لِــــــقــــــــــــاء الله
راشد بن عبد الرحمن البداح
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا{اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة223]
يا عبدَ اللهِ: هل أفاجئُكَ بسؤالٍ؟ هل أنتَ مستعدٌ للقاءِ اللهِ؟ نعم! هل أنتَمستعدٌ للقاءِ اللهِ؟ هل لو قيلَ لكَ: تموتُ الآنَ، فهل أنتَ على استعدادٍ للقاءِ اللهِ؟! {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}[السجدة23] {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}[الروم8]
أتدري ما معنَى لقاءِ اللهِ؟! معناهُ أنك تُقابِلُ اللهُ –جلَّ جلالُه- وتراهُ، ويكلمُك سبحانَه، ويدخلُك الجنةَ، فترى أمَك وأباكَ اللذَينِ ماتا، ترى أحبَتك الذينَ سبقُوك للدارِ الآخرةِ، وتجالسُهم بالجنةِ وتتبادلونَ السلامَ بينكم:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}. فيا لَجَمال ذلكَاللقاءِ، ويا لجلالِه. فنسألُك ربَنا أن تُلحقَنا بتلك الرفقةِ، وأن تجعلَنا من خيرِفرقةٍ.
{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[العنكبوت5]
وإن كلَ مؤمنٍ يرجُو لقاءَ اللهِ، لكنه يكرهُ الموتَ، فهل هذانِ يتعارَضانِ؟!
خذِ الجوابَ من الصادقِ المصدوقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ! قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ. متفقٌ عليهِ().
فـ(لِقَاءُ اللَّهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: "لِقَاءٌ مَحْبُوبٌ" وَ "لِقَاءٌ مَكْرُوهٌ" فَصَارَ الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَصَارَ الْكَافِرُ يَكْرَهُ لِقَاءَ اللَّهِ)().
قِيْلَ لأَبِي حَازِمٍ: كَيْفَ الْعَرْضُ عَلَى اللهِ غَدًا؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُحْسِنُ كَالْغَائِبِ يَقْدِمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ فكَالْآبِقِ يُقْدَمُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ().
فليكنْ موعدُ لقاءِ اللهِ منكَ على بالٍ، ليكونَ للخيراتِ دافعًا، وعن المنكراتِرادعًا. امْرَأَةٌ عَابِدَةٌ قَدِمَ قَرِيبٌ لَهَا مِنْ سَفَرٍ طَوِيْلٍ، فَجَعَلَتْ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: لَيْسَ هَذَا وَقْتَ بُكَاءٍ! فَقَالَتْ: لَقَدْ ذَكَّرَنِي قُدُومُ هَذَا الْفَتَى يَوْمَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ().
أيُها المؤمنُ الراجي لقاءَ ربهِ: أبشرْ. ويا مَن أصابتهُ أمراضٌ مستعصيةٌ: أبشرْ؛ فإنك تَقْدَمُ على مَن هو أرحمُ بك من والدَيكَ!
قيل لأعرابيٍ وقد مرِضَ: إنكَ تموتُ! قال: وإذا مِتّ فإلى أينَ يُذهبُ بي؟قالوا: إلى اللهِ! قال: فما كراهَتي أن يُذهبَ بي إلى مَن لم أرَ الخيرَ إلا منه؟!()
عَادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَقَالَ سُفْيَانُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ أَتُرَى يَغْفِرُ اللهُ لِمِثْلِي؟ فَقَالَ حَمَّادٌ: وَاللهِ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللهِ إِيَّايَ وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ لَاخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ اللهِ عَلَى مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبَوَيَّ().
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ: فلقائلٍأن يقولَ: كيفَ أستعدُ للقاءِ اللهِ يومَ القيامةِ؟! والجواب: انظرهُ في قولِ ربِنا –سبحانَه-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف110]
مَن أرادَ الاستعدادَ للقاءِ اللهِ فليُلازِم كل يومٍ الاستغفارَ والتوبةَ من جميعِالذنوبِ، وليندمْ، وليعزمْ، وليتداركْ ما فاتَه من الصالحاتِ، وليُردَّ المظالمَوالحقوقَ لأهلِها: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات11].
أتريدُ بشارةً عظيمةً، يسوقُها لك البشيرُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربِهِالكريمِ –سبحانَه- حيث يقولُ: كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاَّ مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي. رواهُ الترمذيُوحسنهُ().
من أرادَ الاستعدادَ للقاءِ اللهِ فليُحسنْ للضعفاءِ والمساكينِ، وخذْ هذهِ القصةِالمؤثرةِ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ:
يَا عُمَرَ الْخَيْرِ جُزِيتَ الْجَنَّةْ ... اكْسُ بُنَيَّاتِي وَأُمَّهُنَّهْ... أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: إِذًا أَبَا حفصٍ لأذهبته. قَالَ: فَإِذَا ذَهَبْتَ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: تَكُونُ عَنْ حَالِي لِتُسْأَلَنَّهْ ... يَوْمَ تَكُونُ الأَعْطِيَاتُ يَمْنَهْ
وَالْوَاقِفُ الْمَسْئُولُ بَيْنَهُنَّهْ ... إِمَّا إِلَى نارٍ وَإِمَّا جَنَّةْ
فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى أُخْضِلَتْ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلامُ أَعْطِهِ قَمِيصِي هَذَا، لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِشِعْرِهِ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُ().
فاللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ: أحسنْ ختامَنا، وقدومَنا عليكَ، واجعل خيرَ أيامَنا يومَ نلقاكَ.
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياء، وَكُنْ بِنا رَءُوفًا رَحِيمًا. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا ونفوَسنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا، وقادَتَنا. اللهم احفظ ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
نستغفرُ الله الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محم
المرفقات
1666883161_لقاء الله.docx
1666883172_لقاء الله.pdf