ماذا بعد الخطأ؟ 16-2-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(مختصرة/للجوال)
محمد بن سامر
ماذا بعد الخطأ؟ 16-2-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحَمدُ للهِ (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه القَائلُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ"، اللهمَّ صَلِ وَسَلِّمْ وبَاركْ عَليهِ وعَلى آلِهِ وصَحبِه أَجمعينَ، أما بعد:
فيا أهلَ الإيمانِ: استجيبوا لنداءِ الرَّحمانِ حِينَ قَالَ لكم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
قال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ-كَثيرُ الخَطأِ-"، ولا مشكلةَ في هذا، ولكن مَاذا بَعدَ الخَطَأ؟
مِنَ النَّاسِ: مَنْ يَشعرُ بالفَرحِ بالمعصيةِ، والانتصارِ بتَحصيلِها، والنَّشوةِ بتَذَكُّرِها، وتَمني تِكرَارِها مرةً بعد مرةٍ، وهو مع ذلك يَتقلبُ في نِعَمِ اللهِ-تَعالى-، لا تَنفعُهُ مَوعظةُ النَّاصحينَ، ولا يَردَعُهُ هَلاكُ العَاصينَ، يُذكرُّك بقولِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ"، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِـمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ*فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)".
تَصِلُ الذُّنُوبَ إِلى الذُّنُوبِ وتَرتَجي*
فَوْزَ الجِنَانِ ونَيْلَ أَجْرِ العَابِدِ
ونَسِـيتَ أنَّ اللهَ أَخْـرجَ آدَمًا*
مِنْهَا إِلىَ الدُنْيَا بِذَنْبٍ واحِـدِ
ومِنَ الناسِ مَنْ يَقعُ في المعصيةِ، ثم يُعْقِبُها نَدمًا يُقطِّعُ القُلوبَ، ودُموعًا تُـحْرِقُ الجُفونَ، هَمٌ وقَلقٌ، سَهرٌ وأَرقٌ، يَذكرونَ نِعَمَ اللهِ عَليهم التي لا تُحصى، ويَذكرونَ مَقامَهم بَينِ يَدِّي خَالقِهم يَومَ القِيامَةِ لَو مَاتوا عَلى تِلكَ المَعاصي، فَيتُوبونَ مِنْ جَميعِ الذُّنوبِ ويَستَغفرونَ، كَمَا وَصَفَهم-تَعَالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
مِنهم عِبادُ الرَّحمانِ، الذينَ ليسَ للشَّيطانِ عَليهم سُلطانٌ، إنما هِيَ وَسوسةٌ بالمَعصيةِ وتَزيينٌ لها، شَبهَهَا اللهُ-تَعَالى-بالمَسِّ الذي لا تَمكينَ مَعَهُ، وبالطَّائفِ الذي لا بقاءَ له، وإنما هِيَ خَواطرُ ونَزغَاتٌ سُرعانَ مَا تَزولُ، عِندَمَا يَذكُرونَ رَبَّهم-جَلَّ جَلالُه-، فإذا بأبصَارِهم تَعودُ إليهم ليَعرِفوا حَقيقةَ البَاطلِ، وعَداوةَ الشَّيطانِ، فَيَمنعُهم مَا عِندَهم من التَّقوى عَن مَعصيةِ عَالمِ الجَهرِ ومَا يَخفَى، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
ومِنَ النَّاسِ: مَن قَد أَسرَهُ الشَّيطانُ، وَزَيَّنَ لَهُ العِصيانَ، فَتارةً يُقَنِّطُهُ مِن مَغفرةِ الرَّحمانِ، وتَارةً يُذكِّرُهُ بِطُولِ الزَّمانِ، ومَعَ ذَلكَ فإنَّ لَهُ نَفسًا لَوَّامةٌ، تُعاتِبُه كَثيرًا، ووَاعظُ اللهِ في قَلبِهِ يُنَاديه: يَا عبدَ اللهِ إلى أينَ تَذهبُ؟ ومـِمَّنْ تَفِرُ؟ أَتَعصي الذي سَوَّاكَ وخَلَقَكَ؟ أَلا تَستَحي مـِمَّنْ يَرى مَكانَكَ ويَسمعُ كَلامَكَ؟ أَلا تَسمَعُ أَرقَ دُعاءٍ، وأَجملَ نِداءٍ، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فَهو في صِراعٌ نَفسيٌ، هَلْ يَختارُ مَا في الدُّنيا مِنْ لَذةِ الشَّهواتِ؟ أو يَختَارُ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لمن أَطَاعَه من جَناتٍ؟ فتوبةُ هذا قريبةٌ، فَقَد تَكونُ في كَلمةٍ أو آيةٍ، أو مَوعظةٍ أو حَادثةٍ، يَفتَحُ اللهُ-تَعالى-بها أَقفالَ القُلوبِ، ويَنفضُ عَنها غُبارَ الذُّنوبِ، (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
كَانَ الفُضيلُ بنُ عِياضٍ-رحمَهُ اللهُ تعالى-حراميًا يَقطَعُ الطَّريقَ، وكَانَ سَببُ تَوبتِهِ أَنَّهُ عَشِقَ جَاريةً، فَبينَمَا هو يَرتقي الجِدرانَ إليها، إذ سَمِعَ تَاليًا يَتلو: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)، فَلمَّا سَمِعَها، قَالَ: بَلى يَا رَبِّ قَد آنَ، فَرجَعَ وقَد تَابَ ثُمَّ جَاورَ في المَسجدِ الحَرامِ بَقيةَ عُمُرِهِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحَمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
فمَاذا بَعدَ الخَطأ؟ يَقولُ-تعالى-: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنـَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)، فاللهُ-تَعالى-غَنيٌ عَن خَلقِهِ، لا تَضرُهُ مَعصيةُ العَاصينَ، ولا تَنفعُهُ طَاعةُ الطَّائعينَ، فلَو أَنَّ أَولَ النَّاسِ وآخرَهُم، وإنسَهُم وجِنَّهُم، كَانوا عَلى أَتقى قَلبِ رَجلٍ مَا زَادَ ذَلكَ في مُلكِ اللهِ شيئًا، ولو كَانوا عَلى أَفجرِ قَلبِ رَجلٍ مَا نَقَصَ ذَلك مِن مُلكِ اللهِ شَيئًا، فَالمعصيةُ لا تَضرُ إلا صَاحبَها، ومَعَ ذَلكَ فَإنَّهُ يَفرحُ بِتَوبةِ عَبدِهِ فَرَحًا عَظيمًا، قالَ اللهُ-سبحانَهُ-في الحديثِ القدسي: "إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"، فَهَلْ رَأيتُم كَرَمًا كَهَذا، أو فَضلًا كَهَذا.
يدُ اللهُ مبسوطةٌ لَيلًا نَهَارًا للتَّائبينَ؟ قالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ الله-تَعَالَى-يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها"، فمَنْ يـَمُدُ يَدَهُ معاهِدًا للهِ-تعالى-بتوبةٍ صادقةٍ من قلبٍ نادمٍ، فإِنَّ التائبَ لا يبدأُ حياتَه من جديدٍ؟ بل يبدأُ من حيثُ انتهى، فتلكَ الجبالُ السودُ من السيئاتِ يُبَدِّلُـها اللهُ-تعالى-إلى جبالٍ بيضاءَ من الحسناتِ، قال-تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، فما أحسنَ اغتنامَ الأوقاتِ بالطاعاتِ! وتبديلَ الحسناتِ بالسيئاتِ! والبعدَ عنْ طولِ الأملِ، فإنه لا يُعْلَمُ الأجلُ.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1693477732_ماذا بعد الخطأ؟ 16-2-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1693477732_ماذا بعد الخطأ؟ 16-2-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf