غزوة بدر الجزء الثالث مناسبة للجوال

د. ماجد بلال
1443/10/23 - 2022/05/24 05:35AM

خطبة غزوة بدر الجزء الثالث

ماجد بلال، جامع الرحمن بتبوك 26/10/1443ه

ما زلنا في أحداث غزوة بدر العظيمة، نأخذ الدروس والعظات والعبر، ونسترجع تاريخ الأمجاد وبطولاتهم.

وبعد ان اطمأنت نفوس المسلمين بتلك البشارات السابقة الذكر، استعدوا لقتال المشركين، وبنى المسلمون بمشورة سعد بن معاذ للنبي e  عريشاً على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة، كما تم انتخاب فرقة من شباب الأنصار بقيادته يحرسون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حول مقر قيادته.
تعبئة الجيش وقضاء الليل:
ثم عبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشه «1» ، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله «2» ، ثم بات رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادىء الأنفاس منير الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم، يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً.
كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة.
الجيش المكي في عرصة القتال ووقوع الانشقاق فيه:
أما قريش؛ فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر، بعثوا عمير بن وهب الجمحي؛ للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئا، ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتلُ رجل منهم حتى يَقتلَ رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادكم، فما خير العيش بعد ذلك، فرَواْ رأيكم.
وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل- المصمم على المعركة- تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة بن ربيعة فقال:
يا أبا الوليد إنك كبير قريش، وسيدها والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر؟
قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، وكان حليفاً لعتبة وقد قتله المسلمون في سرية نخلة، وأراد عتبة الانتقام له والثأر لدمه، وكانت في رجب من نفس العام أي قبل غزوة بدر بشهرين بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كتب له كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها عير قريش، وتعلم لنا من أخبارهم» فقال: سمعاً وطاعةً، وأخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا كلهم، وسار عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارةً، وفيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب، الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام، وأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما فعلوه، وقال: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام)، ووقف التصرف في العير والأسيرين.

ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسما هذه الأقاويل، وأن ما عليه المشركون أكبر وأعظم مما ارتكبه المسلمون: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

فقال عتبة لحكيم: قد فعلت، أنت ضامن علّي بذلك، إنما هو حليفي فعليّ عقله ديته وما أصيب من ماله.
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام: فأت ابن الحنظلية- أبا جهل، والحنظلية أمه- فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره.
ثم قام عتبة بن ربيعة خطيباً فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل- وهو يهيئ درعا له- قال يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني بكذا وكذا، فقال أبو جهل: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه- وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديما وهاجر- فتخوفكم عليه.
ولما بلغ عتبة قول أبي جهل: «انتفخ والله سحره» ، قال عتبة: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره، أنا أم هو؟ وتعجل أبو جهل مخافة أن تقوى هذه المعارضة. فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمي- أخي عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية عبد الله بن جحش- فقال: هذا حليفك (أي عتبة) يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك، ومقتل أخيك، فقام عامر، فكشف عن استه، وصرخ: واعمراه، واعمراه فحمي القوم، وحقب أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة. وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون جدوى.
الجيشان يتراءان:
ولما طلع المشركون، وترآى الجمعان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة» . وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم- ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر- إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.
وعدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يده قدح يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال:  )استو يا سواد) ، فقال سواد: يا رسول الله أوجعتني فأقدني، فكشف النبي e عن بطنه، وقال: «استقد» ، فاعتنقه سواد وقبّل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» ؟ قال: يا رسول الله قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بخير.
بارك الله لك ولكم في القرآن العظيم .....

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. أمَّا بَعْدُ..

 فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 وبدأت شرارة القتال، وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي- وكان رجلا شرسا سيء الخلق- خرج قائلا: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلما التقيا ضربه حمزة، فأطن قدمه بنصف ساقه –أي قطعها- وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض.

المبارزة:
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث وعبد الله بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي» ، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم، فقالوا: أنتم أكفاء كرام، فبارز أكبرهم سناً عبيدة بن الحارث عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، وقد قطعت رجله؛ فلم يزل صامداً حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.
وكان علي يقسم بالله أن هذه الآية نزلت فيهم: قال تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19].

 

 

صلوا وسلموا ......

المرفقات

1653370529_خطبة غزوة بدر الكبرى الجزء الثالث ماجد بلال.docx

1653370538_خطبة غزوة بدر الكبرى الجزء الثالث ماجد بلال.pdf

المشاهدات 531 | التعليقات 0