ بالرّضا والتسليم وإنَّما بالتضجُّر والتسخُّطِ والرفض . .إذا ابتلاهُ اللهُ بشيءٍ من المصائبِ لحكمٍ يعلمُها اللهُ ولا نعلمُها تسخَّطَ واغتم ، اضطربَ قلبُهُ وضاقت نفسُهُ ، ثم أسلمَ نفسهُ إلى الخواطر السوداء والأفكار السلبية ، ثمَّ لا تزالُ تتراكمُ وتتراكمُ حتَّى ينتهي إلى الاكتئابِ و إصابةِ الأعصاب . . ،ولكَ أن تفهمَ في هذا الإطار قولَهُ صلى الله عليه وسلم :" إذا أصاب أحدَكُم همٌّ أو لَأْوَاءٌ فليقل : اللهُ اللهُ ربي لا أشرك به شيئا "(صحيح الجامع :348) . ‌
نسألُ اللهَ التوفيقَ إلى ما يحبُّ ويرضَى ،أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
أيها الإخوةُ في الله : ثم نقفُ مع الدواء الآخَر وهو من أعظم الأدويةِ في علاجِ أمراضِ النفسِ من قلق وهمّ وحُزنِ واضطراب ، وهذا الدواءُ لشرفِهِ وقُوَّةِ نفعه جاءَ بعدَ ثناءٍ عظيمٍ على الله تعالى :" أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي " قال رسول الله [FONT="]r[/FONT] :" إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا".
تأمَّلوا هذا الدواءَ العظيم ما أجلَّهُ وما أقواه ، متى ما سكنَ الصَّدرَ وعمرَ الفؤادَ جعلَ للحياةِ لذَّة وقضَى على الفراغ و طردَ الأسبابَ الجالبةَ للهمّ والغمّ والقلقِ ولا بُد . . إنَّهُ القرآنُ العظيمُ كلامُ اللهِ تعالى ،النورُ والهُدَى والشفاءُ من كلّ داء . . . لا يجتمعُ في المكان الواحدِ كلامُ الرحمن و وَساوسُ الشيطان : قال صلى الله عليه وسلم :" إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم .

إذا داهمتكَ الأحزانُ وراودتكَ الهمومُ وأحسستَ بشيءٍ من الضّيقِ في الصدر فاقرأ القرآنَ الكريمَ بنيَّةٍ صادقةٍ مُحتسبة وستجدُ بردَ اليقين وشفاءَ الصَّدر وزوالَ الهمّ والغم ،وهل في ذلك شكٌّ واللهُ تعالى يقول : ( [FONT="][/FONT]يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين[FONT="][[/FONT] (يونس57 )،وقال سبحانه : [FONT="])[/FONT]وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارا ) [FONT="][/FONT] (الإسراء82) . وقال سبحانه :[FONT="] ( [/FONT] قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء[FONT="] ) [/FONT] (فصلت :44). .

هذا هو القرآنُ الكريمُ إذا عمرَ قلبًا من القلوبِ كانَ لهُ نورًا يبدّدُ الظُّلُماتِ والأوهامِ والخيالات فكيفَ يعرفُ الطريقَ إلى القلقِ والهمّ والاضطراب والاكتئاب . .
تأمَّل-أخي في الله- هذهِ الأدوية ، انظُر كيف قدَّمت حلولاً جذريَّةً لأفتك أمراض العصر،حلولاً منبعثةً من الأعماق والداخل، واجتماعُها في حياة العبد؛ كفيلٌ بنقل الحياة من الهم والغم والقلق والاضطراب إلى الرضا والسكينة والراحة والطمأنينة .. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ..
المشاهدات 2040 | التعليقات 0