لا تَـــحــــزَنْ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/03/27 - 2023/10/12 17:26PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فاتقُوا اللهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.

يا عبدَ اللهِ: كلُنا بشرٌ معرَّضونَ للأحزانِ بينَ الفينةِ والأخرَى.

فيا كلَ محزونٍ: فكرْ الآنَ ببلايا ابتُليتَ بها، فجثمَ بسببِها الهمُعلى صدرِكَ، واستوطَنَ الحزنُ قلبَكَ! أتريدُ تسليةً لحُزنِك، وبلسَمًا يعالجُك في همِك؟!

العلاجُ أن تعتبِرَ بما جرَى لنبيِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهوَ الذي كانَ يستعيذُ ربَه من الهمِ والحَزَنِ، ولذا كانَ دائمَ البِشْرِ، كثيرَ التبسُّمِ، مع أن الأحزانَ كثيرةُ الزيارةِ له في حياتِه ولكنها لم تجِدْ لها وطنًا فيقلبهِ.

فقد زارتْهُ الأحزانُ في طفولتِه عندما ماتتْ أمُهُ أمامَ ناظريِهِ وعمرُهُستُ سنواتٍ، وزارتُه الأحزانُ يومَ ماتَ جدُه عبدُ المطلبِ وعمرُه ثمانُسنواتٍ، وزارتْهُ الأحزانُ يومَ توفيَ عمُهُ أبو طالبٍ، وبعدَ ثلاثةِ أيامٍتوفيَتْ زوجُه خديجةُ، حتى سُميَ ذلكَ العامُ: عامَ الحُزنِ، وزارتْهُالأحزانُ يوم فُجِعَ بعمِه حمزةَ في أُحُدٍ، وعَمُّ الرجلِ صنوُ أبيهِ، وزارتْهُالأحزانُ يومَ فُجِعَ بدفنِ ستةٍ من أبنائهِ وبناتهِ، فكان يجلسُ على شفيرِ القبرِ وعيناهُ تذرفانِ.

نعم؛ كانَ نبيُك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحزنُ، لكنْ كيفَ حالُه مع الحُزنِ؟ كانَ يتفاعلُ مع حُزنِهِ تفاعلاً فطرياً، فيظهرُ أثرهُ في وجههِ،وكانَ يُعبّرُ عن حزنهِ بدمعِ العيونِ، تسيلُ على وجههِ المضيءِ، أو بكاءٍيُفيضُ فيه لَوْعتَه.

وعندما دخلَ على ابنِه إبراهيمَ وهو يجودُ بآخرِ أنفاسهِ جعلَيخاطبُه ويقولُ: «يَا ‌إِبْرَاهِيمُ! لَوْلَا أَنَّهُ ‌أَمْرٌ ‌حَقٌّ، وَوَعْدٌ صِدْقٌ،لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْناً أَشَدَّ مِنْ هَذَا؛ وَلَكنْ تَبْكِي العَيْنُ، وَيَحْزَنُالقَلْبُ، وَلَا نَقولُ إلَّا ما يُرْضِي رَبنَا، وَإنَّا بفرَاقِكَ يَا ‌إِبْرَاهِيمُلَمَحْزُونُونَ»(). إنه الحُزنُ الفطريُ الذي لا يُقاوَمُ ولا يُغالَبُ، ولكن لميجعل للأحزاِن مواسمَ وذكرياتٍ، ولا أياماً ومناسباتٍ.

نعم؛ إن الأنبياءَ قد أصابهمُ الحُزنُ الأشدُ، لكنهم كانوا يصبرونَالصبرَ الجميلَ، الذي لا شكوَى معه للخلقِ، وإنما شكواهم للذي يسمعُالسرَ وأخفَى. فانظرْ لنبيِ اللهِ يعقوبَ، فقد كادَ أبناؤُه بأخيِهِمْ يوسفَ فقالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ) وعندما فقدَ بِنيامينَ، ثم الابنَ الأكبرَ قالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). وعندما اشتدَ به الحزنُ مَدَاهُ، وبلغَ به الكَربُ مُنتهاهُ، قالَ: (إِنّمَآ أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ).

فماذا كانتِ النتيجةُ؟ قد أجابَ اللهُ دعاءَه، وأذهَبَ حُزنَهُ، وأفرحَ قلبَه، وجمَعَه بفلذاتِ كبدِه، هذا في الدنيا، وإن لهُ في الآخرةِ لَلحُسنى.

ومن عَظمةِ خُلُقِ نبيِك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يقِفُ مع المحزونينَ، فيداوِي قلوبَهم الموجوعةِ، ويسكبُ البشائرَ على أفئدتهِمُ المفجوعة.

لقيَ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ وقد استُشهدَ أبوهُ، فرآهُ كَسِيفاً حزيناً، فقالَ: «يَا جَابِرُ! مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً؟». يا لجَمالِ العبارةِ الحنونةِ «مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً؟». فقالَ: يا رسولَ اللهِ، استُشهدَ أبي يومَ أُحُدٍ، وتركَعيالاً ودَيْناً. فداوَى نبيُك لوعةَ جابرٍ، بذكرِ كرامةٍ عظيمةٍ لأبيهِ، فقالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ؟». فقالَ: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: «مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَداً قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ ‌فَكَلَّمَهُ ‌كِفَاحاً..().

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

نعمْ؛ كلُنا نحزنُ، لكنْ كيفَ نُعالجُ أحزانَنا كما عالجَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحزانَه؟

والجوابُ: أن تتسلحَ وتتسلَى، فقد كانَ يتسلَحُ بالصبرِ، ويَتَسَلَّى بانتظارِ الفرجِ، وقد توالَتْ عليهِ المِحَنُ، وربُّه يقولُ له: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ.

فيا مَن أصابتْهُ الهمومُ، وتكالَبَ عليه العسرُ تلوَ العسرِ: {لَا تَحْزَنْ}واصبرْ وانتظرِ الفرجَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. واعلمْ أن اللهَ حينَما ابتلاكَ بأحزانِك، ما أرادَ أن يعذبَكَ، ولكنْ ليهذبَكَ.

{لَا تَحْزَنْ} وارْضَ حتى لو دهمَكَ مرضٌ خطيرٌ، أو فقرٌ مدقِعٌ. تفاءَلْوإنْ فقدْتَ ولدًا أو زوجةً. واعملْ على دفعِ ما قدَّرَهُ ربُكَ من بلاءٍ. {لَا تَحْزَنْ} ثمّ اطمعْ في ثوابِ الصابرينَ. {لَا تَحْزَنْ} ولو تكالَبَ الأعداءُعلى المسلمينَ.

• فاللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ: اُجْلُ أحزانَنَا، واكشِفْ كروبَنا، وفرِجْ همومَنا، واقضِ ديونَنا. اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياءَ، وَكُنْ بِنا رَءُوفًا رَحِيمًا.
• اللَّهُم فارْحَمْ عِبَادًا غَرَّهُمْ طُولُ إِمْهَالِكَ، وأطْمَعَهُمْ كَثْرَةُ إِفْضَالِكَ. يا قَرِيْبًا مِمَّنْ دَعَاهُ، يا حَلِيْمًا على منْ عَصَاهُ.
• اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ باسمِكَ الأعظَمِ أنْ تَقْبَلَنَا في هَذِهِ السَّاعَةِ وتَرْضَى عَنَّا رِضىً لا سَخَطَ بَعْدَهُ أبَدًا.
• اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ واليهودَ القتلةَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.
• اللهمَّ احفظْ إخوانَنا في فلسطينَ وغزةَ، اللهمَّ اشفِ جرحاهُم وارحمْموتاهُم، واربطْ على قلوبِهم، وانصرهمْ على القومِ الكافرينَ.
• اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِ

المرفقات

1697120731_لا تحزن.pdf

1697120736_لا تحزن.docx

المشاهدات 1715 | التعليقات 0