ما أجملَ التزينَ للمسجدِ! -24-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/10/23 - 2024/05/02 07:30AM

ما أجملَ التزينَ للمسجدِ! -24-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

تخيَّلْ أنَّكَ مَدْعُوٌ من الدِّيوانِ المَلكيِّ لمقَابلةِ الـمَلِكِ، فَمَا هُو شُعورُكَ؟ وَكَيفَ هي السَّاعاتُ والأيامُ التي ستقضيها في انتظارِ الموعدِ؟ وكيفَ هِيَ الاستعداداتُ ليومِ اللِّقاءِ؟ كَأنِّي بِكَ قَد أَخبَرتَ كُلَّ مَنْ تَعرِفُ وَمَن لا تَعرِفُ.

وأَخبرني عَن نَظافتِكَ، وَأَنَاقتِكَ، وَمَلابسِكَ، ورائحتِكَ الطيبةِ، وَأَنتَ في طريقِكَ إلى الدِّيوانِ.

تَأَتي إلى الدِّيوانِ المَلكيِّ، وإذا المَكانُ مَليءٌ بِالحَرَسِ وَمُوظفي الاستقبالِ، فَتَجلِسُ في قَاعةِ التَّشرِيفاتِ في انتظارِ الإذنِ بالدُّخولِ، وإذا النَّاسُ كَأنَّ عَلى رُؤوسِهم الطَّيرَ، الأَجسادُ خَاشعةٌ، والقُلوبُ وَاجفةٌ، الصوتُ أصبحَ هَمْسًا، والضَّحِكُ صَارَ ابتسامًا، وإذا بالبابِ يُفتحُ، ويأذنُ مسؤولُ المراسمِ الملكيةِ بالدُّخولِ، فلا تَستطيعُ المَشاعرُ أَنْ تعيشَ سعادَتَك، ولا اللسانُ أن يصفَ بهجتَكَ، وقد تكونُ تلكَ الزيارةُ هي الأولى والأخيرةُ في حياتِكَ، فكيفَ تَستثمرُها؟

والآنَ أَخبروني عن الدَّعوةِ التي تُوجَّهُ لَنَا كلَّ يومٍ خَمسَ مَراتٍ، لِزيَارةِ دِيوانِ اللهِ مَلِكِ المُلوكِ، فَيُنَادي مُنادي الدِّيوانِ: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلى الفَلاحِ، فَمَا هِيَ مَشاعرُكَ؟ ومَا هُوَ استعدادُكَ؟ أَخبرني عَن أناقتِكَ وملابسِكَ؟ وكَيفَ هِيَ سِرعةُ استجابتِكَ؟

هَلْ تَتَذَكَّرُ وَأَنتَ تَستَعِّدُ لِلذَّهابِ لِذَلِكَ المَوعِدِ، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، فَتلبَسُ أجملَ الثِّيَابِ، لِلوُقُوفِ أَمَامَ رَبِّ الأَربَابِ؟!

يَقُولُ ابنُ تَيميةَ-رَحِمَهُ اللهُ-: كَانَ لِبَعضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ-ثوبٌ-بِـمَبلَغٍ عَظَيمٍ مِنَ المَالِ، وَكَانَ يَلبَسُها وَقتَ الصَّلاةِ وَيَقولُ: رَبي أَحقُّ مَن تَجمَّلتُ لَهُ في صَلاتي.

أقولُ أسِفًا عَجِبًا: هُنَاكَ مَن يَأتي إلى المَسجِدِ بِـمَلابسِ النَّومِ، أَو بَدلَةِ رِيَاضةٍ أَو مَا يَجلِبُ اللَّومَ، ولَو دَعَاهُ بَعَدَ الصَّلاةِ الجَارُ أو الإمَامُ، لاعتَذَرَ بِأَنَّ مَلابِسَهُ لا تَليقُ بِالمَقَامِ، فَإلى مَتى وَنحنُ نَرى هَذا التَّهَاونَ في الاهتمامِ والاستعدادِ لزيارةِ بُيوتِ اللهِ-تَعالى-؟! وإذا كَانَ قَد وُضِعَ قَانونٌ للذَّوقِ العَامِ في الأمَاكنِ العَامَّةِ، فَإقَامَتُهُ في المَساجدِ مِن الأُمورِ المَطلُوبةِ الـمُهِمَّةِ.

إخواني: تَعظيمُ المَساجدِ مِن تَعظيمِ شَعائرِ اللهِ، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنـَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، هَل إذا دَخَلَ أَحدُنا المَسجدَ يَتَواضعُ للهِ-تَعالى-لأنَّه في بَيتِ مَلكِ المُلوكِ؟! هل يستحي من الـمَلائكةِ الكِّرامِ؟! هَل الجَوارحُ تَخضَعُ؟! هَل القُلوبُ تَخشَعُ؟! هَلْ نَستشعِرُ أنَّنا في بَيتِ العَظيمِ العَزيزِ، وأنَّه لا يَنبغي لأَحدٍ فِيهِ أَن يَتَكَبَّرَ عَلى أحدٍ، أو يَرى نَفسَه أَفضَلَ من أَحدٍ؟! فالكُلُّ عَبيدٌ مُتسَاوونَ في هذا المَكانِ، جَاءوا راجينَ ما عِندَ اللهِ من الرَّحمةِ والإحسانِ، سَاكِنينَ خَاشِعينَ للهِ القويِّ الرَّحمانِ.

المساجدُ فيها يُعبَدُ اللهِ ويُوحَّدُ، ويُعظَّمُ ويـُمجَّدُ، ويُركَعُ له ويُسجَدُ، وهي أحبُّ البِقاعِ إلى الواحدِ الأحدِ، قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا".

المَسَاجدُ تَتنزَّلُ فيها السكينةُ والرَّحمةُ، وتُنالُ فيها من الملائكةِ أعظمُ دعوةٍ، قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَـمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ".

المساجدُ تُغفرُ فيها العظائمُ والخطيئاتُ، وتُرفعُ الأجورُ والدَّرجاتُ، قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "أَلاَ أُخْبِـرُكُمْ بِـمَا يـَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ".

المساجدُ بيوتُ اللهِ -تعالى-التي أَمَرَ ببنائِها؛ للذِّكرِ والصلاةِ، يُصلي فيها الرِجالُ الـمؤمِنونَ الخائفونَ مِنْ يومِ القيَامَةِ، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)، قد عَلَّقوا قلوبَهم في مَساجدِ الرَّحمنِ، ينتظرونَ اللَّحظةَ التي يَسمعونَ فيها الأذانَ، فيرجعونَ إلى الـمَساجدِ لِتلتقيَ القُلوبُ بالأبدانِ، قَالَ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ-ومنهم-وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ".

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فمِنَ الأمورِ الـمُزعِجَةِ للملائكةِ والمصلينَ فِي المَسَاجدِ، تِلكَ الرَّوائحُ الكَريهةُ التي تَنبَعِثُ مِنَ الثِّيابِ والأَفواهِ، ثُومٌ وبَصلٌ وعَرَقٌ ودُخَانٌ، فَيَنشَغِلَ القَلبُ عَنِ الخُشوعِ والاطمِئنانِ، وَقَد قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِـمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ"، فالواجبُ كفُ الأذى عن ضيوفِ اللهِ الـمُكْرَمينَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ".

يا عُمَّارَ المساجدِ: حافظوا على هدوئِها وسكينَتِها، ونِظامِها ونظافتِها، فذلك ليسَ مهمةَ الـعاملينَ عليها فقط، بل مهمةُ كلِّ مؤمنٍ يرغبُ في الأجرِ من اللهِ-تعالى-، قالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ".

واحذروا من الإسرافِ والعبثِ بالـممتلكاتِ الوقفيةِ، وأعينوا الـمؤذنينَ والأئمةَ على ما تحمَّلوا من الـمسؤوليةِ، وتجاوزوا عن الهفواتِ والزلاتِ والأخطاءِ، فإنَّ الكمالَ لا يكونُ إلا لربِّ السماءِ.

واسْتَوُوا وتقاربوا في صفوفِكم، دونِ إيذاءِ إخوانِكم، ولا تختلفوا فتَختلفَ قُلوبُكم، وأَصلحوا ذَاتَ بَينِكم، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، فَمَا بُنيتْ المساجدُ إلا للعبادةِ والجماعةِ، وما قُصدتْ إلا للاجتماعِ على المحبةِ والطَّاعةِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1714624488_ما أجملَ التزينَ للمسجدِ! -24-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1714624488_ما أجملَ التزينَ للمسجدِ! -24-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1500 | التعليقات 0