لا تغضب

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... إن تقوى الله سبب سعادتكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة، فاعمروا قلوبَكم بالإيمان وبالخوف من الله وخشيته ومراقبته، واتقوا الله بأفعالكم وجوارحكم، فلا تفعلوا إلا ما يقربكم من ربكم، فمَنّ الله عليّ وعليكم بتقواه، وجنبنا جميعا أسباب غضبه وسخطه؛ إن ربي رحيم ودود. عباد الله .. إن من الخصال الذميمة والأخلاق الممقوتة التي ينشأ عنها كثير من المفاسد: سرعة الغضب والانفعال لغير مسوِّغٍ شرعي. وبسبب هذه الخصلة الذميمة تقطعت أوصال القربى بين الناس، وتفككت أسر، وضاقت صدور. ولا غرابة!! فإن الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير؛ ولهذا جاءت وصية نبيكم ﷺ (لا تغضب) ورددها مرارا، قال (لا تغضب) قال الرجل: ففكرت حين قال النبي ﷺ ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. نعم.. الغضب مفتاحٌ للشرّ، وسببٌ للفساد؛ لأن من غضب قد يصدر عنه من السباب والشتم وغير ذلك من قول المنكر ما يندم عليه في حال الرضا وهدوء الأعصاب. فإن من طبع الإنسان أن يغضب إذا استُغضب، ويثور إذا تعرض لفعل أو قول أو تصرف لا يرضاه ويأنف منه، وقد ينفعل أشد الانفعال، وتنتفخ أوداجه، وتحمرّ عيناه، ويقذف بكلمات الشر. ولكن الإسلام جاء ليهذب هذا الطبع، فبين أن المسلم مطالب مطالبة أكيدة بأن يضبط أعصابه قدر الإمكان، ويملك نفسه، ويكظم غيظه، ويخفي حنقه؛ بل عد الإسلام هذا الموقف من المسلم دليل الرجولة الفارعة، وعلامة القوة الفتية، وعنوان الشخصية الأبية؛ خلاف ما يفهمه بعض الناس من أن ذلك ضعف وخور. يقول ﷺ (ما تعدُّون الصُّرَعَةَ فيكم؟) قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال (ليس الشديد بالصُّرَعَةِ؛ ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب). عباد الله ... إن الغضب يولد الحقد، ويورث الحسد، وهما مرضان خطيران يدمّران الفرد والأسر والمجتمعات، هذا الغضب داء وبيل، وشر مستطير؛ وقد تكون آثار الغضب في بعض الأحيان هلاكًا ودمارًا وفسادًا وخرابًا. تأملوا -رحمكم الله-: كم من شجار بين شخصين حصل بسبب كلمة أو تصرف يسير أدى إلى القتل؛ كان سببه الغضب! وكم فرق الغضب بين زوجين وتفرق أولادهما وتقطعت الأواصر بينهما وهدمت أسر كانت ترفرف عليها السعادة والوئام! كم تقطعت أرحام وساءت علاقات اجتماعية بسبب الغضب وسرعة الانفعال على أمور كان بالإمكان التعامل معها بغير الغضب! إلى غير ذلك من المفاسد التي يسببها الغضب وسرعة الانفعال. عليك أخي المسلم إذا استُغْضِبْت أن تتذكر دائمًا ما أعده الله -عز وجل- للكاظمين الغيظ من عباده الذين يضبطون أعصابهم حتى لا تثور أو تنفعل ]وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ وقال رسول الله ﷺ (ما مِن جَرعةٍ أعظمُ أجرًا عندَ اللَّهِ، من جَرعةِ غيظٍ كظمَها عبدٌ ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ) وقال عليه الصلاة والسلام (مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ) ألا ما أعظمه من أجر! وما أكبره من فضل! وما أجزله من ثواب حري بكل مسلم  أن يحرص على نيله وتحصيله!. إنّه ليس أحسن للمرء من التَحَلِّي بخلق العفو، والتجاوز عن المخطئين، وضبط الأعصاب في مواطن الإثارة  والانفعال، وفي مثل هذه الأحوال تظهر معادن الرجال. نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأن يرزقنا الحلم والأناة، إن ربي لطيف لما يشاء؛ إنه هو العليم الحكيم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين .. إن من أشد الناس حاجة إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ الدعاة إلى الله، والمصلحين، والمحتسبين؛ ما أحوجهم وهم يعالجون انحراف المنحرفين وفساد المفسدين إلى الحلم والأناة! ما أحوجهم وهم يرون انتفاش الباطل وانتفاخه إلى كظم الغيط وشدة التحمل! ما أحوجهم وهم يرون صدود الصادّين، وإعراض المعرضين، وسخرية المستهزئين، ما أحوجهم مع ذلك كله إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ وعدم الانتقام للنفس! (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) لقد ضرب رسول الله ﷺ أروع الأمثلة للدعاة والمصلحين في هذا المجال، ها هو ﷺ يجد من أهله وعشيرته من أهل مكة الإعراض والصدود والتكبر والطغيان والسخرية واللمز والأذية وهو يدعوهم إلى ما فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة. يأتيه ملَك الجبال في يوم من الأيام وقد ضاق صدره ﷺ ويعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلان عظيمان بمكة، فيقول له الرسول ﷺ (لا، ولكني أستأني بهم؛ لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له) يقول عبد الله بن مسعود t: كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكي نبياً من الأنبياء أذاه قومه وهو يمسح الدمع عن وجهه ويقول: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون). إخوة الإسلام.. إن العلاج الناجع لمن ابتلي بالغضب اتّباع ما أرشد إليه النبي ﷺ في حديث سليمان بن صرد: استَبَّ رجلان عند النبي ﷺ وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي ﷺ (إنِّي لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وقال ﷺ (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلّا فلْيَضطجِعْ) وقال ﷺ (إنَّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِقَ من نارٍ؛ وإنما تطفأ النار بالماء؛ فإذا غضب أحدكم فلْيَتَوَضَّأْ). إن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وتغيير الحال التي عليها الغاضب، والوضوء، أسبابٌ نبوية، أسبابٌ شرعية، حث عليها المصطفى ﷺ ووجَّهَ إليها في اتقاء شر الغضب وآثاره المدمرة، وهي أسباب كفيلة لتخفيف حدة الغضب أو إزالته. هذا هو واجب المسلم مع خلُق الغضب: كظم الغيظ، والتحمُّل، والصبر، والحلم، والأناة. نسأل الله U أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى. هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[
المرفقات

1638501917_لا تغضب.docx

1638501923_لا تغضب.pdf

المشاهدات 574 | التعليقات 0